لم يكن يتوقّع عبد اللطيف وهبي ذي الـ63 عاما أن تكون نهايته على رأس قيادة الأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة يوم 9 فبراير 2024، وذلك بعد أربع سنوات على انتخابه أمينا عاما في المؤتمر الوطني الرابع بالجديدة في نفس اليوم والشهر من عام 2020، إذ يبدو غير راض على مآله هو الذي أثار الكثير من الجدل في محطتين أساسيتين: أولا، قبل انتخابات 8 شتنبر 2021، ثم ثانيا، خلال استوزاره وزيرا للعدل في حكومة عزيز أخنوش.
فقد فهم وهبي أن زمنه انتهى ورصيده تآكل، وهو ما أكّده صلاح الدين أبو الغالي، الوجه الصاعد في "البام" بقوله: عبد اللّطيف وهبي، الأمين العام (قبل المؤتمر) ليس هو "رجل المرحلة"، واستمراره على رأس الحزب فيه ضرر للحزب ومستقبله.
هلال مساره داخل حزب البام، تطارد وهبي، الذي ولج البرلمان منذ 2016 باسم تنظيم "التراكتور" نائبا برلمانيا عن تارودانت، ورئيسا لفريقها النيابي بالغرفة الأولى للبرلمان، مجموعة من الانتقادات من كل حدب وصوب؛ فهو لا يتوقف عن استصدار مواقف تثير الجدل في الحقل الحزبي والسياسي والحقوقي والمهني وغيره. فمنذ بدايات تشكل تيار "بلا هوادة" الذي أسسه معارضو وهبي بصفته أمينا عاما لتنظيم "الجرار"، والذي غادروا التنظيم السياسي قبيل انتخابات 8 شتنبر 2021 نحو أحزاب من الأغلبية والمعارضة وتركوا فراغا في مواقع التنظيم الحزبية في عدد من الجهات والأقاليم، مثل محمد أبودرار (رئيس الفريق النّيابي بالغرفة الأولى للبرلمان) الذي هجر التنظيم السياسي نحو "الوردة"، لتتفجر شظايا الصراع أمام ردهات المحاكم، أثار مجموعة من الخلافات، بل بمجرد استوزاره، وتعيينه وزيرا للعدل، انطلقت معارك وتفجرت اتهامات وأثيرت احتجاجات، بدءا بفضيحة ما بات يعرف بـ"مول التّقاشر" على خلفية صراعه مع المندوب الإقليمي للثقافة بتارودانت وتوعّده بإعفائه، إلى تهديده بتسييج مواقع التّواصل الاجتماعي ولجم الحرّية، مرورا بتصريحاته حول الموثقين ضدّ العدول داخل منظومة العدالة، إلى تلميحه بإلغاء تجريم العلاقات الرضائية، ثم موقفه من خرجات "طوطو" في برنامج إذاعي حينما قال بأنه "نتوما لّي خاصكوم تعتاذرو لطوطو"، فضلا عن صراعه مع أصحاب البذلة السوداء (المحامون) الذي ينتسب إليهم، والتي لم يتوقف نزيفها ، بعدما وصفوا تصريحاته بكونها "غير مسؤولة" تجاههم وتجاه مهنتهم، دون إغفال تصريحاته التي وصفها مصدرو الفواكه والخضر حول الفلاحة والفلاّح المغربي بأنّها "مستفزّة وغير ناضجة لا تليق بمسؤول حكومي"، مطالبين بالاعتذار من فعل صدر عنه.
وليس هاته القضايا هي من شغلت وأشعلت غضب الرأي العام فقط بسبب وهبي، بل امتدت إلى قضايا مماثلة، ومنها قضية "ولوج مهنة المحاماة" وما أثارته من احتجاج واعتصام على خلفية "عدم شفافية نتائجها" وفق الطاعنين الذين أضربوا عن الطعام واحتجوا وبحّت حناجرهم، والتي زاد من لهيبها تصريحات الوزير وهبي بشأن حصول ابنه على إجازتين واحدة في مونريال بكندا لأن "أباه لاباس عليه"، وسط رسوب مترشحين اعتبروا أنفسهم مستحقي النجاح، إلى جانب ما أثير بخصوص قانون "العقوبات البديلة" وشراء ناهبي المال العامّ "السّجن"، وكذا موقفه "النشاز" من إضرابات الأساتذة، دفاعا عن زميله في الحكومة شكيب بنموسى، حينما خاطب نساء ورجال التعليم بلهجة قوية إيقاف الإضرابات بقوله: "نحن حكومة ندبر شؤون الدولة ولا يمكن أن نسمح لأي كان بلي ذراع الدولة".
وجاءت قضية تاجر "إسكوبار الصحراء"، التي اعتقل على خلفيتها عضوان مهمان من حزب الجرار، لتقصم ظهر الرجل، خاصة أن المعتقلين عضوان قياديان متورطان في عدة جرائم تتصل بالاتجار الدولي في المخدرات، بل "أحدثت صدعًا خطيرًا في حزبنا. وعلينا أن نقول ذلك ونعلنه بصوت عال، نحن بحاجة إلى إعادة هيكلة حزبنا بالكامل لأن أسسنا قوية للغاية، وإذا كان علينا أن نخسر مقاعد في البرلمان أو السلطات المحلية، فليكن"، يشرح القيادي البامي الخمسيني صلاح الدين أبو الغالي.
هكذا إذن، ومع انتهاء مؤتمر الحزب، وجد وهبي نفسه فارغا من لقب "الأمين العام للحزب"، هو الذي كان يراهن على هذا الكرسي منذ 15 عاما، وخاض بسببه حروبا طاحنة مع بنشماس، فإذا به يتلاشى رغم كل محاولات الترميم، فما أصاب التنظيم السياسي للأصالة والمعاصرة من خدوش وانهيار تنظيمي وضربات موجعة، بعضها سياسي، من الصعب أن يرمّم أعطابه من سيأتي بعد وهبي من الثلاثي: فاطمة الزهراء المنصوري، ومحمد بنسعيد، وصلاح الدين أبو الغالي.