تدمري عبد الوهاب: هل من موعظة للمغرب والجزائر؟

تدمري عبد الوهاب: هل من موعظة للمغرب والجزائر؟ تدمري عبد الوهاب
يتصاعد الصراع الاستراتيجي في أكثر من مكان وأكثر من قارة بين قوى دولية واقليمية صاعدة ليس لها أي ماض استعماري. 
تحتكم في علاقاتها الدولية الى القانون الدولي بما يقتضيه من احترام لسيادة الدول وثقافاتها المحلية. 
وتعتمد في إقامة شراكاتها الاقتصادية والتجارية مبدأ رابح رابح والمصلحة المشتركة. وبين قوى عالمية تجر وراءها ارثا استعماريا طويلا وعقودا من العبودية التي مارستها في حق شعوب مستعمراتها السابقة خاصة في أفريقيا. تستميت في الدفاع عن هيمنتها على العالم رغم كل المخاطر التي قد تنتج على هذا السلوك الغافل للتحولات التي يشهدها النظام الدولي الحالي. 
لكن ما يهمنا أكثر في هذا المقال هو توسع خارطة هذا الصراع الاستراتيجي ليشمل كل القارات ابتداء بالشرق الاوسط. ومرورا بأوربا الشرقية وجنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية، وانتهاء بإفريقيا. 
كما ان الصراع يبدو أكثر وضوحا عندما نتفحص الغاية من هذه النزاعات التي تأتي ضمن سياق دولي يرمي إلى إقامة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بما يتطلبه هذا الهدف من معارك تكتيكية تمر أولا عبر رسم حدود جديدة من طرف الدول العظمى والاقليمية. وذلك خارج نطاق الحدود الجغرافية المعرفة في القانون الدولي وهو ما يصطلح عليه   بالعمق الأمني الاستراتيجي للقوى العالمية. 
علما إن إحدى المداخل الاساسية لتحقيق الانتصار يمر عبر تحقيق الغلبة الاقتصادية، وذلك بالتحكم في الممرات المائية التي تسير حوالي 80 % من التجارة العالمية سواء في البحر الأحمر -مضيق باب المندب -والخليج العربي الفارسي -مضيق هرمز-وقناة السويس، أو في البحر الاسود -مضيق البوسفور -أو في بحر الصين -مضيق ملقا-أو في أمريكا اللاتينية وخاصة الكاريبي بما فيها قناة بنما ومشاريع قنوات أخرى لربط المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ. وهو ما يجعل من هذه المناطق مجلات مكثفة للنزاعات والصراعات العسكرية التي يشهدها العالم ومدخلا حاسما للنصر او الهزيمة في الصراع الاستراتيجي الحالي. 
ان كان اغلب هذه الممرات المائية الدولية تشهد حاليا صراعات نفوذ بين القوى العالمية بما تشهده من نزاعات مسلحة مباشرة أو بالوكالة. 
فإن القادم لا محالة هو مضيق جبل طارق الذي يمتد بين الضفة الجنوبية لإسبانيا والضفة الشمالية للمغرب بدرجة اولى والجزائر بدرجة ثانية، الذي يمثل سدس التجارة البحرية العالمية، و5% من تجارة النفط الدولية. 
ويشكل ربطا مائيا بين أوروبا وأفريقيا وبوابة للدخول إلى عمق هذه الاخيرة التي أصبحت تشكل بدورها مركز جذب للقوى العالمية لما تحتويه من موارد مهمة للطاقة ومعادن ثمينة، خاصة بعد استفاقة الكثير من دول القارة وبالخصوص دول الساحل الإفريقي التي استرجعت سيادتها واستقلال قرارها السياسي من القوى الاستعمارية والنيوكولونيالية، وانفتاحها في المقابل على كل روسيا والصين كقوى عالمية صاعدة في إطار شراكات اقتصادية وأمنية تحتكم لمبدأ المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل، وذلك على حساب دول الغرب الاستعماري التي تسعى جاهدة إلى زرع التوترات بين دول الشمال الغربي لإفريقيا من أجل خنق اقتصاديات دول الساحل الإفريقي المتمردة على الهيمنة الاطلسية  عبر منعها من الوصول إلى المنافذ البحرية الشمالية للقارة . وذلك من خلال زرع الفتن داخلها وبينها وبين كل من الجزائر والمغرب المطلتين على البحر المتوسط ومضيق جبل طارق من جهة.
 ومن جهة اخرى خلق المزيد من التوترات بين هاتين الدولتين   التي تشهد علاقتهما تصعيدا خطيرا على خلفية الدعم اللامحدود الذي تقدمه الجزائر لجبهة البوليساريو التي أصبحت تشكل ورقة ابتزاز لكلتا الدولتين من طرف دول الاتحاد الأوروبي والدول الكبرى. 
