حمضي: وزان تودع ابنها البار سي مصطفى المودن

حمضي: وزان تودع ابنها البار سي مصطفى المودن الفقيد سي مصطفى المودن والفاعل الحقوقي محمد حمضي يجمعهما زمن السياسة أخلاق و فعل نبيل
اذا كان من درس حفظته عن ظهر قلب بمدرسة الزعيم الوطني الكبير، ومهندس استراتيجية النضال الديمقراطي ببلادنا، سي عبد الرحيم بوعبيد، الذي انتصر على طول وعرض مشواره السياسي لحكمة "ممارسة السياسة بأخلاق". درس جنب البلاد  الأزمات الحادة التي عاشتها فجعلتها تنفلت من بين أصابع كوارث العواصف التي هبت عليها.
 
انتصبت أمام عيني هذه الحكمة "السياسة أخلاق" مباشرة بعد مغادرتنا مقبرة مولاي التهامي بدار الضمانة، عصر يوم الأربعاء 20 مارس2024، بعد أن ألقينا آخر نظرة على الابن الابر لمدينة وزان، وفقيدها الاستثنائي سي مصطفى المودن.
 
جمعتني بالفقيد رحاب مجلس جماعة وزان في ثاني تجربة انتخابية يعرفها المغرب، بعد مرحلة الاستثناء التي كانت فاتورتها غالية على البلاد على أكثر من مستوى ....

الخصومة السياسية مارسناها بيننا بأخلاق عالية، هو من موقعه على رأس المجلس البلدي (مجلس الجماعة اليوم) باسم حزبه الذي صنفه القاموس السياسي أنذاك "الحزب الإداري"، وعبد ربه من موقع المعارضة البناءة، ممثلا لحزب عبد الرحيم بوعبيد.
 
تميز الرجل المنحدر من أسرة جد متواضعة اجتماعيا، بالعصامية، فكان من الرعيل الأول من المهندسين المغاربة، خريجي أعتى المعاهد بفرنسا، حيث سيتقلد بعد عودته للمغرب، مهاما على رأس أكثر من قطاع حيوي واستراتيجي (السدود، التكوين المهني...)، وسيمثل المملكة المغربية في الكثير من المؤتمرات العلمية الدولية.... في جملة واحدة كان مفخرة للوطن ولدار الضمانة التي سكنته حتى النخاع، ولا أدل على ذلك، تركه وصية دفنه بتراب وزان رغم استقراره بالعاصمة لعقود وعقود....
 
احتدمت بيننا خلافات تدبير الشأن الترابي لوزان أكثر من مرة، لكن مسلسل "شد لي نقطع ليك" ظل على الدوام مؤطرا بحكمة "السياسة أخلاق" التي تقابلها بالدرجة المغربية "العداوة ثابتة والصواب يكن". ويمكنني أن أجزم بأن السر وراء ممارسة الفقيد السياسة بأخلاق، تجد جدورها في الانتماء الأصلي للفقيد لمجتمع الحركة الاتحادية، التي نسج مع أطرها العليا علاقات بمساحة واسعة.... انتماء جر عليه "توبقال" من المتاعب، صعب تحديد وتقدير حجمها ....ولعل تحالفه بمجلس جماعة وزان في تجربة (92/83) مع الفريق الاتحادي، ضدا على ما كان قد خطط له المركب المصالحي الإداري الاستغلالي، أسطع مثال يبصم على الانتماء التقدمي للفقيد... أضف إلى ذلك مؤشر صرامته في مواجهة رجال السلطة زمن الوصاية القانونية المفرطة على المجالس الجماعية... وقائع كثيرة كان عليها منتخبون وأطر إدارية شهود عيان....
 
الابن البار لمدينة وزان، وفي أوج صراعه مع السلطة سنة 1987، من موقع رئاسته لمجلس الجماعة، مد يده للفريق الاتحادي الذي كان قد تقدم بمشروع تنظيم أول أسبوع ثقافي للمدينة ... تظاهرة محسوبة على رؤوس أصابع المجالس الجماعية التي اشتغلت على الشأن  الثقافي، لأن هذا الحقل زمن "الجمر والرصاص" كان حكرا على الحركة التقدمية والديمقراطية.... نسخة ثقافية وفنية، استقبلت فطاحلة الفكر والثقافة والمسرح ... أين وزان اليوم من روح تلك التظاهرة الثقافية والفنية والرياضية الكبرى ....؟.
 
عاش سي مصطفى كبيرا.... ليس بتكديس الأموال والمشاريع الموزعة بالداخل والخارج، كما سار على ركب  ذلك الكثير ممن جايلوه، ولو أنهم لم يمروا من حيث مر هو حيث الميزانيات ضخمة.... عاش كبيرا ببساطته وزهده وتواضعه، ومارس السياسة بأخلاق لأنه من طينة السياسيين الذين تملكوا قيمة النبل في  العمل السياسي حتى وهو في أقسى درجات صدامه مع خصومه السياسيين.... صدام كان في الكثير من الأحيان من صناعة المحيط  والراعي الاداري للمحيط المستقر بزاوية " باب الجاد"، بحثا عن الغنائم .....
 
لا يمكن أن أغلق القوس الذي قدمت فيه شذرات واشارات مقتضبة، وعناوين صغيرة عن الفقيد الكبير سي مصطفى المودن، من دون أن ألتمس من مجلس جماعة وزان بكل مكوناته، الشروع في التحضير لتنظيم حفل تأبين (الذكرى الأربعين) يليق بثقل الرجل الذي يعتبر قامة من القامات العلمية الوزانية التي على دار الضمانة أن تفتخر بهم، وأن تجعل أسمائهم ذاكرة حية ودائمة التحليق في سمائها... الفقيد عاش دائما فوق الحسابات الصغيرة، وتفاصيل السياسة السياسوية....
 
الاختلاف في تدبير شأن وزان لا ولم يفسد للود قضية بيننا، لأن أصل السياسة فعل نبيل، قبل أن يطالها المسخ والعفن.... السياسة أخلاق وهو ما غاب اليوم، فكان السقوط المدوي للفعل الحزبي وهلم جرا مما نتج عنه من مآسي وشلل... اندحار عنوانه البارز للعيان هو اللاثقة..... 
 
رحم الله الصديق العزيز سي مصطفى، وتغمده الله بواسع رحمته ومغفرته، واسكنه فسيح جناته. وإنا لله وإنا إليه راجعون.