أكد إدريس الفينة، دكتور في الاقتصاد ورئيس المركز المستقل للدراسات الاستراتيجة، على سيطرة عقدة الأجنبي فيما يخص لجوء بعض الوزارات لمكاتب دراسات أجنبية، كما تحدث عن أسباب ضعف جلب الاستثمار الخارجي وأسباب عدم تحرر المغرب اقتصاديا، وعجز الميزان التجاري....
تم مؤخرا الإعلان عن اللجوء لطلب دراسة يقوم بها مكتب توني بلير لفائدة المغرب حول السياسات العمومية. لماذا تلجأ الحكومة المغربية وبإسهال، إلى مكاتب الدراسات الأجنبية؟ هل المغرب يشكو الخصاص في الخبراء وفي مكاتب الدراسات؟
مسألة اللجوء إلى مكاتب الدراسات الأجنبية غير جديدة، منذ عشرين سنة لاحظنا أن بعض الوزراء في إطار تغيير منهجية الاشتغال داخل الوزارة، صاروا يلجؤون إلى مكاتب الدراسات الأجنبية. صلاح الدين مزوار مثلا لجأ إلى ماكينزي فيما يخص استراتيجية الإقلاع الصناعي، وبعده بات وزراء آخرون يقومون بنفس الأمر.
بطبيعة الحال، هذه المسألة تتضمن عددا من الجوانب السلبية، أولا يتم تهميش أطر الوزارات المعنية، كما نعلم أن تلك المكاتب تعمل مع خبراء كبار يبيعون خبرتهم سواء على المستوى الإفريقي، أو الأوروبي.
وللأسف، فيمكن لمكاتب الدراسات الوطنية القيام بنفس تلك الدراسات، كما أن من سلبيات هذا التوجه، خروج العملة الصعبة في الوقت التي يحتاج إليها المغرب.
وإذا توقفنا عند ميزان الأداء، نجد بأن الخدمات التي تقتنيها الحكومة من الخارج تتعدى 15 مليار درهم منذ سنوات، ومن ضمنها مكاتب الدراسات الأجنبية، وبالتالي فالأمر يتعلق فقط بعقدة الأجنبي لدى بعض الوزراء الذين لا يؤمنون بالخبراء المغاربة.
الأمر الثاني الذي يجب التوقف عنده، كون الدراسات السابقة كانت ضعيفة جدا لسبب بسيط يتعلق بكون تلك المكاتب لا معرفة لها بخصوصيات النموذج المغربي، وبالتالي تقدم أفكارا تكون صالحة لكل بلد، ولا تقدم حلولا محددة، خاصة بالمغرب فقط، مثل "ماكدونالد" فهو صالح لكل منطقة، وتلك الدراسات تكون عامة، وغير دقيقة.
وفي رأيي لجوء الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية، محسن الجزولي، إلى المكتب الدولي المتخصص في السياسات العمومية، "معهد توني بلير"، لإعداد الدراسة المتعلقة بوضع الإطار الوطني لالتقائية السياسات العمومية، يتعلق فقط بعقدة محلية، للحديث عن كون معدي الدراسة من خارج المغرب، لتصديق مضمونها.
جلب الاستثمار الخارجي هو أحد المحددات الرئيسية لإبراز صورة البلد في المشهد الدولي. في تقديرك هل المغرب يحظى ببريق لدى المستثمر الأجنبي؟ إن كان الأمر كذلك، ماهي قراءتك لحجم الاستثمارات الأجنبية المتدفقة على بلادنا في السنوات الأخيرة؟
أرقام الاستثمارات الخارجية تستدعي ملاحظتين، الأولى أن المغرب ظل جامدا لسنوات، 30 مليار درهم، أي ما يناهز 3 ملايير دولارا، تم تراجعنا لـ 2.5 من سنة إلى أخرى.
هذا التراجع يمكن تفسيره بتراجع جاذبية التراب الوطني، علما أن التنقيط المغربي عرف تحسنا، ومن تم هناك خلل في مكان ما ينفر المستثمر الأجنبي من المجيء للمغرب للاستثمار، فمن المؤكد وجود عقبات تواجه المستثمرين الأجانب، ولم يتم حلها، فقد كان ترتيب المغرب الثالث إفريقيا، الآن صار في الترتيب السابع، وقد نتراجع إلى التاسع في ظل تطور عدد من الدول الإفريقية التي باتت تزاحم المغرب فيما يخص الاستثمارات الخارجية. هناك أعطاب كثيرة، وأظن أن مدونة الاستثمار لن تحل هذا الإشكال.
الملاحظ أن الخطاب الرسمي يبالغ في الاحتفال بالاستثمارات الأجنبية بالمغرب، بالمقابل نلاحظ أن ذلك لا ينعكس على جودة عيش المغاربة ولا نرى له أثرا على امتصاص البطالة أو تحسين ميزان الأداءات بالمغرب. لماذا؟
الاستثمارات الأجنبية لعبت دورا في عدد من الدول فيما يخص تطور مستويات الحياة، والرقي بالدخل، وخلق مناصب الشغل، وتحسين الأوضاع بشكل عام، مثال كوريا الجنوبية، والصين، ودول آسيا التي عرفت طفرة كبيرة في نموها بفضل الاستثمارات الخارجية.