 اضافة الى قضايا أخرى مرتبطة بترسيم الحدود التي تمتنع فرنسا عن كشف الخرائط التي تتوفر عليها في مرحلة استعمارها للدولتين. وقضايا أخرى مستجدة   تهم تشجيع الحركات الانفصالية سواء في منطقة القبائل أو في منطقة الريف. وانتهاء بالتصعيد الأخير حول ما يقال عن مصادرة ممتلكات السفارة الجزائرية بالمغرب.  بل ودفع الدولتين الى خلق حالة من الاستقطاب الحاد للدول الافريقية عبر طرح مشاريع اقتصادية وتجارية عبر أنبوب الغاز النيجيري المغربي تارة، والجزائري تارة اخرى، او عبر المبادرة الاطلسية، التي تبقى كلها مشاريع غير قابلة للتحقق في غياب الاستقرار الأمني الذي تتهدده الجماعات الارهابية والحركات الانفصالية التي تخترق جل دول المنطقة. علما كذلك ان هذا الاستقطاب الحاد والتوترات التي تشهدها علاقات دول المنطقة يوازيه تدخل أمني وعسكري للقوى العالمية المتصارعة على هذا المجال الجيو استراتيجي. سواء من خلال التواجد الأمني والعسكري للولايات المتحدة الامريكية واسرائيل بالمغرب الذين يزودون هذا الأخير بأحدث الترسانات العسكرية، ويستعد لاستقبال مركز قيادة أفريكوم الامريكية بعد ان عمدت النيجر الى انهاء الاتفاق العسكري معها. ودخول كل من الصين وإيران وروسيا على الخط   في دول الساحل الافريقي وكذا الجزائر في الجوانب الامنية والعسكرية والاقتصادية. 
ان احتدام الصراع الاستراتيجي على الممرات المائية والمنافذ البحرية وتوسع خارطة هذا الصراع    سيشمل عاجلا ام اجلا المنطقة الشمالية الغربية لأفريقيا وضمنها مضيق جبل طارق. خاصة مع ما تشهده المنطقة من تراكم للقوة النارية وتدخلات خارجية لقوى متصارعة على المستوى الاستراتيجي. إضافة الى ما تختزنه المنطقة من توترات حدودية وصراعات بينية، وحركات مسلحة منفلتة قابلة للتوظيف.
إنها كلها عوامل تجعل هذه المنطقة الجيواستراتيجية مرشحة للتصعيد في اي لحظة رغم ما تشهده حاليا من هدوء نسبي راجع الى التوازنات الدقيقة التي تشهدها المنطقة علاقة بالقوى الدولية. وكذا حرص الغرب الأطلسي على عدم   تفجير الأوضاع بالمنطقة التي إن حدثت، ستطال تداعياتها جل دول أوروبا الغربية.  
إضافة الى مخاطر تعطيل الملاحة التجارية في مضيق جبل طارق الذي يشكل شريان حياة لأكثر من 17% من التجارة العالمية.  لكن كل هذه التوازنات تبقى رهينة بتطور الصراع الدولي الذي تدفع كل مؤشراته الى الاعتقاد بدخول العالم مرحلة الفوضى الشاملة والتقاطبات الحادة   التي لن تترك المجال للوقوف في المنطقة الرمادية او المنزلة بين المنزلتين، كما هو شان كل من المغرب والجزائر الآن، الساعيتين الى الحفاظ على علاقات متميزة مع القوى العالمية الصاعدة دون التفريط في علاقاتهما بدول الغرب الأطلسي.  
ان كانت هذه المنطقة الجيو-استراتيجيه تتهددها المخاطر التي سبق ذكرها فهل يمكن القول ان كل من المغرب والجزائر قد وضعتا هذه التهديدات في حساباتهما السياسية؟
اليس من الممكن تفادي هذه المخاطر من خلال تنقية الأجواء السياسية بصيانة الوحدة الترابية لكلا البلدين وبلدان دول الساحل الافريقي.  
وخلق شراكات اقتصادية وتجارية  أمنية ودفاعية مشتركة قادرة على رفع التحديات المستقبلية خاصة مع ما تمتلكه الدولتان ،اضافة الى موريتانيا ودول الساحل الافريقي من مقومات بشرية واقتصادية  وعسكرية  تؤهلهم للعب دور اساسي في الحفاظ على الأمن الاستراتيجي لهذه المنطقة الحيوية والمساهمة الفعالة في صياغة النظام العالمي الجديد  من موقع   التكتل السياسي والاقتصادي  الافريقي  الوازن. والقوة الإقليمية المؤثرة على الساحة الدولية، وذلك بما يخدم المصالح العليا  لشعوب إفريقيا عامة و شعوب منطقة شمال غرب افريقيا خاصة.