أحمد اليبوري بين تأصيل وتحديث الأدب المغربي

أحمد اليبوري بين تأصيل وتحديث الأدب المغربي أحمد اليبوري
التأمت الندوة الوطنية حول "أحمد اليبوري بين تأصيل وتحديث الأدب المغربي"، برياض السلطان – طنجة، من تنظيم مختبر السرديات والخطابات الثقافية ومؤسسة أبو بكر القادري للفكر والثقافة والمركز الدولي للترجمة والتواصل بين الثقافات، يوم السبت العاشر من فبراير 2024، حيث افتتحت الجلسة الأولى برئاسة الأستاذ زكرياء أبو أيوب؛  المدير العام للوحدة التعليمية للبنك الشعبي بطنجة، مرحبا في البداية بممثلي المؤسسات المنظمة، وبالمشاركين وبالحاضرين، مشيدا بالمجهودات التي تقوم بها هاته المؤسسات، تقوية للفعل الثقافي وطنيا ومحليا، واعترافا واحتفاء برموز الثقافة المغربية، حيث تكرم اليوم أحد أيقوناتها الأكاديمي الباحث والناقد والأديب الأستاذ أحمد اليبوري،  بالفضاء الثقافي والفني رياض السلطان – طنجة، الذي يستضيف ندوة "أحمد اليبوري بين تأصيل وتحديث الأدب المغربي"، شاكرا الأستاذ الزبير بن بوشتى الذي يدير هذا الفضاء الجميل، مثنيا على كل الذين ساهموا في إعداد وتنظيم هاته التظاهرة الثقافية. 
بعد ذلك، أعطى الكلمة للمتدخلين بالجلسة الافتتاحية، فتناول الكلمة في البداية، الأستاذ  فريد القادري، الكاتب العام لمؤسسة أبو بكر القادري للفكر والثقافة (والكاتب العام سابقا لمؤسسة البنك الشعبي للتربية والثقافة)، والذي أشار إلى الدور الثقافي الذي تضطلع به مؤسسة أبو بكر القادري في المجتمع المغربي عن طريق التظاهرات الثقافية والفكرية في مواضيع مختلفة، يشارك في تنشيطها خيرة المفكرين والأدباء حرصا على تحفيز الشباب لرفع التحديات واستشراف المستقبل. كما تحدث عن تكريم أحمد اليبوري باعتباره أحد رواد النهضة الأدبية ببلادنا.
 وفي كلمته، أشار الأستاذ الطيب بوتبقالت (رئيس المركز الدولي للترجمة والتواصل بين الثقافات) إلى الدور الكبير الذي أنجزه أحمد اليبوري على صعيد تقوية دور المثقف والثقافة، من خلال  كتاباته وترجماته في الصحافة والمجلات الأدبية.
أما الأستاذ شعيب حليفي ( رئيس مختبر السرديات والخطابات الثقافية)، فقد تطرق في كلمته إلى أن أسباب عقد هذه الندوة هي راهنية فكر وتحليل أحمد اليبوري الذي ما زالت كتبه وتحليلاته وأفكاره ومواقفه تغذي الثقافة والبحث الأدبي.
بدوره ألقى  الأستاذ مصطفى الغاشي(عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان) كلمة نوه فيها بـــتنظيم هاته الندوة،  تكريما وتقديرا لواحد من أبرز الأصوات النقدية في الساحة الأدبية وفي الجامعة المغربية.
آخر كلمة كانت بالجلسة الافتتاحية، هي  كلمة المحتفى به الأستاذ أحمد اليبوري، وقد ألقاها نيابة عنه الأستاذ عبد السلام أبو درار، وفي ما يلي  نص الكلمة:
[سيداتي، سادتي،أستهل حديثي إليكم، بتوجيه الشكر والامتنان، لمؤسسة أبو بكر القادري للفكر والثقافة، والمركز الدولي للترجمة والتواصل بين الثقافات، ومختبر السرديات والخطابات الثقافية، لاهتمامها بتجربتي الأدبية والنقدية، في إطار تأصيل وتحديث الأدب المغربي الحديث، ليس في شموليته، ولكن في حدود السرديات العربية، وضمنها المغربية، رواية وقصة...، بين مراحل التكون والتطور والاشتغال.
