أما موريتانيا فاحتلالها امتدّ من 1902إلى 1960 من طرف الجمهورية الفرنسية.
لتبقى خصوصية ليبيا التي عرفت استعمارا من نوع آخر حيث، من 1911 إلى 1949 أربعون سنة كاملة وإيطاليا تستنزف خيرات بلد عمر المختار، عشرون سنة منها تحت حكم بنيتو موسوليني .
فمع طول فترة استعمار الجزائر 130 سنة، وتأخر استقلالها جعلت المقاومة المسلحة الجزائرية، أو ثورة التحرير الجزائرية من 1954 إلى 1962 تعرق ضراوة وحماسا والتفافا للشعب الجزائري الذي لم يعد يستسيغ أن كل بلدان المغاربية قد طردت الاحتلال الأجنبي باستثناء الجزائر .وهكذا استفادت المقاومة الجزائرية من دعم لوجستيكي من طرف المغرب وتونس وأيضا تغطية سياسية في المحافل الدولية و كذلك من دعم شعوب المغرب الكبير الذين وضعوا خبرتهم في المقاومة رهن إشارة المقاومة المسلحة الجزائرية .
هذا الأمر جعل من النخبة الجزائرية، بمجرد حصولها على الاستقلال تبلور خطابا سياسويا يقدس الثورة الجزائرية، وشهدائها وتنظر بدونية إلى حركات التحرر الأخرى ونوعية استقلالها، بكل من المغرب وتونس أساسا.
أما إذا أضفنا إلى ذلك أن الرئيس احمد بنبلة، كان يستمد قوته من جمال عبد الناصر، ورمزيته في العالم العربي والعالم الثالث مع ما للجزائر، من إمكانيات غازية ونفطية وكذلك من مساحة كأكبر جغرافية بالمنطقة متجاوزة حتى ليبيا ومستفيدة من التوسع الفرنسي، في المنطقة لفائدة الجزائر، ما دام يعتبرها إقليما فرنسيا .فتم الاقتطاع كثيرا من التراب المغربي، وقليلا من التونسي .مع الإشارة أيضا أن فرنسا تركت بإقليمها بنية تحتية لا بأس بها مادام أنها لم تكن تعتقد أنها ستغادر الجزائر يوما ما.
بخلاف المستعمرات الأخرى، التي كانت فرنسا تدري أن أيامها معدودة بها ولو طالت ..
ولعل كل هذه العوامل تفسر بوضوح عجرفة Arrogance القيادة العسكرية الجزائرية منذ ذلك الحين إلى الآن. خاصة وأن الرئيس أحمد بن بلة اختا منذ اللحظة التحالف مع العسك على حساب القيادة السياسية والمتمثلة في الحكومة الجزائرية المؤقتة وجبهة التحرير الوطني. حيث عمد إلى تعيين رئيس أركان الجيش الهواري بومدين نائباً له .هذا الهواري بومدين نفسه سينقلب على رئيسه يوم 19 يونيه 1965 .
عن هذه المرحلة يقول الكاتب والصحفي التونسي المتميز -مؤسس مجلة جون أفريك المرحوم بشير بن يحمد، والذي عايش هذه المرحلة ويعرف شخصيا رجالها ومنعرجاتها في مذكراته J’assume - إن الرئيس احمد بنبلة كان يتمتع بشعبية كبيرة بالجزائر كما أنه على المستوى الخارجي كان يحضى بتقدير دولي، أما على المستوى العربي فكان يعد رجل الزعيم العربي جمال عبد الناصر، بالجزائر كما كان صلاح بن يوسف، الأمين العام للحزب الدستوري الجديد رجل عبد الناصر بتونس .وبالتالي لم يكن يخطر ببال أحد أن يتم الإطاحة بالرئيس بنبلة بهذه السرعة، خاصة وأن الجزائر كانت عشية احتضان مؤتمر دولي ذو أهمية قصوى في ذلك الحين المؤتمر الأفرو آسيوي الذي يجمع عددا من الدول المستقلة حديثا بأسيا وإفريقيا والتي ترفض الدخول تحت جبة لا الاتحاد السوفياتي آنذاك ولا الولايات المتحدة الأمريكية، في هذه الفترة كذلك أصبحت العجرفة في الجزائر سياسة عمومية ومنصب ريادة المغرب الكبير وشمال إفريقيا لم يعد حلما بل واقعا مستحقا في خيالهم ..
لكن أتعلمون لماذا تمت تنحية الرئيس احمد بنبلة، في هذه اللحظة بالذات وعزله عن العالم لمدة 15 سنة في السجن؟ ،يقول بشير بن يحمد ، فقط، لان الرئيس صاحب الامتداد الشعبي الوطني والسمعة العربية والأفريقية والدولية قد فكر في تغيير وزير خارجيته آنذاك عبد العزيز بوتفليقة رفيق الهواري بومدين وظله ،مما اعتبره العسكر الجزائري تجاوزا للخطوط الحمراء المرسومة لرئيس الجمهورية.
هذه العجرفة أو كما يقول المغاربة " النخوة على الخوا " ستنتقل من السلوك العام إلى القيم الخاصة حيث يحكي الصحفي المؤرخ البشير بن يخلف، دائما في مذكراته انه في سنة 1974 تم تنظيم احتفالات كبرى بالجزائر تخليدا للذكرى 20 لانطلاق الثورة الجزائرية، فحضر عددا كبيرا من رؤساء الدول والحكومات إلى قاعة كبرى لمتابعة فيلم chronique des années de braise وقائع سنوات الجمر حول المقاومة في عرضه الأول لصاحبه محمد لخضر حمينة، حيث تأخرت القيادة الجزائرية لأكثر من ساعة على ضيوفها من مستوى رؤساء الدول، وبدون أي اعتذا أو تأسف جلس الهواري بومدين، وبجانبه عبد العزيز بوتفليقة، فوضعا رجلا على رجل وهما يدخنان السيجار الكوبي الكبير الحجم في مكان مغلق فية اكثر من 1000 مدعوا لا يدخن منهم احد . ليبقى عددا من كبار الضيوف مذهولين لهذا السلوك الأرعن والمتعجرف .