قرر المغرب، بتعليمات ملكية، إرسال مساعدات إنسانية عاجلة للشعب الفلسطيني سواء منه المتواجد بالقدس الشريف أو قطاع غزة، وهي المساعدات التي انطلقت من المغرب وبدأ فعلاً توزيعها بالأراضي الفلسطينية رغم الحصار والدمار والعدوان الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على الغزاويين…متحدياً كل هذا الوضع من أجل تقديم يد المساعدة في هذا الشهر الفضيل لأبناء فلسطين الذين يعيشون تحت القصف، الحصار والتجويع.
المغرب، وهو يقدم هذه المساعدات العاجلة، المتعددة والمتنوعة التي تغطي جزءاً من احتياجات المدنيين بقطاع غزة والمقدسيين، فهو يقوم بذلك منطلقاً من إيمانه الراسخ بضرورة مساعدة الفلسطينيين في هذا الظرف، ويمكن إبداء بعض الملاحظات من خلال ما صاحب هذه الخطوة الملكية، التي يمكن إجمالها في ما يلي:
المساعدات انطلقت من المغرب بتعليمات مباشرة من الملك محمد السادس، وهي المساعدات التي قدمها بصفته رئيساً للجنة القدس، هذه اللجنة التي تُعتبر دائمة الحضور، منذ سنوات بفلسطين، خاصة القدس، تقوم بعمل كبير للتصدي لعمليات تهويد القدس الشرقية، وتقديم كل وسائل الدعم للمقدسيين، هذه السنة ونظراً لظروف الحرب انضاف قطاع غزة ليكون من بين المستهدفين من هذه المساعدات باعتباره قطاعاً منكوباً يحتاج لتدخل إنساني عاجل، لذلك تحرك الملك محمد السادس بصفته رئيساً للجنة القدس ليسخر كل الإمكانيات من أجل تخفيف الدعم على الغزاويين والتحرك رغم القصف والحرب والعدوان.
في الوقت الذي تدعي فيه بعض الأنظمة خاصة المجاورة لنا أنها مع فلسطين «ظالمة أو مظلومة» وطيلة هذا العدوان لم تقدم غير الإنشاء والخطابات الجوفاء، يقوم المغرب وبتعليمات ملكية واضحة بالتحرك من أجل تقديم المساعدات للفلسطينيين دون بهرجة ولا مِنَّة، بل انطلق من موقف مبدئي مع الشعب الفلسطيني جسد فيه، ملكا وشعبا، تضامنه، خاصة في هذه اللحظات الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، والقدس كذلك، وهي ليست المرة الأولى التي يتخذ فيها المغرب مثل هذه الخطوات لإعلان التضامن الفعلي والملموس مع القضية الفلسطينية وشعبها، ولن تكون الأخيرة مادام الشعب الفلسطيني لم يتحرر ويؤسس دولته على حدود 67.
المغرب عندما قدم هذه المساعدات استحضر البعد الأمني، بحيث اختار أن يقدمها براً تجنباً لأي استهداف إسرائيلي كما حدث في مناسبات أخرى عندما كان يتم توزيع المساعدات من طرف «الأنروا» أو من طرف جهات أخرى جواً، وكان يتم استهداف المدنيين الذين كانوا يتجمعون لتلقي هذه المساعدات من طرف الاحتلال الإسرائيلي، ويبدو أن المغرب درس كل الأبعاد واستحضر ما هو أمني لأن ما يهمه أولاً، هو سلامة المدنيين، وألا تكون هذه المساعدات سبباً في استهدافهم وإلا لكانت الكارثة ستحدث، هنا يبرز ذكاء المغرب وتعاطيه الجدي مع توزيع هذه المساعدات، وأنه درس الخطوة جيداً ولم يتسرع فقط، ولا كان هدفه التقاط الصور كما يفعل البعض، ودون أن يقدموا أي شيء للشعب الفلسطيني.
المغرب استغل علاقته مع إسرائيل لضمان وصول هذه المساعدات الإنسانية لقطاع غزة إلى جانب القدس، وهي العلاقة التي لطالما استغلها لصالح فلسطين، وبما يخدم القضية الفلسطينية وليس العكس، وكما أعلن المغرب، أول مرة، فإن علاقته بإسرائيل لن تكون على حساب القضية الفلسطينية، بل بما يخدمها ويعزز موقفها في الصراع، وهو ما حدث منذ بداية هذا العدوان، الملك محمد السادس لم يتردد في شجب العدوان، ولا في مراسلة الهيئات الأممية المعنية بالوضع في فلسطين من أجل مطالبتها بالتحرك العاجل، ولا في دفع باقي القطاعات خاصة الخارجية المغربية لإعلان كل أشكال الدعم لفلسطين في هذه المحنة ولشجب العدوان كما حدث في مناسبات عديدة…وما تقديم المساعدات الإنسانية في ظروف العدوان إلا واحدة من تجليات تغليب المغرب لمصلحة الفلسطينيين، وتجلي كذلك لاستغلال المغرب علاقته الدبلوماسية مع إسرائيل بما يخدم القضية، وبما يدعم شعبها.
تقديم هذه المساعدات حظي بدعم كل القوى الفلسطينية، فالتصريحات التي يتم الإدلاء بها للقنوات المغربية المختلفة التي تغطي الحدث، والتعاطي الدولي مع الخطوة الملكية المغربية كلها اتجهت نحو تشجيعها ودعمها وتأكيد جدية المبادرة المغربية، وقدرة المغرب، رغم العدوان، على إيصال المساعدات لنقطة تعتبر حالياً من أسخن النقط في العالم والأقل أمناً بسبب ما تشهده من عدوان إسرائيلي مستمر وغاشم على القطاع، لهذا فالإشادة الدولية تُبرز قوة الخطوة المغربية وحجمها الدبلوماسي ووقعها على الخريطة الدولية، بحيث تعتبر هي التجربة الإنسانية الوحيدة في العالم التي استطاعت أن توصل المساعدات لقطاع غزة رغم الحرب دون أن تخلف أي ضحايا، وهو ما يُبرز قوة الدبلوماسية المغربية وقوة الحضور الملكي في هذه المبادرة، الذي ضمن حضوره هذا، نجاحها وتأمينها.
المبادرة المغربية تعتبر واحدة من المبادرات الإنسانية الكبيرة التي يقوم بها الملك محمد السادس سواء باعتباره رئيساً للجنة القدس أو أميراً للمؤمنين تجاه الداخل الفلسطيني، وليست الأخيرة، وهي مبادرة إنسانية تتكامل مع الدور السياسي الذي يقوم به تجاه الملف الفلسطيني وتجاه دعم العودة العاجلة للهدنة وحل الملف الفلسطيني على أرضية حدود 67 وعودة اللاجئين والمنفيين وإطلاق سراح الأسرى وغيرها من الخطوات التي تُنهي الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني الذي يعيش في هذه اللحظات أصعبها وأحرجها.
في الختام لابد من الإشادة بالوفد المغربي المرافق لهذه المساعدات التي يشرف على توزيعها وضمان وصولها لمن يستحقها من المقدسيين والغزاويين، وهو يقوم بذلك بشجاعة، رغم ظروف الحرب، تنفيذاً للتعليمات الملكية واستحضاراً للدور الذي تقوم به لجنة القدس في كل الأحوال والظروف.