فـي المغرب العربي ومنطقة الساحل.. النظام الجزائري يزرع سوء الجوار

فـي المغرب العربي ومنطقة الساحل.. النظام الجزائري يزرع سوء الجوار الحاكم الفعلي بالجزائر الجنيرال شنقريحة، يتوسط الجنيرال الليبي حفتر، والكولونيل أسيمي غويتا رئيس مالي
لم‭ ‬تجانب‭ ‬الحكومة‭ ‬المالية‭ ‬الصواب‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬25‭ ‬يناير‭ ‬2024، ‬بأن‭ ‬أدانت‭  ‬قبل‭ ‬إعلان‭ ‬إنهائها‭ ‬العمل‭ ‬باتفاق‭  ‬السلم‭ ‬والمصالحة‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬المنبثق‭ ‬من‭ ‬مسار‭ ‬الجزائر‭ ‬،الموقع‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2015،‭ ‬سلوك‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬إزاء‭ ‬مالي‭ ‬،القائم‭ ‬على‭ ‬عقيدة‭ ‬سوء‭ ‬الجوار‭ ‬والتدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهو‭ ‬سلوك‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬مالي‭ ‬،بل‭ ‬يمتد‭ ‬ضرره‭ ‬إلى‭ ‬باقي‭ ‬دول‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬والساحل‭ ‬،التي‭ ‬ترتبط‭ ‬بحدود‭ ‬مشتركة‭ ‬مع‭ ‬الجزائر‭.‬
 
التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول
لقد‭ ‬أدانت‭ ‬الحكومة‭ ‬الانتقالية‭ ‬المالية،‭ ‬في‭ ‬بيانها،‭ ‬"الأعمال‭ ‬غير‭ ‬الودية‭ ‬والوقائع‭ ‬التي‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬العداء‭ ‬والتدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للبلد"‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية،‭ ‬و"تمس‭ ‬بالأمن‭ ‬الوطني‭ ‬وسيادة‭ ‬مالي"‭.‬
وكانت‭ ‬الجزائر‭ ‬استقبلت‭ ‬بذريعة‭ ‬رئاستها‭ ‬لجنة‭ ‬متابعة‭ ‬تنفيذ‭ ‬اتفاق‭ ‬السلم‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬الشهور‭ ‬الأخيرة‭ ‬،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬قادة‭ ‬التنظيمات‭ ‬الأزوادية‭ ‬(الطوارقية)‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬مالي‭  ‬والإمام‭ ‬محمود‭ ‬ديكو‭ ‬إمام‭ ‬الطريقة‭ ‬الكنتية،‭ ‬بينما‭ ‬رفضت‭ ‬سلطات‭ ‬باماكو‭ ‬إصرار‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬فترة‭ ‬انتقالية‭ ‬على‭ ‬السلطات‭ ‬المالية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واحد،‭ ‬واستقباله‭ ‬"عناصر‭ ‬تخريبية‭ ‬مالية‭ ‬ومواطنين‭ ‬مطلوبين‭ ‬للعدالة‭ ‬المالية‭ ‬بتهم‭ ‬الإرهاب،‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الجزائرية‭ ‬دون‭ ‬تشاور‭ ‬أو‭ ‬إخطار‭ ‬مسبق»‭. ‬كما‭ ‬نددت‭  ‬بفتحه‭ ‬مكاتب‭ ‬تمثيلية‭ ‬لبعض‭ ‬المجموعات‭ ‬الموقعة‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬السلام‭ ‬والمصالحة‭ ‬بمالي،‭ ‬المنبثق‭ ‬عن‭ ‬مسلسل‭ ‬الجزائر،‭ ‬"التي‭ ‬أصبحت‭ ‬اليوم‭ ‬ضمن‭ ‬الحركات‭ ‬الإرهابية"‭ ‬وأعلنت‭ ‬أن‭ ‬"الفضول‭ ‬يساورها‭ ‬لمعرفة‭ ‬كيف‭ ‬سيكون‭ ‬شعور‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬لو‭ ‬استقبلت‭ ‬مالي،‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬في‭ ‬هرم‭ ‬الدولة،‭ ‬ممثلين‭ ‬عن‭ ‬حركة‭ ‬تقرير‭ ‬مصير‭ ‬منطقة‭ ‬القبائل"‭.‬

