الطيار يكشف ضلوع فرنسا والجزائر في الانهيار الأمني بمنطقة الساحل ويبرز الحل المغربي

الطيار يكشف ضلوع فرنسا والجزائر في الانهيار الأمني بمنطقة الساحل ويبرز الحل المغربي محمد الطيار
ألقى الخبير في السياسات الأمنية والاستراتيجية، محمد الطيار، محاضرة عن بعد بدعوة من أكاديمية العلاقات الدولية في  إسطنبول بتركيا، تطرق فيها الى موضوع  المعضلة الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي، وذلك يوم الثلاثاء 13 فبراير 2024، وفيما يلي أبرز مضامين هذه المحاضرة:

بعد أحداث 11 شتنبر 2001 أصبحت منطقة الساحل تتخذ معنى  استراتيجيا يغلب عليه الطابع الأمني، من مخاطر وتهديدات وأصبح هذا البعد الأمني أكثر تركيزا بعد الأحداث التي وقعت في ليبيا  على اثر  ما يعرف بـ "الربيع العربي"، وسقوط نظام معمر القذافي  وأصبحت منطقة الساحل تعني فقط المجال الذي تنشط فيه الجماعات المسلحة، وعصابات الجريمة المنظمة، ويركز على مجموعة الدول الخمس G5 التي كانت فرنسا من وراء تأسيسها (بوركينافاسو، مالي، النيجر،  موريتانيا، تشاد..). وهذا التعريف أخذ طبعا المعيار الاستراتيجي.
وفيما يتعلق بالمحددات الإثنية للدول الخمس، فالتركيبة المجتمعية في هذه المنطقة، هي خليط من القبائل والأعراق (لغات متعددة، اثنيات متعددة، أجناس متعددة )، وقد وضع لها الاستعمار الغربي حدودا جغرافية لم تراع خصوصياتها الثقافية والتاريخية، مما تسبب في وقوع صراعات عرقية متعددة، زاد من حدتها الوضع المناخي الصعب للمنطقة، وتمدد الجفاف والتصحر والفقر..
هذا التمدد الإثني والقبلي وراء حدود الدولة الواحدة، شكل دائما خطرا على الوحدة الوطنية وعلى التماسك داخل الدولة الواحدة، وأصبحت هناك انتماءات ما فوق الهوية الوطنية، مما ساعد على تشكل المجموعات الإرهابية التي تستند بالدرجة الاولى على البعد القبلي في تشكيلها.
وبخصوص الطبيعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذه الدول، فهي تقريبا تتقاطع في جملة من الحيثيات، أبرزها ارتفاع نسبة الأمية،  وتعتبر من أعلى المعدلات عالميا، ضعف الموارد المالية، وهشاشة البنية التحتية، وانتشار الفساد، وارتفاع حدة المديونية، والاعتماد على تحويلات المهاجرين، اعتماد هذه الدول على الهبات والمساعدات من المنظمات الدولية وأغلب هذه الدول هي ضحية للجفاف، وانتشار المجاعة والأوبئة والأمراض، كالملاريا والسل الرئوي، والمناخ هنا يلعب دورا حاسما في الوضع الاقتصادي المتردي، كما أن موجات الجفاف المتتالية أدت الى انعدام الأمن الغذائي وندرة المياه وهلاك الثروة الحيوانية، خاصة في السنوات الماضية.
من المعلوم أن شمال مالي الذي تنتشر فيه الجريمة المنظمة بشكل كبير وتنشط فيه التنظيمات الإرهابية، الصراع الدائر فيه حاليا ليس وليد السنوات الماضية، بل عرفت  القرون السابقة صراعا بين الطوارق والسلطة في مالي، سواء تعلق الأمر بالإمبراطوريات السابقة (إمبراطورية مالي، إمبراطورية السونغاي ). وحاليا يشكل  الطوارق حوالي 35 في المائة من الساكنة والعرب  يشكلون حوالي  25 في المائة  والفلان  يشكلون 10 في المائة من ساكنة أزواد.  أما السونغاي  فجوالي  30 في المائة  .
ومنطقة الساحل الإفريقي تنشط فيها جماعات تنتسب للقاعدة (جماعة إمارة الصحراء التابعة  لتنظين" القاعدة في بلاد المغربالإسلامي "، جماعة المرابطين، جماعة أنصار الدين، وجبهة تحرير ماسينا )، خاصة في  مالي وبوركينافاسو والنيجر، والتي أعلنت توحدها في إطار "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" سنة 2017 بزعامة إياد  اغ غالي.
