معلمة قصبة الوليدية التاريخية بين الإشعاع الدولي وفشل مبادرات الترميم "الحلقة 3"

معلمة قصبة الوليدية التاريخية بين الإشعاع الدولي وفشل مبادرات الترميم "الحلقة 3" جانب قصبة الوليدية يتوسط "مُرَادْ رًّايْسْ" والباحث مصطفى وفقي
من له المصلحة في إفشال كل المبادرات الجادة والهادفة من أجل ترميم قصبة الوليدية التي يعتبرها المراقبون ورشا ومشروعا ملكيا؟ ولماذا لم تجد كل مساعي الترافع التي قامت بها عدة أطراف دولية، ووطنية، وجهوية، ومحلية، الآذان الصاغية لترجمة عصارة توصيات واقتراحات فعاليات المجتمع المدني؟
وهل من مبادرة حكومية جديدة تحسم في ملف الترميم، الذي طال واستطال، وتعيد الروح الحضارية والتاريخية والثقافية لمعلمة القصبة التي تتآكل يوما بعد يوم أمام أنظار من يهمهم الأمر في زمن التغني بكنوز التراث المادي واللامادي، علما أن المشرع المغربي حسم في هذه الأمور من خلال ما سنقدمه من مرجعية قانونية ذات الصلة بترميم المباني التاريخية والحفاظ على الأركيولوجية.
أسئلة تجيب عليها حلقات من سلسلة مقالات تنشرها جريدة "أنفاس بريس" استخلصناها من أوراق بحثية في الموضوع بقلم المتخصص في التاريخ الأستاذ مصطفى وفقي.
 
معلمتان تاريخيتان تؤشران على أن الوليدية مشروع ملكي:
إذا كانت عملية ترميم قصبة الوليد بن زيدان السلطان السعدي الذي تنسب إليه الوليدية، وقصر المغفور له محمد الخامس السلطان العلوي الذي عشق الوليدية، معلمتان تاريخيتان تؤشران على أن الوليدية مشروع ملكي، فمن المؤكد أن دار الباشا أو دار الحاكم، باعتبارها جزء جوهري من قصبة الوليدية نظرا لما تحتوي عليه من الغرف، والقاعات، فقد تشكل فضاءاتها مساحة ذات أهمية لاستغلالها استغلالا مثاليا من الجانب الثقافي، واستثمارها في الوجهة السياحية والاقتصادية، من خلال تخصيص كل غرفة لوظيفة أو نشاطا ثقافيا معينا. حيث يمكن تخصيص غرفة من الغرف كمتحف محلي، وأخرى قاعة للاستقبالات، وثالثة خزانة محلية، ورابعة قاعة للعروض والمحاضرات. وبهذا الترميم والإصلاح يمكن التدرج في استغلال هذه المرافق والفضاءات حسب الإمكانيات والقدرات المتاحة حاضرا. بل أنها ستشكل لا محالة موردا ماليا ينضاف لمداخيل الجماعة الترابية لمدينة الوليدية. وعموما فإن اكتساب قصبة الوليد بن زيدان اكتسابها لمواصفة الموقع الممتاز المطل على البحيرة والمحيط تمكن من نجاح كل هذه المقترحات.
ومن بين أهم الترميمات الواجب القيام بها في علاقة بكل المآثر التاريخية والعمرانية ذات الصلة بالقصبة، نذكر أيضا اقتراحين يتعلقان بـ :
إعادة بناء الجزء المنهار من السور البحراني "يقع بين البرج البحراني وهو أكبر أبراج القصبة وما بين الباب البحراني". وقد انهار هذا الجزء من السور بفعل عنف التساقطات المطرية، والذي تم الاعتماد في بنائه على الحجارة الملتحمة بخلطة تربة الحمرية والجير.
إعادة بناء مرفق تاريخي آخر، تذكر الروايات الشفهية أنه كان سجنا خاصا بالقصبة، ومن المرجح أنه كان يستعمل كمخزن ومستودع للأسلحة والذخيرة الحربية، حيث كان يوجد داخل القصبة على شكل بئر مستطيل، أسطواني الشكل، بسقف مستدير، تم بنائه بالحجارة المتماثلة بدقة وعناية، له نافذة واحدة فقط من جهة جنوبه.
 