ولم‭ ‬تسلم‭ ‬باقي‭ ‬دول‭ ‬جوار‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬تدخل‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭ ‬الداخلية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬المغرب‭  ‬منذ‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭  ‬بإيوائها‭ ‬مجموعات‭ ‬مسلحة‭ ‬وتدريبها‭ ‬وإرسالها‭ ‬في‭ ‬1973‭  ‬إلى‭ ‬التراب‭ ‬المغربي‭ ‬،في‭ ‬محاولة‭ ‬فاشلة‭ ‬لضرب‭ ‬الاستقرار‭ ‬الداخلي‭  ‬،وتماديه‭ ‬منذ‭ ‬1975‭ ‬في‭ ‬إيواء‭ ‬وتمويل‭ ‬انفصاليي‭ ‬البوليساريو،‭ ‬طمعا‭ ‬في‭ ‬تفتيت‭ ‬وحدة‭ ‬المغرب‭ ‬الترابية‭.‬

وتجسد‭ ‬تدخل‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬الذي‭ ‬تتحكم‭ ‬فيه‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية،‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬لتونس‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭‬،‭ ‬في‭ ‬تشجيع‭ ‬الرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬على‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬المسار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬والزج‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬معارضيه‭ ‬في‭ ‬السجون‭  ‬ودفعه‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬نهجه‭ ‬المعادي‭ ‬للمغرب‭ ‬،باستقباله‭  ‬في‭ ‬26‭ ‬غشت‭ ‬2022‭ ‬الانفصالي‭ ‬إبراهيم‭ ‬غالي‭ ‬،على‭ ‬هامش‭ ‬‮ ‬القمة‭ ‬اليابانية‭ ‬الأفريقية‭ ‬للتنمية‭ ‬(تيكاد8)،‭ ‬وخلق‭ ‬أزمة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬التونسية‭ ‬،التي‭ ‬كانت‭ ‬قائمة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬الأخوة‭ ‬والتضامن‭ ‬والتعاون‭.‬

ولم‭ ‬يعدم‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬أية‭ ‬وسيلة‭ ‬للتدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬لموريتانيا،‭ ‬بهدف‭ ‬الإضرار‭ ‬بعلاقاتها‭ ‬مع‭  ‬المغرب‭ ‬وجر‭ ‬سلطات‭ ‬نواكشوط‭ ‬إلى‭ ‬مسايرة‭ ‬موقفه‭ ‬المعادي‭ ‬لوحدة‭ ‬المغرب‭ ‬الترابية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬ضرب‭ ‬الامتداد‭ ‬الإفريقي‭ ‬للمغرب‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬تحضر‭ ‬واقعة‭ ‬طرد‭ ‬الحكومة‭ ‬الموريتانية‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬أبريل‭ ‬2015‭ ‬المستشار‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬السفارة‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‮ ‬نواكشوط بلقاسم‭ ‬الشرواطي‭ ‬بسبب‭ ‬وقوفه‭ ‬وراء‭ ‬مقال‭ ‬نشر‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬“البيان”‭ ‬الإلكترونية‭ ‬الموريتانية،‭ ‬يسيء‭ ‬إلى‭ ‬علاقات موريتانيا الخارجية‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬واعتبرت‭ ‬التصرف‭ ‬الجزائري‭  ‬تدخلا‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للبلاد،‭ ‬و‭ ‬يتنافى‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬للشخص‭ ‬المطرود‭.‬

وندد‭ ‬صحفيون‭ ‬موريتانيون‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬سنة‭ ‬2023‭ ‬ببيان‭ ‬للسفارة‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬نواكشوط،‭  ‬مشددين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬السفارة‭ ‬“محاولة‭ ‬واضحة‭ ‬لإقحام‭ ‬نواكشوط‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬وهمية”‭. ‬

