لا يخضع الأحياء فقط لجحيم "التسخسيخ" داخل المرافق العمومية المحلية، بل التحق بهم الأموات الذين بات لزاما عليهم أن يسلموا الروح قبل الثالثة زوالا إذا أرادوا أن يدفنوا في مقبرة الغفران بالدار البيضاء وإلا ظلوا دون كرامة وارتفعت ريحهم، وتبهدلت جثامينهم. ذلك أنه الوقت الذي يؤكد فيه العديد من الفقهاء وعلماء الدين على ضرورة الإسراع بدفن الميت، فإن هذه الدعوات لا تجد لها أي صدى في مقبرة الغفران بالدار البيضاء، إذ يجد العديد من المواطنين أنفسهم في حيرة من أمرهم بسبب عدم السماح لهم بإكرام موتاهم، بذريعة أن إدارة المقبرة تغلق أبوابها في الثالثة والنصف زوالا في شهر رمضان والخامسة في باقي الشهور، وكأن للموت ميقات معلوم، والحال أن ساعة الموت من علم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، كما جاء في القرآن الكريم: "إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ".
فهل يعلم بعض منتخبي البيضاء وإدارة مقبرة الغفران ذلك علم اليقين، كما توضحه الآية بتفصيل، أم أنهم ضربوا صفحا عن إكرام الموتى بدفنهم، وهي الوظيفة التي أسندت إلى المنتخبين حسب الشرع والقانون؟ وهل تدري إدارة مقبرة الغفران أن "وقت الإغلاق" يتسبب في مشاكل لا حصر لها، والتي يمكن الاستغناء عنها بالقليل من الالتزام الوظيفي والأخلاقي؟
لقد أصبحت المشاكل التي تعرفها مقبرة الغفران حديث المقبل والمدبر، وهي المشاكل التي ترتبط بالعديد من الشوائب المستدامة (التسول، الكلاب الضالة، الأزبال، ممرات متآلكة، أسوار مهدمة.. إلخ). غير أن هذه المشاكل تعمقت مؤخرا على نحو كبير، بسبب عدم تشكيل مجلس مجموعة التعاون في هذه المقبرة، وهو المجلس الذي يضم عادة أربعة منتخبين ينتمون إلى مجلس جماعة البيضاء وثلاثة من منتخبي جماعات إقليم مديونة، ما يعني أن منتخبي الدار البيضاء الكبرى فاشلون ليس فقط في تدبير أمور الأحياء، بل ناجحون في إهمال شؤون الأموات، وفي إخراجهم من أي حساب.
عدم الاتفاق لحد الساعة على تشكيل مجلس التعاون جعل هذه المقبرة تعيش العديد من مظاهر الفوضى، بالإضافة إلى الكثير من المشاكل التي يعانيها العديد من المواطنين أثناء مراسيم الدفن، خاصة بعد الساعة الثالثة والنصف زوالا في شهر رمضان والخامسة في باقي الشهور، حيث بمجرد ما تغلق إدارة المقبرة أبوابها لا يمكن دفن الموتى، ما يدخل العديد من أقارب الموتى في حالة من الحيرة والتيه. لولا أن السلطة المحلية بإقليم مديونة، الممثلة في باشوية المجاطية والقيادة، تتدخل في كل حين لتنوب عن المنتخبين المتقاعسين، وتحل محلهم لتباشر كل المساطر لتسهيل دفن أموات المسلمين !
وقال مصدر لـ "أنفاس بريس" : "يتطلب الواقع المزري الذي تعرفه مقبرة الغفران الإسراع في تشكيل مجموعة التعاون، لأنه لا يعقل منع دفن الموتى بعد الرابعة في شهر رمضان، والخامسة في باقي الأيام، علما أنه خلال سنوات طويلة كانت يتم دفن الموتى حتى بعد صلاة العشاء في بعض الحالات بدون أي مشاكل".
وأضاف المصدر نفسه أن ما تعيشه مقبرة الغفران يستدعي تدخلا عاجلا من قبل الوالي محمد امهيدية، باعتباره ممثلا لأمير المؤمنين، ذلك أن الاستخفاف بالأموات وذويهم من طرف المنتخبين لايمكنه أن يستمر على هذه الحال، خاصة أن المقبرة توجد في أكبر حاضرة بالمغرب، وتستقبل في المتوسط يوميا حوالي 50 جنازة. أو يتدخل المشرع ليجرد هؤلاء المنتخبين من هذا الاختصاص ويمنحه صراحة للباشا او القائد، تحقيقا للنجاعة وعدم الاستخفاف بأموات البيضاويين.
يذكر أن مقبرة الغفران شيدت بمنطقة الهراويين، في ثمانينات القرن الماضي، وهي ممتدة على مساحة تناهز 130 هكتارا.