الدخول السياسي والاجتماعي لهذه السنة ما زال يعلق به متبقيات ما قام به رئيس الحكومة في العطلة الصيفية.
فالسياسة، كما يبدو لن تبدأ، حتى ينتهي مفعول السب والقذف الذي اقترفه رئيس الحكومة في حق معارضيه.
وكأن السياسة في واقع الحقل الوطني، تجربة طفولية وتنابز صبياني، وليست قاموسا ناضجا، وسلوكات مشرفة وقواعد وتقاليد تمتح من أخلاق المسؤولية.
هذه الهجومات تحط من مستوى النقاش العمومي، وتبعد أكثر فأكثر، الدخول السياسي الذي تستحقه بلاد دخلت العهد الدستوري بطريقة مشرفة.
الأولى اليوم هو الملفات الكبرى التي تؤرق المغاربة وتشغل بالهم.
فأمام الحكومة ملف التقاعد بكل شحنته التوترية، والذي يرتقب أن يترك آثارا قوية على المشهد الوطني، وتستعد النقابات للرد، لاسيما مع التسرع الذي يطبع سلوك رئيس الحكومة: فهو يتصرف كأنه لا شريك سياسي له أو اجتماعي في البلاد يمكن الاستشارة معه.
وللملف قصة تعود إلى ما تداولته أوساط حكومية ونقابية من أن شخصية فرنسية قالت للوزير الأول الأسبق ادريس جطو، أن الحل في التقاعد لابد من أن يكون عبر رفع سن التقاعد، وهي نصيحة فرنسية ربما لم ينسها السيد ادريس جطو، عندما تولي الملف بعد تعيينه من طرف جلالة الملك لرئاسة المجلس الأعلى للحسابات.
وقد ورد في التقرير، الذي قدمه حول التقاعد في ندوة صحافية لهذا الغرض، أن المغرب مطالب بأن يشرع في إصلاح أنظمة التقاعد .. قبل متم 2013..
ومن المتوقع، أنه ابتداء من السنة الجارية، سيأخذ الناتج التقني لنظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد منحى تراجعيا لا رجعة فيه. كما كان من المتوقع، حسب تقرير جطو، أن تعرف الاحتياطيات المالية للنظام انخفاضا لتصبح سلبية ابتداء من سنة 2021 .
تقرير جطو، اقترح، أيضا، «رفع السن القانوني للإحالة على التقاعد إلى 65 سنة على مدى 10 سنوات (عوض 60 سنة المعمول بها حاليا) مع منح المنخرطين إمكانية تمديد فترة نشاطهم حتى يتسنى لهم الاستفادة من تقاعد كامل في المعدل الأقصى، إضافة إلى تغيير وعاء احتساب الحقوق، وذلك باعتماد معدل أجور فترة من 10 إلى 15 سنة الأخيرة من العمل عوض آخر أجرة التي يترتب عنها الحق في معاشات مرتفعة لا تتناسب مع مستوى المساهمات، وأيضا تحديد نسبة القسط السنوي في 2 في المائة عوض 2.5 المعتمدة حاليا، والتي اعتبرها التقرير نسبة سخية، أي أنها تمثل معدل تعويض قد يصل إلى 100 %. ودافع جطو عن هذين المقترحين حيث أكد أن الذي يزيد من حدة تأثير هذين العنصرين اللذين يبتعدان كليا عن الممارسات الدولية، هو تراجع العامل الديمغرافي. حيث انتقل المؤشر الديمغرافي من 12 نشيطا لمتقاعد واحد سنة 1986 إلى 6 نشيطين سنة 2001 و3 في سنة 2012. وسيصل هذا المعدل إلى نشيط واحد لكل متقاعد سنة 2024 وحينها، حسب توقعات جطو، سيفوق عدد المتقاعدين عدد المنخرطين المساهمين. وأوضح تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن نتائج التشخيص أفضت إلى أن النظام الحالي للتقاعد بالمغرب، يتسم بتعدد الأنظمة وعدم تقاربها، فضلا عن أنماط الحكامة. كما سجل ضعف نسبة التغطية، حيث لا يستفيد من تغطية التقاعد سوى حوالي 33 % فقط من مجموع الساكنة النشيطة".
وها نحن ننهي سنة أخرى، ليزداد الاحتقان حول الملف وحول المعالجة.
كان لافتا للنظر أن الموضوع شغل حيزا مهما من أحداث الأسبوع الماضي، عندما كان موضوع التقاعد محور نقاش في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وفي الوقت ذاته كانت اللجن البرلمانية المختصة في الغرفة الأولى والثانية تتداول فيه، بسرعة وباللجوء إلى التصويت، لضمان قرار الأغلبية وحدها، وفي نفس اللحظة، ربما كانت النشرة الرسمية تصفف وتطبع بالقرار الوارد فيها حول تقاعد العاملين في التعليم..
والوضع اليوم يزداد احتقانا بالتصرف اللامسؤول للحكومة، عندما قررت أن تستفرد بالحل وبالتوقيت، وتعبر عبر الأغلبية إلى ملف اكتفت فيه بالمعالجة المالية، أو بالأحرى النقدية!
ولا شك أن المعالجة التي اختارها رئيس الحكومة، من جهة السب والتتفيه والشتم في حق المخالفين، ومن جهة أخرى الاستفراد بعلاج القضايا الشائكة والمعقدة، هي طريقة من ينفذ سياسة بلا روح اجتماعية، تضعف أكثر فأكثر النسيج المجتمعي وتهز تماسكه المطلوب في اللحظات الحرجة من تاريخ البلاد.