ورأى‭ ‬الصحفيون‭ ‬الموريتانيون،‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬لهم،‭ ‬ما‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬السفارة‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬موريتانيا‭ ‬“تضمنَ‭ ‬أوامر‭ ‬موجهة‭ ‬للسلطات‭ ‬الموريتانية،‭ ‬وهو‭ ‬تصرف‭ ‬يجب‭ ‬رفضه‭ ‬ووضع‭ ‬حد‭ ‬له‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتكرر”‭.‬

وشدد‭ ‬البيان‭ ‬ذاته‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬“محاولة‭ ‬السفارة‭ ‬الجزائرية‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬الموريتانية‭ ‬واحتقارها‭ ‬واستعبادها‭ ‬لتخدم‭ ‬أجندتها‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬كونها‭ ‬محاولة‭ ‬مضحكة‭ ‬ومثيرة‭ ‬للسخرية،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تكشف‭ ‬وجهًا‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬وجوه‭ ‬عمل‭ ‬هذه‭ ‬السفارة،‭ ‬الذي‭ ‬يثير‭ ‬الخوف‭ ‬والقلق،‭ ‬ويستدعي‭ ‬منا‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬الحيطة‭ ‬والحذر”،‭ ‬مضيفا‭ ‬“إننا‭ ‬كموريتانيين‭ ‬نحترم‭ ‬الجزائر‭ ‬ونحب‭ ‬شعبها‭ ‬الطيب‭ ‬والأبي،‭ ‬لما‭ ‬يجمعنا‭ ‬من‭ ‬روابط‭ ‬الدم‭ ‬والقربى‭ ‬والتاريخ‭ ‬والمصير‭ ‬المشترك،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬حافل‭ ‬بالطعنات‭ ‬التي‭ ‬وجهت‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬حكامها‭ ‬وعسكرها،‭ ‬وتنظيماتها‭ ‬العابرة‭ ‬للصحراء”‭.‬

وتعرضت‭ ‬ليبيا‭ ‬بدورها‭ ‬لتدخل‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭ ‬الداخلية‭. ‬وفضلا‭ ‬عن‭ ‬دعمه‭ ‬حكومة‭ ‬طرابلس‭ ‬وإشهار‭ ‬عدائه‭ ‬للشخصيات‭ ‬الممثلة‭ ‬للشرق‭ ‬الليبي‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الجنرال‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر‭ ‬قائد‭ ‬الجيش،‭ ‬وجه‭ ‬النظام‭ ‬جهاز‭ ‬مخابراته‭ ‬الخارجية‭ ‬للتغلغل‭ ‬في‭ ‬بلدتي‭ ‬غدامس‭ ‬وغات‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬غرب‭ ‬ليبيا،‭ ‬لاستمالة‭ ‬قيادات‭ ‬الطوارق‭ ‬الليبيين‭ ‬وتوظيفهم‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬أجندة‭ ‬النظام،‭ ‬مع‭ ‬وضع‭ ‬اليد‭ ‬على‭ ‬المقدرات‭  ‬الاقتصادية‭  ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭  ‬تمكين‭ ‬شركة‭ ‬صونطراك‭ ‬للمحروقات‭ ‬من‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬أحواضها‭ ‬النفطية‭.‬
 