وهناك جماعات إرهابية معاكسة لها ولكنها موالية لتنظيم "داعش" وهي جماعة " بوكو حرام " و"تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى".
جماعة " بوكو حرام" تنشط في شمال نيجيريا وفي بحيرة تشاد، وهي البحيرة التي تضم الكاميرون نيجيريا، النيجر، تشاد، وأغلب عناصرها من قبائل الكانوري وهي قبائل كبيرة جدا وتتواجد في كل هذه البلدان، وقد انقسمت جماعة بوكو حرام في عام 2016 وأصبح هناك تنظيم آخر يحمل اسم "تنظيم الدولة الإسلامية  في غرب إفريقيا" الى جانب "بوكو حرام " وتحدث بين التنظيمين مواجهات دامية .
"تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى" يعد تنظيما خطيرا جدا في منطقة الساحل الإفريقي، وقد أسسه أبو الوليد الصحراوي الذي ينحدر من مخيمات      "البوليساريو" بتندوف، وقدأعلن ولاءه لداعش سنة 2015، وكان قبل ذلك ينتمي الى تنظيم القاعدة، ومن بين الأمور الخطيرة التي قام بها هذا التنظيم هي قتل 4 جنود من القوات الأمريكية الخاصة في النيجر سنة 2017، كما قام بعد ذلك بمجازر خطيرة جدا في حق المدنيين، وفي حق الجنود الماليين وجنود النيجر، وتسبب في هجرة الآلاف  الى النيجر والجزائر، وارتكب مذابح كثيرة جدا في حق المدنيين.
فيما يتعلق بالجريمة المنظمة في منطقة الساحل الإفريقي، فهي تعتمد على القبيلة، وتستعملها الدول كوسيلة من وسائل إدارة الدولة، حيث أن الدولة في منطقة الساحل تلجأ أحيانا إلى السماح لحلفائها بامتهان الجريمة المنظمة، والتكسب منها بشكل كبير جدا، كما هو حاصل في مالي، وكما هو حاصل في النيجر، وحتى في موريتانيا، وكذلك في الجنوب الجزائري.
وتضم الجريمة المنظمة في هذه المنطقة خمسة أصناف: 
-تهريب المنتجات المشروعة (تهريب الغازوال من الجزائر نحو مالي تهريب المواد المدعمة من الجزائر أو ليبيا نحو هذه الدول، مواد المساعدات الإنسانية من مخيمات تندوف نحو شمال مالي، والنيجر وغيره ، تهريب قطع الغيار..).
-تجارة المخدرات والكوكاكيين القادمة من فنزويلا والبرازيل وكولومبيا وبوليفيا، خاصة بواسطة الطائرات نحو منطقة الساحل، وبعد ذلك تبدأ رحلة برية وجوية وبحرية تحت رعاية التنظيمات المسلحة القبلية أو التنظيمات التي تحسب نفسها على القاعدة أو " داعش "،  و تحت حماية المسؤولين الفاسدين في هذه الدول، وهناك كذلك تجارة الأسلحة الخفيفة المنتشرة بشكل كبير جدا في هذه المنطقة، خاصة في مدينة أغاديز في النيجر، والتي عرفت توسعا بعد سقوط نظام معمر القذافي.
-هناك أسواق للأسلحة في مالي والنيجر، وفي شرق موريتانيا خاصة في الحدود مع مالي.. وهناك قسم هام من هذه الأسلحة مصدره مخازن هذه الدول بسبب الفساد المستشري في مؤسسات هذه الدول، حيث يقوم المسؤولون عن هذه المخازن ببيع الأسلحة للجماعات الإرهابية والجماعات القبلية المسلحة، لدرجة أن كل قبيلة في منطقة الساحل لها جيشها، بحجة الدفاع الذاتي، وتدخل في معارك خطيرة جدا مع القبائل الأخرى، وهي معارك تخلف ضحايا بالمئات وحرق القرى وتهجير السكان. 
- الهجرة غير الشرعية المرتبطة بالإتجار بالبشر.
-الفدية التي تحضر بشكل مهم جدا المنطقة، وقد تم امتهانها منذ 2003 خاصة عندما قام الجزائري عمار الصيفي المكنى بعبد الرزاق البارا باختطاف أكثر من 30 سائحا أوروبيا من جنوب الجزائر، وعبر بهم الحدود باتجاه شمال مالي، قبل أن تقدم حكوماتهم الفدية من أجل إطلاق سراحهم، واستمرت الفدية في هذه المنطقة، والتي تورط فيها مسؤولون ، بما فيهم مسؤولون في أجهزة الاستخبارات في الجزائر ومسؤولون حكوميون بتنسيق مع أمراء جماعات إرهابية .
