قبل سنوات لم تكن أشد الاعتقادات سوءا تذهب إلى أن المغربي قد يتحول إلى هاجس يقلق راحة الساسة عبر العالم، فالأخبار التي تتناقلها المحطات والمنشورات في كافة الدول تشير إلى وجود مغربي إما كداعشي أو بنلادني (نسبة إلى بن لادن) أو بغدادي، وقد يكون ضليعا في مافيا المخدرات التي وصلتنا صدى التطاحنات بينها في هولاندا وإسبانيا.. ودائما تشير القراءات إلى وجود مغربي تدنست يده بالسم الأبيض.
نحن الجيل الذي ولد في عهد الملك الراحل الحسن الثاني هو أكثر تضررا مما يسمع بشكل خاص، لأننا تعودنا مغربا آخر، مغرب سعيد عويطة ونوال المتوكل ومنتخب الكرة 86 والسكاح وبوطيب والعيناوي وآخرون.. تعودنا سماع بطولات من نوع آخر وأساطير تحفر على مضمار الرياضة والفن والثقافة. لكن ما الذي حدث كي يصل المغاربة إلى هذا القاع؟ ما هي الأسباب التي أدت إلى الهجرة الدموية للمغاربة في العالم سواء في عصابات الهيرويين أو عصابات الدم بالشرق؟
لن أخوض في الأسباب التاريخية والسياسية أو حتى الجيوستراتيجية التي لها علاقة بالموقع الفريد للمغرب، لأن العديد من الدراسات والبحوث والمقالات تناولت الموضوع. لكن دعونا نناقش القضية من زاوية اجتماعية تنموية محضة.
منذ اعتلاء الملك محمد السادس عرش المملكة وهو يعطي إشارات جادة ومبشرة وواعدة وجريئة لاسيما بعد قدوم رياح ما يسمى بالربيع العربي، حيث أن الأوضاع أخذت منحى آخر، فسارع الملك إلى إعلان دستور جديد الذي صوت عليه الشعب رغم ما قيل حوله من مؤاخذات.. ثم نزل الملك بكل ثقله إلى الشارع رفقة البسطاء من شعبه، فاهتم بالمشاريع الصغيرة ظاهرا.. لكن هذه المشاريع لم تحد من جيوب الفقر التي تتسع يوما عن آخر. وسابق الملك الزمن العربي بعد سنوات، حيث بدا بصورة القائد القريب والحساس تجاه نبض الواقع. لكن لماذا لم يتغير المغرب بالوتيرة التي يحلم بها الناس وبالطموحات التي رسمها الملك؟ الأكيد أن الخلايا النائمة للفساد استيقظت من جديد بعدما تجاوزت صدمة رحيل ملك وقدوم ملك. فالعديد من المجندين المغرر بهم باسم راية الإسلام تجرعوا مرارة الإقصاء في بلادهم أو أنهم رأوا آباءهم يشربون من كأس التفقير الفظيع الذي طال المغاربة. والمؤكد أنهم لم يجدوا التأطير الفعال والتعليم الهادف والعمل الكريم، كما أنهم فقدوا أملهم في العمل السياسي والحزبي ووجدوا فراغا روحيا كبيرا بعدما قدم المجلس العلمي استقالته من الشأن الديني.. وأخذ المغرب يحتل مراتب مذلة في العديد من المجالات.. كما لاحظوا كيف تستأثر فئات خاصة بثروات المملكة. وهذا أشار إليه الملك في خطابه الأخير في ذكرى عيد الشباب الواحد والخمسين. لقد وجد الفساد بشكل عام أريحية وانتقالا سلسا من عهد إلى عهد. والأكيد أن فئة معينة خانت ثقة الملك فيها ولم تكن في المستوى في العديد من المجالات خاصة فيما يتعلق باقتسام الثروات، ناهيك عن الأداء الضعيف لحكومة بنكيران التي استسلمت لضربات الفساد وأعلنت عن قرارات جبانة تجاه الفئات العريضة التي أوصلتها إلى التسيير وليس إلى الحكم كما يقول البعض. كل هذا شجع على الرحيل إلى الشرق الغارق في دم التطاحنات وآخرون فضلوا الرحيل إلى قبائل المافيا عبر العالم بحثا عن ثراء سريع وبأثقل تكلفة ثمنها روح الإنسان وصورة شعب بكامله في المخيال العالمي، إلى جانب منظومة العدالة التي لم تتحرك بوتيرة سريعة نحو الإصلاح، زد عليها تجنب محاكمة كبار الساسة الذين تبث في حقهم ارتكاب مخالفة قانونية واستنزاف ميزانية الدولة رغم المحاكمات الصورية هنا وهناك. بمعنى أن المغرب العميق بقي على حاله إلى جانب الأداء الهزيل لحكومة بنكيران التي يمكن اعتبارها أسوأ حكومة في تاريخ المغرب بالمقارنة مع الامتيازات التي منحت لها بدستور جديد.