رعاية‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬
وفي‭ ‬رد‭ ‬فعله‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬حكومة‭ ‬باماكو‭ ‬العمل‭ ‬باتفاق‭ ‬السلم‭ ‬المنبثق‭ ‬من‭ ‬مسار‭ ‬الحزائر‭ ‬،هدد‭ ‬نظام‭ ‬تبون‭ ‬وشنقريحة‭ ‬مالي‭ ‬بإشعال‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬فيها،‭ ‬علما‭ ‬أنه‭ ‬غذى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬مقومات‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرارها،‭ ‬بإيوائه‭ ‬وتمويله‭  ‬الإرهابي‭ ‬إياد‭ ‬أغ‭ ‬غالي،‭ ‬زعيم‭ ‬جماعة‭ ‬نصرة‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين،‭ ‬التي‭ ‬دبرت‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬المسلحة‭ ‬ضد‭ ‬الجيش‭ ‬المالي،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬رعايته‭ ‬المسؤول‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬تنظيم‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بـ‭ ‬"القاعدة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬المغرب‭ ‬الإسلامي"‭ ‬عبد‭ ‬المالك‭ ‬درودكال،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يوجه‭ ‬جماعات‭ ‬جهادية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساح‭ ‬ل،قبل‭ ‬أن‭ ‬يلقى‭ ‬مصرعه‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬تاسيلت‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2020‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬القوات‭ ‬الفرنسية‭.‬

ولا‭ ‬يزال‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬يرعى‭ ‬الإرهاب‭  ‬أيضا‭  ‬في‭  ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬بإيوائه‭ ‬وتمويله‭ ‬ميليشيات‭ ‬البوليساريو‭ ‬بهد‭ ‬إبقاء‭ ‬المنطقة‭ ‬أسيرة‭ ‬التوتر‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭.‬
 
وهم‭ ‬الأجرام‭ ‬في‭ ‬الفلك‭ ‬الجزائري
لقد‭ ‬اتهمت‭ ‬السلطات‭ ‬المالية‭  ‬الجزائر‭ ‬بأنها‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬مالي‭ ‬نظرة‭ ‬“إزدرائية‭ ‬واستعلائية”‭. ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭  ‬الخاطئ‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬مالي‭ ‬بمفردها،‭ ‬بل‭ ‬شمل‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬جوار‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬والساحل،‭ ‬التي‭ ‬توهم‭ ‬قصر‭ ‬المرادية‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬أجرام‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلكه‭. ‬ويكفي‭ ‬الاستشهاد‭ ‬هنا‭ ‬بادعاء‭ ‬الرئيس‭ ‬تبون،‭ ‬بدون‭ ‬أدنى‭ ‬حياء‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬“قوة‭ ‬ضاربة”‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬ترديد‭ ‬باقي‭ ‬المسؤولين‭ ‬أنها‭ ‬بلد‭ ‬محوري‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭.‬

وتأكيدا‭ ‬لسلوك‭ ‬الاستعلاء‭ ‬الذي‭ ‬يمارسه‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬إزاء‭ ‬جيرانه،‭ ‬مقرونا‭ ‬بنزعة‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونهم‭ ‬الداخلية،‭ ‬يكفي‭ ‬إيراد‭ ‬حادثة‭ ‬إعلان‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الجزائرية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭  ‬في‭ ‬2‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬أن‭ ‬النيجر‭ ‬وافقت‭ ‬رسميا‭ ‬على‭ ‬مبادرتها‭ ‬لاستعادة‭ ‬النظام‭ ‬الدستوري‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬عقب‭ ‬إطاحة‭ ‬الجيش‭ ‬بالرئيس‭ ‬محمد‭ ‬بازوم‭ ‬واضطرت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬والتعاون‭ ‬وشؤون‭ ‬النيجيريين‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الموالي‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬بيان‭ ‬أعلنت‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬النيجر‭ ‬لم‭ ‬توافق‭ ‬على‭ ‬الوساطة‭  ‬الجزائرية‭ ‬التي‭ ‬عرضت‭ ‬على‭ ‬الجيش‭ ‬فترة‭ ‬انتقالية‭ ‬مدتها‭ ‬ستة‭ ‬أشهر،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أنّ‭ ‬مدّة‭ ‬الفترة‭ ‬الانتقالية‭ ‬لا‭ ‬يحدّدها‭ ‬إلا‭ ‬“منتدى‭ ‬وطني‭ ‬شامل”‭.‬

