لرمضان طعم خاص وسر عجيب وتأثير كبير على قلوب الناس وأفئدتهم وخصوصا من عرف قدره وحكمته وفلسفته وتعانق مع أجواء روحانيته ومعانيه؛ هذه الأجواء تنعش القلوب الجافة الميتة وتملأها حبا وسعادة وحبورا، فهذا الحب والعواطف الخلابة ، التي يشعر كل منا أنه في أمس الحاجة إليها، بحيث كلنا نحبُّ أن نُحِبَّ، وأن نُحَبَّ، وبقدر ذلك نكون راضين عن أنفسنا أكثر، وكلما أحس الإنسان أنه مقبول من نفسه ومن الآخرين، كلما كان أكثر إيجابية وفعالية في هذه الحياة، ولهذا رمضان مدرسة حب عظيمة، وأعظم حب في الوجود هو حبُّ الله للعبد، وحبُّ العبد لله؛ لأنه سر الحياة، وإكسيرها النفيس، وحول قطبه النوراني تدور كل كواكب الحب الإنساني. وينمو هذا الحب في قلب الصائم الصادق من خلال عبادات وشعائر يقوم بها خلال هذا الشهر الفضيل؛ وبالتالي ترتفع درجة الإيمان عنده كما يرتفع منسوب الحب في أغلب قلوب المؤمنين تجاه خالقهم "جل جلاله"ومن خلاله تنمو حدائق الحب الأخرى بدءا بحب الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي هو وسيلة وطريق إلى حب الله تعالى: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ". وحب الوالدين؛ الذي منبعه حب الله تعالى كذلك: "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" ثم حب المؤمنين وجميع الخلائق، من مخلوقات الله تعالى، فمدرسة رمضان تحاول أن تجمعنا على مائدة بساتين الحب والتضامن والعطاء والإعتصام بحبل الله المتين والتمسك بالقيم الإنسانية النبيلة، يقول تعالى في محكم التنزيل وهو أصدق القائلين "وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم" .
فرمضان يقدم لنا دروسا عظيمة ومن أعظمها هو درس الحب فى الله تعالى، ومعنى الحب في الله تعالى، وهو أن يحب المسلم أخاه المسلم لا لمنفعة مادية، أو مصلحة شخصية دنيوية، وإنما يكون هذا الحب خالصا لوجه الله تعالى، فهذا الحب البريء يدخل صاحبه الجنة ويظله الله في يوم لا ظل إلا ظله، يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله، إجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما نفقت يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" .ويقول النبي الكريم في حديث آخر " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم" وللمحبة في الله ثمرات طيبة سيقطفها صاحبها يوم يلقى الله تعالى، ونقصد هنا بالمحبة في الله تعالى؛ أي المحبة الخالصة لوجه الله تعالى لا يريد صاحبها جزاء ولا شكرا، ولا مصالح دنيوية وراءها، وفي هذا السياق روى أبو هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم "أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصَد اللّه تعالى على طريقه َملَكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية قال: هل لك عليه من نعمة تريدها؟ قال : لا ، غير أني أحببته في الله تعالى قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله تعالى قد أحبك كما أحببته فيه" . ومن ثمرات المحبة أيضا: أنه من أحب فى الله نال محبة الله له، ومن أحبه الله تعالى غفر له ذنوبه وأدخله الجنة جاء في حديث قدسي قال تعالى : "وجبت محبتي للمتحابين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في" وفي حديث قدسي آخر "إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي لا ظل إلا ظلي". و في الصحيحين أيضاً عن أنس رضي الله عنه أ ّان رجلا سأل النبي متى الساعة ؟ قال : " مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟؟ قال : مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَوْمٍ، وَلا صَلاةٍ، وَلا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّه وَرَسُولَهُ" .
وختاما، فرمضان هو مدرسة الحب بامتياز؛ لهذا أغلب المسلمين فيه يتناسون خلافاتهم، ويتركونها على
أبوابه، كم من إخوة أو أصدقاء أو أقرباء متخاصمين، يتصالحون حين يدخل رمضان، ويقررون أن ينبذوا خلافاتهم بصفاء وسلاسة لا تتحققان في شهر آخر، فيحل الرضا محل الخصام، وتعلو لغة الحب عوضا عن لغة الجفاء، وهذا هو المعنى الحقيقي للصيام في القرآن قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ".
الصادق العثماني - البرازيل