وحسب المرصد الجغرافي السياسي والاستراتيجي للساحل الصحراوي ومقره بمدينة باماكو فإن الدول الغربية دفعت ما يقارب 150 مليون يورو للحركات الإرهابية في دول الساحل الى حدود يونيو 2014 .
هذه المنطقة تعرف صراعا كبيرا لأجهزة الاستخبارات (الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، الجزائر، المغرب، روسيا والصين وتركيا...).
والصراع بالأساس منصب على ثروات المنطقة، وهي ثروات غنية جدا ( النفط، الغاز، الذهب، اليورانيوم..)، فخليج غينيا يضم ثروات بشكل لا يمكن تصوره.
فيما يتعلق بالولايات المتحدة، فقد قررت بعد أحداث 11 شتنبر2001 الدخول الى منطقة الساحل الإفريقي، حيث عرضت لجنة الدفاع التابعة للحكومة الأمريكية في شتنبر 2002 برنامجا جديدا على دونالد رامسفيلد وزير الدفاع آنذاك وكان البرنامج  يتعلق باختراق الجماعات الإرهابية واستفزازها للقيام بعمليات، حتى تستطيع الولايات المتحدة التدخل في العديد من المناطق، ففي 2003 سوف يتم تنظيم اختطاف 32 سائحا أجنبيا في صحراء الجزائر، وكانت هذه العملية هي العامل الأول التي أدت الى غرس تنظيم القاعدة في منطقة الساحل، فقبل ذلك لم تكن المنطقة تعرف سوى صراع الازوادين مع قوميات أخرى أو صراعهم مع السلطة المالية أو صراع القبائل بيما بينها ، ولم يكن هناك وجود للإرهاب أو غيره. هذه العملية شمال مالي، وكما قال الكاتب البريطاني جيرمي كينان في كتابه "الصحراء المظلمة"، وكذلك في استجواب نشر في موقع " قنطرة " سنة 2010، حيث يؤكد أن عملية الاختطاف  تمت باتفاق بين الاستخبارات الأمريكية والمخابرات الجزائرية من أجل فتح جبهة جديدة للإرهاب في منطقة الساحل.
وبالنسبة لفرنسا فلها تواجد في هذه المنطقة، لأنها كانت تسيطر على حكومات هذه المنطقة، وكان جهاز الاستخبارات الفرنسي حاضر بقوة في هذه المنطقة،  طيلة عقود قبل أن يتسرب إلى أوصاله الضعف والاضمحلال، خاصة في السنوات الأخيرة، والدليل على ذلك أنه لم يستطع الحصول على أي معلومة تفيد بحصول انقلاب في مالي أو في النيجر أو بوركينافاسو، بحيث أنه تفاجئ بحصول انقلابات عسكرية في هذه الدول. 
 فرنسا دأبت على إجراء مقابلات مع زعماء القاعدة كما حصل عام 2019 حيث قامت "فرانس 24"، وهي قناة فرنسية تابعة للدولة الفرنسية، وتعمل تحت إشراف وزارة الخارجية الفرنسي، بإجراء حوار مع مبارك يزيد المعروف بـ"أبو عبيدة العنابي"، كما قدمت فرنسا فدية كبيرة جدا بملايين الأورو لتنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين" في 2020 من أجل إطلاق 4 رهائن، بينهم امرأة مسنة فرنسية، وأطلقت فرنسا، مقابل ذلك، سراح 200 إرهابي، وقد شكل هذا صفقة مشبوهة رعتها فرنسا في الكواليس، وتتهم هنا بأنها تغذي نشاط المسلحين، رغم أن ما قامت به يتعارض كليا مع قانون الاتحاد الأوروبي، ويتناقض كذلك مع لوائح مجلس الأمن الدولي، خاصة التي صادق عليها سنة 2014 .
كما أجرت قناة فرانس 24 سنة 2023 حوارا مع زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ولم تشر في وصفها لهذا الاستجواب نهائيا إلى الخلفية الإرهابية لزعيم القاعدة، علما أن الوصول إلى هذا الشخص يطرح الكثير من علامات الاستفهام ويضع فرنسا في قفص الاتهام.
سنة 2022 رئيس الوزراء المالي بالنيابة عبد الله ميكا قال بصريح العبارة بأن فرنسا تدعم الإرهاب في بلاده، حيث اتهم في الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك فرنسا بكونها تساعد وترعى الإرهاب في مالي .
