اليوم سافرت عبر الزمن وعدت ب 224 سنة إلى الوراء، وسافرت بالضبط إلى عام 1797، تاريخ بناء "مقهى الفيشاوي" بالقاهرة التي ستصبح أحد أشهر المقاهي في العالم العربي، وأحد أبرز المزارات السياحية في مصر.
فما قصة مقهى الفيشاوي التي زارها معظم القادة السياسيون العرب والعجم، وارتادها أشهر الأدباء والشعراء والفنانين والملحنين؟
للجواب على السؤال علينا استحضار سياق النصف الثاني من القرن الثامن عشر حين كانت مصر ممزقة وتشهد تفسخا سياسيا بسبب ضعف سلطة المماليك. ففي ذاك الوقت برز في المشهد: "الفتوات" ( وهم أشخاص ذوو بنية جسمانية قوية)، كل "فتوة" يحمي حيا أو منطقة معينة بالقاهرة لصد الاعتداءات وتأمين السلم. واشتهر الفتوات في الأغلب الأعم، بكونهم يصطفون مع الضعفاء.
لكن في منطقة "مسجد سيدنا الحسين" بالقاهرة القديمة قرب مشيخة الأزهر، انحرف فتوة يسمى "مهدي العجمي"، عن العقيدة الرئيسية للفتوات وبدأ يبطش بالفقراء، فتمرد عليه أحد أتباعه يسمى "فهمي علي الفيشاوي" الذي سحق مهدي العجمي في معركة دامية أدت إلى فرار العجمي من القاهرة.
حل "الفتوة"علي فهمي الفيشاوي مكان مهدي، فقام الفيشاوي بإنشاء مقهى عادي قرب "مسجد سيدنا الحسين"، وسرعان ما توسعت المقهى بعدما أهدت إحدى الأميرات قطعة أرض للفيشاوي مساحتها 1760 متر مربع، فتقدم الفيشاوي بطلب رخصة لبناء مقهى كبير على مساحة 400 متر مربع، وهو ما تحقق له عام 1798.
في عام 1960، تم اقتطاع جزء من مقهى الفيشاوي لتوسيع ساحة "مسجد سيدنا الحسين"، مما أدى بالطبع إلى تقليص مساحة المقهى.
مقهى الفيشاوي استمدت شهرتها من تردد زعماء فرنسا عليها أثناء احتلال مصر من طرف فرنسا، وكذا تردد قادة بريطانيا عليها بعدما احتل البريطانيون أيضا مصر. وبعد الاستقلال سار قادة مصر ومشاهيرها على نفس المنحى.
وحسب لوحة متبثة بجدار مقهى الفيشاوي، نجد من روادها : سعد زغلول، الملك فاروق، قادة ثورة الضباط الأحرار وعلى رأسهم عبد الناصر، فؤاد الأطرش، عبد الحليم حافظ، أم كلثوم، حافظ إبراهيم، أحمد شوقي، عباس العقاد،محمد عبد الوهاب، وأشهرهم نجيب محفوظ، إلخ....
غير بعيد عن مقهى الفيشاوي، وعلى بعد 15 دقيقة مشيا على الأقدام، كان لابد لي من التوغل في السفر إلى الماضي، "بالذهاب"إلى القرن 14 الميلادي، وبالضبط إلى سنة 1382، تاريخ بناء "خان الخليلي"، الذي يعد أحد أقدم المجمعات التجارية بالقاهرة العتيقة.
المجمع بناه الأمير شركس الخليلي، وكان ضخما بمنطق ذاك العهد، إذ ضم آنذاك 1000 متجر وورشة للصناعة التقليدية( الخشب، ااجلود، الزجاج، النحاس، الخ....) ليكون ملتقى التجار بالعالم.
أما مباني الخليلي فتمت في عهد السلطان المملوكي قنصوه الغوري سنة 1511، بعدما تهدمت المباني القديمة.
في العهد العثماني سيتوسع سوق الخليلي ويمتد إلى الأزهر والغورية والحمزاوي.
وفي زقاق البادستان يقع أشهر مطعم بخان الخليلي، ألا وهو مطعم ومقهى "نجيب محفوظ"، الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1988.
أطلق اسم الروائي نجيب محفوظ على هذا المطعم وفاء وتكريما لروائع رواياته الشيقة، التي تدور أحداث معظمها في هذا الحي التاريخي. فأصبح هذا المطعم بدوره قبلة سياحية بالقاهرة يحج إليه المثقفون وللكتاب والأدباء ومختلف السياح منذ افتتاحه عام 1989 على يد "مجموعة فنادق أوبروي" العالمية.
ملحوظة:
تناولت شايا بالنعناع بمقهى الفيشاوي قرب "سيدنا الحسين". وتناولت الغذاء بمطعم نجيب محفوظ بالخليلي، مكون من : حمص وتمية وطحينة ودجاج مشوي.
الزميل عبد الرحيم أريري