حرصا منها على استعادة الأجواء الرمضانية المغربية الأصيلة، تعمل الجالية المغربية بالبرتغال قدر الإمكان على الحفاظ على عاداتها وأجوائها الرمضانية، وإضفاء طابع خاص على هذا الشهر الفضيل، حتى تعيش شعائرها الدينية وتجدد التشبث بجذورها وتقاليدها، على الرغم من غياب مظاهر الاستعداد التي تؤثث عادة شوارع وأزقة وأسواق المغرب إيذانا باستقبال الشهر الفضيل.
وإذا كان شهر رمضان في عدد من الديار الأوروبية التي تحتضن أكبر عدد من أفراد الجالية المغربية من حيث الكثافة السكانية، لا يفقد خصوصيته لدى الكثير منهم، وإن اختلفت أجواءه، فإن الجالية المغربية، التي لا يتجاوز عددها 8 آلاف مهاجر مغربي في كافة ربوع هذا البلد الإيببيري، تحرص على استحضار الأجواء الروحانية والاجتماعية المرتبطة بهذا الشهر في المنازل وفي المسجد أو حتى في بعض المطاعم، خاصة المغربية على قلتها.
ولأن رمضان في البرتغال كغيره من الشهور، يتبع نفس إيقاع الحياة السريع، تحاول الجالية المغربية ممارسة طقوسها على نحو لا يتعارض مع إيقاع الحياة المعتاد في بلاد المهجر، بالرغم من اختلاف العادات والجو العام المرتبط بروحانية هذا الشهر.
يظهر ذلك جليا بأحد الشوارع في وسط العاصمة البرتغالية، حيث يستوقفك أحد المحلات التجارية المعروف لدى الجالية المغربية على الخصوص، بحركية لافتة وإقبال كبير على المنتجات التي يزداد استهلاكها خلال هذا الشهر الكريم. ويتوافد معظم أفراد الجالية المقيمة بمنطقة لشبونة الكبرى على هذا المحل المغربي المعروف بـ "الأندلسية"، والمختص في بيع مواد التموين المغربية وبيع المنتوجات الحلال ومختلف أصناف البقوليات.
كما يوفر هذا المحل المغربي جميع المواد التموينية التي ترافق شهر رمضان، من تمور وشاي وتوابل ومنتوجات حلال، فضلا عن عدد من أنواع الحلويات مثل "الشباكية" و"البريوات".
تقول صوفيا، وهي مغربية مقيمة بلشبونة منذ خمس سنوات وتشتغل في إحدى الشركات المختصة في تكنولوجيا المعلومات، إنها سعيدة جدا لاكتشاف هذا المحل غير البعيد عن مقر سكنها، حيث تباع جميع اللوازم التي تحتاجها لإعداد المائدة الرمضانية، إلى جانب الحلويات والوصفات الجاهزة مثل الشباكية و"سلو" و"المسمن".
وتضيف المتحدثة في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بنبرة ملؤها الحنين، "بما أنني بعيدة عن الأهل، وبحكم إكراهات العمل والالتزامات اليومية، أحرص على اقتناء كل ما يلزم المائدة الرمضانية، لاسيما وأن المحل، الذي اكتشفته مؤخرا، يوفر المأكولات والحلويات المغربية الجاهزة"، قائلة "صحيح أنني أفتقد لحضن الأسرة واللمة الرمضانية بالمغرب، لكنني أحاول على الأقل تأتيت المائدة بالأطباق المغربية وإن كان ذلك لا يضاهي روائح التوابل والحلويات والفطائر التي تعبق بها الأزقة والبيوت المغربية خلال هذا الشهر".
وبالنسبة لهشام، وهو رب أسرة مقيمة بضواحي لشبونة، فقد جاء إلى هذا المتجر لاقتناء قائمة من المشتريات التي تحتاجها زوجته لإعداد المائدة الرمضانية وتأثيثها بمختلف الأطباق المغربية.
ويرى هشام في تصريح مماثل، أنه لا يوجد وجه للمقارنة بين رمضان في المغرب، حيث أجواء هذا الشهر الفضيل حاضرة في الشوارع والبيوت وفي كل المناحي والتفاصيل اليومية، وبين البرتغال حيث تغيب العادات الاجتماعية والأنشطة الثقافية الرمضانية، غير أن هذا الأمر لا يحول بينه وبين تأدية شعائره الدينية وحضور صلاة التروايح بالمسجد الكبير في العاصمة البرتغالية.
ويعترف هشام بأنه يفتقد أجواء رمضان في لشبونة التي يقطنها عدد قليل من الجالية المغربية، لهذا كلما غلبه الحنين إلى رمضان الدار البيضاء، حيث رأى النور وترعرع، يتوجه إلى المسجد الكبير أو إلى مطعم مغربي رفقة أسرته الصغيرة ليغترف لحظات من الدفء الإنساني ويتناول الفطور المغربي في أجواء مفعمة بالحنين إلى الوطن.
وعلى بعد خطوات فقط من هذا المحل التجاري، يتواجد مطعم "الباشا"، وهو مطعم مغربي متخصص في الطبخ المغربي الأصيل، حيث يشهد إقبالا لافتا من قبل المغاربة المقيمين بلشبونة والعرب وحتى البرتغاليين.
فالعديد من المغاربة يفضلون خلق أجواء أسرية وحميمية من خلال ارتياد هذا المطعم الذي يتميز بتصميمه الداخلي على الطراز المغربي التقليدي، إذ يقدم أطباق مغربية رمضانية بكل ما تحفل به من تنوع وأذواق، مع عرض برامج القنوات المغربية أو وصلات الموسيقى الأندلسية، ما يخلق جوا من الألفة بين أفراد الجالية المغربية والعربية أيضا ممن يتستهويهم المطبخ المغربي الأصيل وذائع الصيت.
ويشكل هذا الشهر الفضيل أيضا مناسبة للتلاقي وصلة الرحم، من خلال تبادل الزيارات مع العائلات والأصدقاء، ومشاركة وجبة الإفطار، وتنظيم عدة أنشطة من طرف المركز الإسلامي بلشبونة، منها إفطارات جماعية لفائدة أبناء الجالية المغربية والمسلمة، إلى جانب متابعة الدروس والمحاضرات التي ينظمها هذا المركز بمناسبة الشهر الفضيل.
والأكيد أن الأجواء والطقوس الخاصة بشهر رمضان تغيب في شوارع لشبونة ومحلاتها التجارية وأسواقها الكبرى، لكنها حاضرة في المساجد والمراكز الإسلامية، ولدى جميع الأسر المغربية والمسلمة التي تحرص على إحياء عادات رمضان المنعدمة في الشارع البرتغالي.
المصدر: وكالة المغرب العربي للأنباء