وظل‭ ‬نهج‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬إزاء‭  ‬بلدان‭ ‬جواره‭ ‬قائما‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬الاستعلاء‭ ‬ورفضه‭ ‬بناء‭ ‬علاقات‭ ‬ثنائية‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬والتكافؤ‭ ‬والتعاون‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬المنفعة‭ ‬المتبادلة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬اعتمد‭ ‬النظام‭ ‬بدون‭ ‬كلل‭ ‬سياسة‭ ‬إضعاف‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬ونسف‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬لبناء‭ ‬اتحاد‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬كما‭ ‬سعى‭ ‬إلى‭ ‬إفشال‭ ‬جهود‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬للتعاون‭  ‬الأمني‭ ‬والعسكري‭ ‬بينها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التصدي‭ ‬للإرهاب‭ ‬،على‭ ‬أساس‭ ‬اعتقاده‭ ‬الواهم‭ ‬أن‭ ‬زعامة‭ ‬المنطقة‭ ‬له‭ ‬وهو‭ ‬صاحب‭ ‬الكلمة‭ ‬الفصل‭ ‬فيها،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينتبه‭  ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بهذه‭ ‬السياسة‭ ‬الرعناء‭ ‬يطوق‭ ‬نفسه‭ ‬بعزلة‭ ‬ماحقة،‭ ‬من‭ ‬تجلياتها‭ ‬انتفاضة‭ ‬مالي‭ ‬‭ ‬والنيجر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يصدر‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬مواقف‭  ‬تمس‭ ‬بكرامتهما‭ ‬وسيادتهما‭. ‬
 
الجحود‭ ‬إزاء‭ ‬دول‭ ‬ناصرت‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية
وفي‭ ‬حاضر‭ ‬سلوكاته‭ ‬وأفعاله‭ ‬المضرة‭ ‬بدول‭ ‬الجوار،‭ ‬تنكر‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭  ‬لفضل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حرصت‭ ‬الحكومة‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬بيانها‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬تذكيره‭ ‬به،‭ ‬بتأكيدها‭ ‬أن‭ ‬مالي‭ ‬وفرت‭ ‬ترابها‭ ‬كقاعدة‭ ‬خلفية‭ ‬للمجاهدين‭ ‬(الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬الراحل‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬بوتفليقة‭ ‬الذي‭ ‬اشتغل‭ ‬في‭ ‬هدة‭ ‬الجبهة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬الشريف‭ ‬مساعدية،‭ ‬كان‭ ‬يحمل‭ ‬الإسم‭ ‬الحركي‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬المالي)،‭ ‬لتفتح‭ ‬بذلك‭ ‬جبهة‭ ‬الجنوب‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭  ‬ومساهمتها‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬المسلحة‭ ‬ضده‭ ‬ونشر‭ ‬مقاتليها‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المجاهدين‭ ‬الجزائريين‭ ‬داخل‭ ‬التراب‭ ‬الجزائري‭ ‬ودفاعها‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭.‬

وفي‭ ‬تعرضها‭ ‬لجحود‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري،‭ ‬تتساوى‭ ‬مالي‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬المغرب‭ ‬وتونس‭ ‬وليبيا،‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬قواعد‭ ‬خلفية‭ ‬لجيش‭ ‬التحرير‭ ‬الجزائري‭ ‬وأمدته‭ ‬بالسلاح‭ ‬والدعم‭. ‬وبعد‭ ‬حصول‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬الاستقلال،‭ ‬لجأ‭ ‬النظام‭ ‬إلى‭ ‬الإضرار‭ ‬بدول‭ ‬الجوار‭ ‬طمعا‭ ‬في‭ ‬إضعافها‭ ‬وأشعل‭ ‬الفتن‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬النزاع‭ ‬المفتعل‭ ‬حول‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬ينفخ‭ ‬فيه،‭ ‬بدون‭ ‬جدوى،‭ ‬طمعا‭ ‬في‭ ‬تفتيت‭ ‬وحدة‭ ‬المغرب‭ ‬الترابية‭.‬
 