الترميمات الشكلية:
أما بخصوص الترميمات الشكلية، فإنها تهدف إلى ترميم الأسوار والأبراج والأبواب التي تمتُّ إلى التصميم التاريخي لقصبة الوليدية بصلة، والتي لا زالت قائمة ومن جميع جهات القصبة الثلاث وهي:
أ ـ السور البحراني المطل على البحيرة.
ب ـ السور القبلاني المطل على ساحة ضريح سيدي أحمد البغلي.
ج ـ السور الشمالي المجاور والمطل على لالة تاناست.
في هذا السياق يؤكد الأستاذ مصطفى وفقي على أنه يجب ترميم هذه الأسوار المثبتة في معظم أجزائها العلوية بالحجارة المشذبة والمهذبة بـ "الشّاقور" وخلطة الجير والتراب الحمري أثناء تجديد بناء قصبة الوليدية من طرف الوليد بن زيدان سنة 1634م، وفق ما أكدته النصوص التاريخية ذات الصلة، علما أن عدة أجزاء سفلية من هذه الأسوار المبنية بـ "التَّابْيَةْ" الصلبة والجير والحصى المدكوك أثناء الفترة القديمة لقصبة الوليدية.
وبحكم أن الأبواب تمثل مدخلا أساسيا لقراءة المعالم الحضارية للمآثر التاريخية فإن الضرورة ملحة لإعادة ترميم أبواب القصبة وهي كالتالي:
أ - الباب الممتاز: الذي يطلق عليه اسم باب المجاهدين من طرف السكان المحليين، والذي كان يتميز بجمالية فائقة، إلا أن الإهمال وتقاعس انخراط المعنيين في معاجلة وحماية وتحصين وتثمين التراث بكل روافده أضحى باب المجاهدين مهددا بسلوكيات مدمرة.
ب – باب فرنسا وباب بروسيا: كان للقصبة بابان أطلق عليهما أثناء فترة السلطان مولاي الحسن الأول باب "فرنسا" وباب "بروسيا"، لأن القصبة كانت محط اهتمام أطماع التدخل الأجنبي لحاجة عسكرية، مما دفعه السلطان إلى وضعها تحت التسيير المباشر لها وبنى بها "قشلة" مشهورة أسندت لها مهمة الحراسة البحرية.
 
إصلاح التشوهات التي لحقت بالمركب الأثري لقصبة الوليدية:
يمكن القول في هذا السياق بأن "فاقد الشيء لا يعطيه" والحال أن بعض المسؤولين يغمضون أعينهم على تجاوزات خطيرة تساهم بوعي أو بدون وعي في اغتيال جذور وروابط تاريخية ذات أهمية بالغة على مستوى كنوز التراث المادي واللامادي في العديد من المجالات الجغرافية، لذلك يلح الأستاذ مصطفى وفقي واضعا الأصبع على بعض التشوهات والتي يجب إصلاحها من خلال إزالة كافة التشوهات التي ألحقت بقصبة الوليدية ضررا بليغا، والتي لا تمتّ بصلة إلى التصميم التاريخي للمركب الأثري، حينما تم بناء وإضافة عدة بنايات وجب البحث في ظروف السماح بها والتي الحقت تشويها فاحشا ومشوها.
 
هذه هي التشوهات التي لحقت بقصبة الوليدية التاريخية:
باب حديث البناء شيّد بالإسمنت والرمل والحجر الكلسي الصلب الحديث القلع.
سور بداخل المركب الأثري يحيط بوحدة أثرية غير مأهولة.
سور آخر يحيط بمنزل مأهول ألحق تشويها فاحشا بالمركب الأثري وبجماليته، وطمس معالم القصبة الأثرية من قبيل البرج القبلاني "رقم 2 " والبئر والصهريج وسانية المخزن.
 
الكشف عن النطافي العديدة المنتشرة داخل القصبة:
من المعلوم أنه لم تكن ثقافة الماء غائبة عن أذهان القائمين على قصبة الوليدية منذ القدم، حيث كانت تتواجد داخل القصبة عدة نقط لتخزين الماء يطلق عليها اسم "نْطَافِي"، إلا أنها اختفت بسبب الإهمال وتراكم الأتربة وترسبها عبر السنين، مما يستدعي إزالة التربة والكشف عن آثار تلك "نْطَافِي" وتحديدها. في هذا السياق طالب الأستاذ وفقي بالكشف عن أساسات المنازل التي هُدِّمَت، على اعتبار أن القصبة ـ حسب الروايات ـ كانت بها ستة وثلاثين "عَتْبَةْ" أي منزل. وكان كل منزل يتكون من ثلاث غرف، ومرافق النظافة والطّبخ، وسقيفة شيدت بواسطة خلطة من "الدِّيسْ" و "القِشْ" و "الْوَرْقَةْ" يطلق عليها "تَاسْيُوتْ"، حيث لم يتبقى من هذا العدد من المنازل إلا خمسة منازل فقط.
 