ذلك أن مجموعة من الباحثين المغاربة أبرزوا بمحاضراتهم وكتبهم، مقومات الأدب المغربي: منها محاضرة لأحمد النميشي سنة 1924، بفاس، حول شعراء المغرب عبر العصور، وكتاب (فواصل الجمان) 1927، لمحمد غريط، وكتاب (الأدب العربي في المغرب) 1924، لمحمد عباس القباج، وكتاب (النبوغ) 1938 لعبد الله كنون، الذي نشر بعد ثلاث سنوات 1941 دراسات (محاضرات) حول الأدب المغربي الحديث: مقالة، شعر، قصة، مسرح، نقد.
كما أن هناك مجموعة من الأدباء المغاربة تطرقوا، خاصة في الخمسينيات للقصة والرواية، وضعا وترجمة، ممهدين الطريق للأجيال اللاحقة.
 يمكن أن تعتبر 1967، تاريخا فاصلا في دراسة السرديات المغربية، إذ تم فيه تقديم أول رسالة جامعية (فن القصة في المغرب: 1914-1966) بكلية آداب الرباط، ومن تم الاعتراف العلمي، بمكانة القصة والرواية والأجناس المصاقبة لها؛ وقد انعكس هذا التحول، في النصوص التشريعية المنظمة للدراسات والامتحانات الجامعية وأصبح للأدب العربي، قصة ورواية، مكانه ومكانته إلى جانب الأدب العربي القديم.
وفي هذا الإطار، وضعت مجموعة من الأساتذة الحديثي عهد بالجامعة المغربية، بعد اجتياز امتحان الأساتذية، وهم محمد برادة، أحمد المعداوي، حسن المنيعي، إبراهيم السولامي، محمد السرغيني، أحمد اليبوري، برنامجا للعمل في إطار الأدب الحديث، مزودين بأقدم المناهج وأحدثها، منفتحين على الحركة الأدبية والثقافية في الشرق العربي والغرب على السواء.
وفي إطار هذه المجموعة من الأساتذة، قامت تجربتي في مجال التدريس والتأليف على قواعد وأسس، منها:
1- اعتبار المناهج والمفاهيم وطرائق التحليل الحديثة أدوات أساسية فعالة لا غنى عنها في البحث والتدريس، وأن الانسياق وراء المقاربة التاريخية والانطباعية، محدود الفائدة في هذا المجال.
2- اعتبار النص الأدبي، قصة، رواية، ... مجال توتر على جميع المستويات: اللغة، الأحداث، الشخوص، الأفكار ... من هنا يصبح النص عبارة عن مجموعة نصوص يسود بينها حوار أو توتر .. مما يفضي إلى ترتيبها في نظر النقد الكلاسيكي إلى نص مهيمن وبقايا تؤثث ذلك النص.
3- لا أعتبر بعض النصوص دخيلة على النص المهيمن، كما فعلت في قراءتي لرواية (الشراع والعاصفة) لحنا مينة، و(سبعة أبواب) لعبد الكريم غلاب...
وقد وصلنا، اعتمادا على هذه المقاربة (التعددية) إلى نتائج صحيحة نسبيا، دون تبخيس لمقاربات مخالفة.
تلك بعض الخطوط العامة والمختصرة جدا عن تجربتي في تأصيل وتحديث الأدب المغربي، مع الأمل الصادق في أن يصلني صدى أبحاثكم القيمة].
 
بعد ذلك انطلقت الجلسة العلمية التي ترأسها الأستاذ  عطاء الله الأزمي (ميسر الندوة ومنسقها، عضو مختبر السرديات والخطابات الثقافية)، حيث جدد الشكر للجهات المنظمة التي أبت إلا أن تحتفي مجددا بعلم بارز من أعلام الثقافة والأدب المغربيين والجامعة المغربية في شخص الأستاذ الأديب الأريب سي أحمد اليبوري، وكذا لجنود وجنديات الخفاء الذين سهروا على جميع تفاصيل إعداد تنظيم هذه الندوة العلمية الاحتفائية التكريمية،  وكل من ساهم من قريب أو بعيد .. 
أول مداخلة كانت للأستاذ شعيب حليفي (رئيس مختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالبيضاء) والتي وسمها بــــ "أحمد اليبوري بين تأصيل وتحديث الأدب المغربي"، قدم فيها عرضا بمحتويات الكتاب الذي أصدرته مؤسسة أبو بكر القادري والمتضمن لأشغال ندوة تكريمية من سبع مداخلات / شهادات حول أحمد اليبوري الإنسان والأستاذ الباحث والمثقف الملتزم بالقضايا الوطنية والإنسانية. 