في المغرب، للأسف، الأمور جامدة، لأسباب يجب التدقيق فيها، من أجل أن تعرف هذه الاستثمارات الخارجية طفرة جديدة.
هناك خطاب من جهة، لكن هناك أرقام تجسد وضعا حقيقيا، وما تقوله الأرقام مخالف تماما للخطابات الرسمية.
ارتباطا بميزان الأداءات، تم عام 2023 تسجيل أرقام مقلقة حول العجز التجاري بالمغرب. ماهو سبب ذاك، علما أن المغرب مافتئ يحتفي بكونه يحتضن منصات عالمية لتصدير السيارات؟
فعلا الميزان التجاري عرف قبل كوفيد مسارا للتدهور، بحيث صارت صادرات المغرب أضعف بكثير من الواردات التي تطورت بشكل كبير، لأسباب كثيرة من قبيل اعتماد المغرب بشكل كبير على الخارج، وفي كل شيء، مما يؤكد فشل سياسة التصنيع المحلي لأنها لم تعط أكلها لأسباب متعددة، فالمقاولة المغربية لا ترغب في التصنيع، رؤوس الأموال تتوجه إلى القطاعات الريعية للربح السريع، والمجازفة الضعيفة، وبالتالي فنحن مرتبطون فيما يخص المواد المصنعة بالخارج، فكل ما هو صناعي نستورده من الخارج، ناهيك عن كون مجال الصناعة في المغرب يعرف ضعفا، وتتحكم فيها رؤوس أموال خارجية.
وبالتالي كل الأرباح التي يتم تحقيقها تذهب للخارج، وحتى الصناعات الخارجية، خصوصا في المناطق الحرة، فهي تعتمد على مدخلات تأتي كلها من الخارج، وهو ما يفسر جزءا من العجز التجاري الذي عرف تدهورا كبيرا في السنوات الأخيرة.
رغم مرور 66 عاما على الاستقلال، لم يتحرر المغرب من قبضة أوربا الغربية، إذ مازالت هذه الأخيرة هي أول شربك اقتصادي للمغرب مما يرهن المصالح الاستراتيجية للبلد من جهة ويضعه في موقف ضعف من جهة ثانية. هل توجد تجارب دولية يمكن الاستئناس بها بخصوص تنويع الشركاء وضمان هامش واسع للبلد في التفاوض ؟
بالفعل المغرب بقي مرتبطا في مبادلاته التجارية بالاتحاد الأوربي، خصوصا فرنسا، وإسبانيا، بحكم العلاقات القديمة، اللغة، التاريخ، القرب الجغرافي.
للأسف المغرب لم يستطع التحرر من مستعمريه القدماء، فحين نتحدث عن الاتحاد الأوربي فهاتين الدولتين، هما اللتان تهيمنان على التجارة الخارجية المغربية.
ويتوجه المغرب في السنوات الأخيرة نحو المبادلات الخارجية، من قبيل آسيا، روسيا، أمريكا، وأمريكا الجنوبية، وإفريقيا، لكن بالرغم من ذلك، لازال هذا التنوع لحدود الآن محدود، وغالبا يرتبط الأمر بثقافة المغرب، وتحرره من دول الجوار.
وبطبيعة الحال، نحتاج إلى بيداغوجية، وإلى تطوير الأسطول البحري لتصدير منتجاتنا لمناطق بعيدة، هناك أسواق جد مهمة، لكن مع الأسف، لم نستفد من توقيع الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية كثيرا، سواء على مستوى المبادلات، أو الاستثمارات، حيث تتموقع أمريكا على هذا المستوى في المركز الثالث، أو الرابع، في حين كان من المفترض أن تكون أول مستثمر في المغرب لو كانت هناك خطة مدروسة في هذا الاتجاه.
لدينا ثلاث دول كانت إلى حدود السبعينات من القرن العشرين في مستوى المغرب أو أقل منه، وهي: كوريا، سنغافورة وماليزيا. اليوم هذه الدول حققت وثبة وتحتل مكانة مرموقة في سلم الرفاهية، بينما المغرب مازال يئن تحت البؤس والفقر. ماهي الوصفة التي ساعدت الدول الثلاث المذكورة لبلوغ المجد الاقتصادي؟
الدول التي تحدثت عنها، وهناك دول أخرى شقت طريقها بشكل عقلاني نحو تنمية متسارعة، لكن المغرب لا يتوفر على تصور، واستراتيجية عامة للنمو السريع، حتى حين نقرأ النموذج التنموي الجديد، فلا جديد فيه، ولا أظن أننا سنصل إلى الأهداف الاستراتيجية، فمازلنا بعيدين أن نكون بلدا صاعدا، نخفض الفجوة فيما بيننا، وبين الدول التي كانت بالأمس القريب بجانبنا.
نحن لا نعطي للرأسمال البشري الأهمية، كما يجب إعادة النظر في الاختيارات الاستراتيجية، كما يجب إعادة النظر في مسألة القيادة، عدد من الوزارات تعرف للأسف نوعا من التردي في التدبير، وغياب الكفاءات، والتجربة، مما يضيع على المغرب إمكانيات هائلة للنمو على كل المستويات.