نظافة القصبة وجماليتها عامل من عوامل القيمة الحضارية والتاريخية للمكان:
شدد الأستاذ مصطفى وفقي على ضرورة حماية ورعاية معلمة قصبة الوليدية من خلال القيام بحملة نظافة، تستهدف بالأساس اقتلاع وإزالة النباتات الشوكية، وبعض الأشجار التي تم غرسها حديثا، والتي قد تضرّ بتماسك البناءات الأثرية مستقبلا. وأشار إلى أهمية العناية والإبقاء والمحافظة على شجرة التوت المغروسة قبالة مسجد القصبة، على اعتبار أنها من المعالم التاريخية للقصبة التي أشار إليها أحد الرحالة البرتغاليين المجهول الاسم في كتابته الجغرافية، حيث تحدث عن "مدن دكالة قديما من المنزل إلى الغيط". وذكر في هذا السياق أن "الغيط عبارة عن أسوار مدمرة تتوسطها شجرة توت". وكان يوجد قرب شجرة التوت ضريح مشهور محليا هو ضريح سيدي كانون.
وتعتبر معاينة القصبة بجميع أجنحتها الأثرية، مسألة ملحة وضرورية وواجب تنظيمها وضمان مشاركة جميع الأطراف المعنية والفاعلين الجمعويين، كأول خطوة لاستقراء عملية الترميم.
 
المرجعية القانونية في ترميم المباني التاريخية والحفاظ على الأركيولوجية:
ـ هناك عدة مقتضيات قانونية تروم رعاية المباني التاريخية والحفاظ عليها وضبطها وتدبيرها، خاصة مقتضيات الظهير الشريف رقم 341-80 -1 المؤرخ في 25 دجنبر 1980 المتضمن الأمر بتنفيذ القانون رقم 2280 المتعلق بالمحافظة على المباني والمآثر التاريخية.
ـ هناك منشور لوزير الثقافة بالاشتراك مع وزير الداخلية والاعلام سابقا حرر بتاريخ 8 مارس 1993، حول تطبيق التشريع الخاص بالمحافظة على المعالم والمواقع التاريخية.
ـ هناك أيضا المراسلة المشتركة التي أرسلت من طرف وزارتي الشؤون الثقافية والداخلية في شكل دورية رقم 73| د بتاريخ 30 دجنبر 1992، إلى كل من عمال وولاة الأقاليم والعمالات تثير انتباههم الى الحالات التي تمس المعالم والمواقع الأثرية التاريخية، وتحثهم على اتخاذ جملة من التدابير التنظيمية، سعيا لوضع حد لكل أشكال التدهور الذي يتهدد وجود هذا التراث الوطني وأصالته، على أن هذه التدابير تقتضي أساسا التنفيذ الصارم للقوانين الجاري بها العمل، وضرورة توعية المسؤولين على اختلاف مستوياتهم بالموضوع والتأكيد على الدور الهام المنوط بكل المسؤولين والمصالح المحلية في حالات كثيرة منها وقوع تشييد بناءات غير قانونية على أو داخل المواقع التاريخية والأثرية، وعدم احترام تجانس المباني والأماكن التاريخية ذات الصبغة الوطنية أو إقامة مرافق مضرة.
ـ هناك مراسلة من طرف وزير سابق تحذر من مسألة الترامي على المواقع والمعالم الأثرية التاريخية، والإتلاف والتشويه نتيجة إقامة بناءات غير مرخص لها أو إصلاحات عشوائية.
ـ بخصوص الطبيعة القانونية للمباني والمواقع التاريخية فهي على الشياع الجبري أي ملك للجميع، لا يقبل أي ميكانيزم، لا للملكية الفردية، أو القسمة بين الورثة، أو التجزئة السكنية، وهي من النظام العام (قانون عام) ولا تتقادم الأعمال المادية المضرة بها، التي تقام عليها وهي مشمولة بالنفاد الجبري المعجل.