الجزائر‭ ‬توظف‭ ‬اتفاق‭ ‬السلم‭ ‬في‭ ‬مالي
وبررت‭ ‬السلطات‭ ‬المالية‭ ‬إنهاء‭ ‬العمل‭ ‬باتفاق‭ ‬السلم‭ ‬المنبثق‭ ‬من‭ ‬مسار‭ ‬الجزائر‭ ‬بعجز‭ ‬الوساطة‭ ‬الدولية‭ ‬عن‭ ‬ضمان‭ ‬احترام‭ ‬الالتزامات‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬التنظيمات‭ ‬المسلحة‭ ‬الموقعة‭ ‬عليه،‭ ‬رغم‭ ‬الشكايات‭ ‬التي‭ ‬قدمتها،‭ ‬وتوظيف‭ ‬الاتفاق‭ ‬من‭  ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬التي‭ ‬تتولى‭ ‬رئاسة‭ ‬لجنة‭ ‬متابعة‭ ‬تنفيذه‭.‬

والواقع‭ ‬أن‭ ‬تحكم‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬وتيرة‭ ‬تنفيذ‭ ‬الاتفاق‭ ‬وتوظيفه‭ ‬لخدمة‭ ‬أجندته‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬كانا‭ ‬باديان‭ ‬للعيان‭ ‬منذ‭  ‬الاجتماع‭ ‬الأول‭ ‬للجنة‭ ‬الدولية‭ ‬لمتابعة‭ ‬تنفيذه‭. ‬
 
لقد‭  ‬تمت‭ ‬صياغة‭ ‬الاتفاق،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬إحلال‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬مالي‭ ‬وإنجاز‭ ‬مصالحة‭ ‬بين‭ ‬السلطات‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬باماكو‭ ‬والتنظيمات‭ ‬الطوارقية‭ ‬في‭ ‬الشمال،‭ ‬بل‭ ‬لإبقاء‭ ‬جرح‭ ‬مالي‭ ‬نازفا،‭ ‬ولا‭ ‬أمل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الاستقرار‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬سفير‭ ‬فرنسا‭ ‬الأسبق‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬نيكول‭ ‬نورمان‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬"لوموند"‭ ‬في‭ ‬09‭ ‬يوليوز‭ ‬2020،‭ ‬مستخلصا‭ ‬أن‭ ‬اتفاق‭ ‬مسار‭ ‬الجزائر‭ ‬بين‭ ‬باماكو‭ ‬والمتمردين‭ ‬المسلحين‭ ‬خلق‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حلها‭.‬

وبالطبع‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬بصيغته‭ ‬الملغومة‭ ‬على‭ ‬هوى‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري،‭ ‬لأنه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬مالي‭ ‬غير‭ ‬مستقرة‭ ‬وتحت‭ ‬رحمة‭ ‬رئاسته‭ ‬لجنة‭ ‬متابعة‭  ‬تنفيذ‭ ‬الاتفاق،‭ ‬ثم‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬تتحسن‭ ‬أوضاع‭  ‬الطوارق‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬مالي،‭ ‬بما‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬الجنوب‭ ‬الجزائري،‭ ‬حيث‭  ‬توجد‭ ‬الثروة‭ ‬النفطية‭ ‬ويعيش‭ ‬الطوارق‭ ‬الذين‭ ‬يحكمهم‭ ‬بالحديد‭ ‬والنار‭. ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬تنام‭ ‬عيون‭ ‬النظام‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬للطوارق‭ ‬بجواره‭  ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬والنيجر‭ ‬ومالي،‭ ‬ارتباطا‭ ‬بتحكمه‭ ‬بالطوارق‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الجزائري‭. ‬ولا‭ ‬تنام‭ ‬عيونه‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬دول‭ ‬الجوار،التي‭ ‬لا‭ ‬يوقف‭ ‬مؤامراتها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الإضرار‭ ‬بها،‭ ‬لأنه‭ ‬يعتمد‭ ‬فقط‭ ‬سياسة‭ ‬سوء‭ ‬الجوار‭.‬