وبالإضافة إلى فرنسا، تتهم أيضا الجزائر من طرف العديد من الكتابات الغربية، خاصة منها الفرنسية والأمريكية والألمانية، وكذلك العربية ، التي تعتبر إياد اغ  غالي زعيم تنظيم"  نصرة الإسلام والمسلمين"، هو رجل الجزائر في المنطقة، وقد قدمت عدة أدلة حول هذا الموضوع.
أما بخصوص دور الاستخبارات المغربية في المنطقة، فقد سبق لعبد المجيد تبون أن اتهم المغرب بالوقوف وراء تأسيس منظمة إرهابية في المنطقة في حوار له مع "الجزيرة" في أبريل 2023، إذ بعد عشر سنوات خرج ليقول إن  مخابرات دولة جارة  كانت وراء اغتيال دبلوماسيين جزائريين مع العلم أن الخارجية الجزائرية لم تصدر أي بيان اتهام للمخابرات المغربية  في2012  سنة وقوع الأحداث .
غير أن هناك أدلة أخرى تشير إلى وجود نشاط  المخابرات المغربية في المنطقة، ومنه ما أشارت إليه صحيفة " ديل شبيغل " الألمانية بكون المخابرات المغربية تمكنت في عملية نوعية من الإفراج عن أقدم رهينة ألماني، والذي كان مختطفا من طرف الجماعات المسلحة. ونفس الأمر بالنسبة للسلطات الرومانية التي أشادت بدور المغرب في إطلاق سراح رهينة رومانية كان محتجزا طيلة سنوات.
للإشارة، فإن منطقة أزواد بشمال مالي كانت تابعة للسلطة المغربية مدة ثلاثة قرون، حيث كانت في عهد معين تابعة للدولة المرينية، خاصة منذ 1287 في عهد يوسف الناصر بن يعقوب، وبعد ذلك عاد إليها السعديون في عهد أحمد المنصور الذهبي، واستمر التواجد المغربي من 1591 إلى 1895، يعني إلى حدود دخول فرنسا إلى المنطقة، وهذه المنطقة كان يحكمها حوالي 189 حاكما ينتسبون إلى عائلات مغربية من فاس ومراكش ودرعة،  وكان يطلق عليهم لقب الكاهية أو الرامي .
 وحينما أرادت فرنسا الخروج من المنطقة سنة 1960، تقدم اليها حوالي 377 من شخصيات أزواد بعريضة موقعة  إلى الجنرال شارد ديغول الذي كان آنذاك رئيس الجمهورية الفرنسية مبدين رفضهم الإلتحاق بدولة مالي، وطلبوا من فرنسا إما  أن تمنحهم  حكما ذاتيا أو إلحاقهم بالمملكة المغربية، اعتبارا لأن هذه المنطقة كانت تابعة للعرش العلوي، ولكن فرنسا رفضت هذا المقترح وألحقتهم بمالي، ومنذ ذلك الحين اندلعت عدة انتفاضات ومواجهات بين الأزواديين منذ 1963، كما عرفت عقد عدة اتفاقات سلام تحت إشراف فرنسا والجزائر، لكن مصيرها يكون هو الفشل. ومنذ شهر سبتمبر من سنة 2023، تجددت المواجهات بعد انسحاب القوات الفرنسية والأممية، وأصبح الجيش المالي يعرف تفوقا في سلاح الجو بحصوله على طائرات من روسيا وتركيا وأسلحة نوعية من الصين، وانخراط  مرتزقة فاغنر الروسية في المعارك،  كما حدث انقلاب عسكري في النيجر كانت له تداعيات خاصة في المنطقة، بل كان  سببا في طرد فرنسا وانسحاب الدول الثلاث من  منظمة "إيكواس"، مما يعني تراجع  الدور  الفرنسي والجزائري .
 واندلعت كذلك  أزمة دبلوماسية وسياسية بين مالي والجزائر المتهمة برعاية الإرهاب من طرف بماكو بالتدخل في شؤونها الداخلية. أما آخر التطورات السريعة والمتلاحقة التي عرفتها المنطقة، فكان أبرزها الاقتراح الذي قدمه الملك محمد السادس من أجل فك العزلة عن دول الساحل وربطها بالمحيط الأطلسي من أجل النهوض  بواقع هذه الدول ومحاربة الفقر والهشاشة، حيث وضع رهن إشارة هذه الدول الوسائل اللوجستيكية من طرق وسكك حديدية وميناء الداخلة المتوسطي وغيره من موانىء المملكة، خاصة التي تتواجد بالصحراء المغربية، وهو ما جعل هذه الدول، إلى جانب موريتانيا، تنخرط بقوة في المبادرة الملكية. .