أكتب إليك لأذكر نفسي وأذكر الآخرين، أن الجزائر بالنسبة لي ولملايين من أبناء بلدي المغرب هي الرجال من طينتك وليست الصغار الذين انتهى إليهم مصير التحكم في تسيير بلد أنجب أمثالك. الذين يا لمكر الصدف لم يجدوا في أيام ذكرى استشهادك العطرة سوى أن يبعثوا رسالة ساقطة إلى المغاربة والمغرب من خلال تأسيس إطار لجماعة تدعي أنها من ريفنا المغربي الشامخ غايتها من السفاهة ما لا تستحق حتى المناقشة والرد. الريف الذي تعلمت أنت من بطله محمد بن عبد الكريم الخطابي معنى النضال من أجل الحرية وبناء أوطاننا المغاربية الآمنة والموحدة بعزة الرجال.
ها أنت ترى أيها الشهيد البطل كيف يقع الساقط على الساقط في بلاد المغارب. كما لو أنكم أنتم جيل الأبطال الكبار وهبتم دمكم عبثا كي يأتي هؤلاء ليشحذوا أعين أجيالنا هنا وهناك بديناميت الحقد والغل والفرقة والموت. كما لو أن اجتماعاتك بالعاصمة الإسبانية مدريد في بيت الطبيب التونسي حافظ إبراهيم، تلك التي جمعتك بعبد الرحمان اليوسفي وآخرين مغاربة وجزائريين التي كانت لقاءات لبناء اللحمة الأخوية الطبيعية بين شعوبنا، قد جاء هؤلاء الذين ابتليت بهم منطقتنا ليطلقوا عليها رصاصة الغدر.
أيها الشهيد البطل، ما أشبه للأسف يد الجنرال الفرنسي أوسارس بيد الجنرال شنقريحة حين يفتح الباب لوهم محاولة قتل الأمل في بلادي وبلادك أمام أجيالنا الجديدة.
ها أنت ترى أيها الشهيد البطل، أن بلاد المغرب بقرار من الملك الوطني محمد الخامس التي آوت رفاقك في جيش التحرير الجزائري بذات جغرافية الريف المغربي الشامخ ما بين الناظور وبركان وتاوريرت ووجدة، وفتحت لهم المجال للتدريب والتطبيب والنضال (بثمن كم أديناه بشرف في الدولة وفي المجتمع في علاقتنا مع باريس وغيرها)، يأتي يوم تطعن فيه قيادة متسلطة ليس فقط على بني بلدك بل أيضا على أماننا المغاربي المشترك، تطعن فيه ما ترمزون إليه أنتم بالقيم البناءة التي تشكلونها في وعينا المغاربي المشترك. كما لو أن مهمتهم الوحيدة هي قتل الوعي المغاربي هذا بالضبط بمصيرنا المشترك.
ليكن سنركب العاصفة مرة أخرى (ذاك قدرنا)، لأننا أيها الشهيد كما تعرفنا نحن من سلالة محمد الخامس والخطابي والزرقطوني وماء العينين، لم نبن مجدنا بالغدر والخيانة بل بالمقاومة.
ثق أيها الشهيد البطل أننا مهما حاولوا لن نيأس، لأن إيماننا الراسخ هو أن الجزائر هي الشعب الذي أنجب أمثالك. هم زراع يأس ونحن زراع أمل، وقوده أمثالك هنا وهناك.
لن يعبروا، وهم إلى خسران.
سنقف يوما للترحم على روحك الطاهرة عند شاهدة قبرك والسماء ناصعة بأملنا المشترك، سماء الرباط وسماء الجزاير.