ستتحرك من جديد ،الرحلات الجوية للزيارات الرسمية بين باريس والرباط في الأيام المقبلة ،على مستوى الوزراء ،وكبار المسؤولين بالمؤسسات العمومية .كما سيتنفس الصعداء الفاعلون الاقتصاديون -الذين وان لم تتوقف تنقلاتهم بين البلدين ،إلا ان ضبابية الرؤية تشكل اخطر ما يزعجهم ،ويحد من حركتهم - هذا ما صُرِحَ به في الندوة الصحفية المشتركة ليوم 26 فبراير والتي خيم عليها جو ثقيل من البؤس .حتى وان كانت المفردات المختارة بعناية من طرف الوزيرين تدعوا للأمل والتفاؤل والنظرة الإيجابية ،إذا ما أضفنا اليها حركات ستيفان سيجورني التي تعكس في الواقع توترا ملحوظا لكن دعنا نحسبها على دينامية وحيوية الشباب (38 سنة ).
اليس هو اصغر وزير خارجية لفرنسا منذ الجمهورية الخامسة أي منذ الجنرال ديغول 1959 حيث قطن قبله الكيدورسي Quai d'Orsay،
25 وزيرا للخارجية غالبيتها أسماء اثرت ولازالت في التاريخ السياسي الفرنسي وعلاقاتها الدولية .أسماء كانت بحجم فرنسا …. فالخارجية الفرنسية مدرسة عريقة في الدبلوماسية فيكفي ان نعرف أنها ثالت دولة في العالم من حيث عددٍ التمثيليات ولا تتتقدمها إلا الولايات المتحدة الأمريكية والصين .وان اول وزير للخارجية كان هو Claude ll de L.aubespine عين سنة 1547 في حكومة هنري الثاني ومنذ ذالك الحين وبدون انقطاع يكون سيجورني هو الرقم 240 تقريبا .
بالتأكيد ان الوزير الشاب وهو على مثن الطائرة مع الوفد المرافق له قادما من البرازيل إلى الرباط مساء يوم الأحد كان له الوقت الكافي ليعيد كل هذا الشريط الطويل امام عينيه لتنتصب أمامه قامات كبرى ايدكار فور Edgar Faure في الجمهورية الرابعة وميشيل جوبير Michel jobert والان جوبي Alain Juppé و رولان ديما ولوران فابيوس Hubert vedrine من الجمهورية الخامسة وآخرين .
لكن ما ان دخلت الطائرة الأجواء المغربية حتى قام الوزير الشاب مهرولا وهو يتمتم وكأنه يقول ( شايلاه يارجال البلاد) ليكتشف ان الزمن ليس هو الزمن وان ما طلق عليه رئيس ساحل العاج هوفيت بواني Félix Houphouët-Boigny
فرانس أفريك Françafrique عن علاقة فرنسا بمستعمراتها سابقا قد تفككت وان القوات الفرنسية قد اضطرت للانسحاب من مالي وبوركينا فاسو …وان هناك لاعبون جدد بافريقيا كتركيا الصين وروسيا اما المغرب البلد الافريقي الأقرب إلى القارة العجوز يعتبر ان مستقبل أفريقيا بافريقيا .
اقتربت الطائرة من اجواء عاصمة المملكة المغربية، وتذكر سيجورني ،ما تعرفه العلاقة الفرنسية والألمانية من توتر، خافت احيانا وعلني أحيانا اخرى . بسبب ملفي أساسيين على الأقل الطاقة والحرب في أوكرانيا ،هذا في وقت لازالت الاحتفالات قائمة لتخليد الذكرى60 لاتفاقية الإليزي التي أعطت الانطلاقة لهذه العلاقة الثنائية بين برلين وباريس بعد عداوة كان يعتقد انها أبدية .
شعر الوزير الشاب بصعوبة مهمته لكون أجواء زيارته للمغرب ليست هي ظروف زيارة زملائه ايام شيراك وميتران وساركوزي ايام كانت فرنسا عزيزة القوم بمواقفها ولم يكن ممكنا ان تستطيع دولة مثل استراليا ان تقدم في سنة 2021 من جانب واحد على إلغاء صفقة لاقتناء غواصات فرنسية الصنع ب56 مليار ارو .
هذه الصفقة التي أطلق عليها في حينه صفقة القرن ،والتي أصبحت وسائل الاعلام تسميها صفعة الاهانة بعدما اختارت استراليا غواصات واشنطن في اطار أوكوس AUKUS) وهي اتفاقية أمنية ثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة تساعد بمقتضاها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا أستراليا على تطوير ونشر غواصات تعمل بالطاقة النووية، إضافة إلى تعزيز الوجود العسكري الغربي في منطقة المحيط الهادئ.
وعليه فان مخرجات زيارة ستيفان سيجورتي للرباط لا يمكن قراءتها إلا على ضوء المطبات les turbulences التي تمر بها فرنسا في علاقاتها مع العالم وليس المغرب فحسب وبالتالي فكل الاجتهاد اللغوي الذي استعمل سواء من طرف ناصر بوريطة او ضيفه من اجل توصيف العلاقات بين باريس والرباط كان هدفه الأساسي ليست عودة العلاقات إلى عهدها السابق ،وانما خلق ممر جديد يستحضر كل هذه التحولات التي يعرفها المغرب ومحيطه الإقليمي والدولي .
ولهذا فالحديث عن تطور للموقف الفرنسي من القضية الوطنية هو الأفق القريب رغم
ان "عزة النفس " الفرنسية التي يتفهمها المغرب اقتضت تقبل تذكير سيجورني فقط بالموقف التقليديّ لفرنسا من النزاع المفتعل .
ليبقى ان دعم المسلسل التنموي بالأقاليم الجنوبية من طرف فرنسا سواء في اطار الاستثمار العام او الخاص كما أشار إلى ذالك الوزير الفرنسي سيشكل نقلة نوعية وسيجعل فرنسا مرة اخرى تحافظ على خصوصية علاقتها مع المغرب بركوبها القطار التنموي المؤدي حتما الى إغناء الجهوية الموسعة واقرار الحكم الداتي بالمنطقة .
اما قصة ابنة حاتم الطائي التي هلك والدها عزيز قومه التي دارت عليها الأيام فكلكم تعلمونها .