المداخلة الثانية قدمها الأستاذ الميلود عثماني (باحث أكاديمي وناقد أدبي ومترجم، أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، الدار البيضاء سطات، وأستاذ زائر بماستر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء)، وعنونها بـــــ  "أحمد اليبوري ومشروع تحديث النقد المغربي"، وانصبت على ثلاثة جوانب، وهي التعريف بمشروعه كما تجلى من خلال أعماله الكاملة (2023)؛ التنويه بأهمية ومنزلة الأدب المغربي في هذا المشروع؛ الوقوف عند أهمية الاستراتيجيات المنهجية التي انتظمت عمله وتحليله لنماذج من الأدب المغربي. ومن خلالها، عرف بمشروع أحمد اليبوري، عبر  أعماله الكاملة(2023)، المتضمنة لأعماله النقدية  منذ 1967 إلى تاريخه. وسعى، في مجرى هذا العرض، إلى التنويه بعناية الأستاذ أحمد اليبوري بالأدب المغربي، بعامة، والإنتاج السردي من أدب شخصي وقصة قصيرة ورواية. واختتم عرضه بالكشف عن المرجعيات النقدية الكونية، وتصرف الناقد في طرائق تطبيقها، وحرصه الشديد على وضعية هذا المنتوج في سياقه التاريخي والاجتماعي والنفسي.
 أما الأستاذ محمد نافع العشيري، ( أستاذ محاضر مؤهل بالمدرسة العليا للأساتذة بمرتيل، رئيس الجمعية المغربية لخدمة اللغة  العربية)؛ فقد تناولت مداخلته التي وسمها بـــــ "انفتاح النص الشعري المغربي: التناص من خلال آخر كتاب لأحمد اليبوري ( في شعرية روض الزيتون لشاعر الحمراء)"، محورين أساسيين، حيث ركز في المحور الأول على أهمية كتاب " في شعرية روض الزيتون لشاعر الحمراء"، في سياق التعدد والانفتاح، مركزا على خصوصية السياق الذي كتب فيه، وطبيعة مؤلفه، وتعدد مناهجه، في حين ركز المحور الثاني  للمداخلة على دينامية النص الشعري عند شاعر الحمراء بن إبراهيم، من خلال رصد التفاعلات النصية المختلفة التي حاور من خلالها بن إبرهيم عددا من نصوص الشعر العربي.
المداخلة الرابعة كانت للأستاذ محمد بن إبراهيم(روائي)، اختار لها عنوان: "فن الرواية: التقدم وبناء الإنسان"، متطرقا للأثر الذي خلفته كتابات أحمد اليبوري حول الرواية والثقافة عموما في تكوينه وتوجهه. 
المداخلة الأخيرة ، قدمها الأستاذ أحمد زيادي(أستاذ التعليم العالي، الكاتب والقاص والباحث في الأدب العربي والأدب الشعبي المغربي"، وحملت عنوان: "فن القصة في المغرب: تأصيل للهوية واستشراف للحداثة المغربية"، ركز فيها بداية على تعقب ما كانت تمدنا به عناوين بعض الكتب المغربية الوازنة، في فترة ما قبل الاستقلال، مقارنة مع ما كانت تشهده الساحة الأدبية من ثمرات المطابع المشرقية في مختلف صنوف الأدب والكتابة والإبداع القصصي والروائي والشعري، وقصور النقد المغربي حينها، نظرا للأحكام الانطباعية التي كانت تميز أغلبه. واعتبر أنه منذ تأسيس الجامعة المغربية سنة 1957، كان هناك تطلع إلى إصدار رسم الولادة الشرعية للقصة والنقد المغربيين الحديثين، إلى أن برز اسم أستاذ الأجيال الأكاديمي والناقد والمبدع أحمد اليبوري، بدءا برسالته: "فن القصة في المغرب (1914 – 1966)"، فكان فيها مؤسسا لنظرية نقدية للقصة، ممتلكة لشروطها المنهجية الخاصة. لذا، عد من جيل الرواد الأوائل، الذي استمدت منه الأجيال اللاحقة  وجنت من عمق وعيها المعرفي والتاريخي والفكري،  ولما تزخر به التجربة اليبورية من معارف تؤصل الهوية المغربية، وتستشرف الحداثة المغربية،
إثر ذلك، كان الجميع على موعد مع فقرة "شهادات" في حق المحتفى به الأكاديمي والأديب المبدع الأستاذ أحمد اليبوري، حيث تعاقب على تقديم شهادات كل من: محمد العناز ومحمد المسعودي  والطيب بوتبقالت، وبعدها اختتمت أشغال الندوة بتوزيع الشهادات على المشاركين.