هل تتجه حكومة أخنوش نحو خوصصة قطاع الصحة؟
هذا هو السؤال الذي يؤرق عدد من المهتمين والمرتفقين والمهنيين بالقطاع. فبعد السؤال الذي طرحته نائبة الحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب في شهر نونبر 2023 حول حقيقة ما يروج من أخبار عن تفويت المراكز الاستشفائية الجامعية وكرائها من طرف الدولة من مالكها الجديد بدون الرجوع الى البرلمان، ظلت الأخبار والشائعات تتوارد دون انقطاع حول مدى صحة قرار الحكومة تفويت قطاع الصحة، خاصة أن سؤال برلمانية الاشتراكي الموحد لم ينل حظه من أجوبة الحكومة، كما أنه لم يصدر أي بيان أو بلاغ في الموضوع، وهو ما فتح الباب أمام تناسل العديد من التساؤلات والتكهنات بشأن مصير قطاع الصحة باعتباره قطاع عمومي ذو صبغة اجتماعية، وأحد الأعمدة الأساسية لشعار الدولة الاجتماعية الذي رفعته الحكومة تناغما مع جاء في الباب الأول من الدستور (نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية ). في خضم هذا الغموض الذي يخيم على الساحة والصمت المطبق، خرجت التنسيقية الوطنية للأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان بالقطاع العمومي ببلاغ طالبت من خلاله الحكومة بالتراجع عن مسار خوصصة المستشفيات العمومية، مؤكدة أن "تفويت المستشفيات العمومية للقطاع الخاص سيؤدي إلى تدهور الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، وإلى تسريح الأطر الطبية التي ستصبح خاضعة لقوانين القطاع الخاص التي لا تحمي حقوقهم ومصالحهم ". كما طالبت الحكومة أيضاً بالعودة إلى النظام الأساسي للوظيفة العمومية كنظام يسري على الأطر الطبية.
هذه المخاوف لم تقتصر على التنسيقية الوطنية للأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان بالقطاع العام التي سبق لها أن نظمت وقفة احتجاجية أمام وزارة الصحة احتجاجا على إدخال قطاع الصحة الى " متاهة الإصلاح " بل شملت أيضا الجامعة الوطنية للصحة ( إ.م..ش)، التي لم توقع على محضر الاتفاق مع وزارة الصحة بشأن مستقبل القطاع، حيث أبدت هي الأخرى تشبثها بالحفاظ على جميع مكتسبات موظفي القطاع المرتبطة بنظام الوظيفة العمومية وبانتمائهم إداريا وماليا لوزارة الصحة، معبرة عن استيائها من غياب الشروط الضرورية للتفاوض الحقيقي المفضي الى صون المكتسبات وضمان الحقوق وتحسين أوضاع نساء ورجال الصحة، مبدية رفضها حضور " اللقاء غير الواضح المعالم " الذي دعت له وزارة الصحة بهذا الخصوص.
في هذا الصدد أوضح عبد الله مشكور، عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية للصحة والكاتب الجهوي للاتحاد المغربي للشغل بمكناس، أن الجامعة الوطنية للصحة ضد إلحاق الموظفين بالمجموعات الصحية الترابية كما جاء في القانون 08.22. فلا يعقل – يضيف محاورنا – تحويل موظف عمومي إلى مستخدم، متسائلا عن مصير الموظفين في حالة إفلاس المجموعات الصحية الترابية. وعن القانون الواجب التطبيق ( قانون الوظيفة العمومية أم مدونة الشغل )، وعن الجهة التي سيقصدها الموظف في حالة نزاع الشغل( المجلس التأديبي أم مفتش الشغل)، قبل أن يخلص الى كون الإصلاح المرتقب سيؤدي الى الهشاشة في قطاع الصحة، على غرار ما حدث في قطاع التعليم بعد إقرار التعاقد.
وأشار مشكور، أن الجامعة الوطنية للصحة لم يتم إشراكها في القرار الذي اتخذته الحكومة، مؤكدا أن أي مشروع للإصلاح سيكون مصيره الفشل دون إشراك الشركاء الاجتماعيين. وتوقع أن تكون هناك تبعات خطيرة لهذا التحول وضمنها ارتفاع أسعار الخدمات الصحية وغياب الاستقرار الاجتماعي في قطاع الصحة، ولعل ما يزكي ما أشار إليه مشكور، هو ما جاء في المادة 19 من القانون 09.22 المتعلق بالوظيفة الصحية : " يمكن، كلما اقتضت ضرورة المصلحة ذلك، اللجوء إلى التشغيل بموجب عقود، لمدة محددة قابلة للتجديد.. ".
في نفس السياق ذهبت نورة بنيحي، طبيبة بمستعجلات محمد الخامس بالدار البيضاء، الى أن وزير الصحة لم يرد على ما يروج من شائعات بشأن تفويت المراكز الاستشفائية الجامعية، كما لم يصدر أي بلاغ رسمي ينفي تفويت المراكز الاستشفائية الجامعية واكترائها من طرف الدولة. وفي خضم هذا الصمت أشارت محاورتنا بأن " الصمت يعد علامة الرضا "، كما أنه يؤكد ما جاء لسان برلمانية الاشتراكي الموحد نبيلة منيب.
وأشارت نورة بنيحيى بأن تفويت المراكز الاستشفائية الجامعية إن صح، يعد أمرا خطيرا ويعني إمكانية تحويلها إلى مصحات خاصة، وبالتالي سيصبح المتحكم الأول فيها هو الشخص الذي قام باقتنائها .
كما أبدت نورة بنيحي رفضها لتحويل الموظفين بالقطاع الى مجرد مستخدمين تابعين للمجموعات الصحية الترابية التي ستتكفل بتأدية أجورهم، محذرة من تداعيات خوصصة القطاع على الموارد البشرية والمرتفقين على حد سواء، علما أن ميزانية وزارة الصحة تم تخفيضها في قانون المالية 2024.
وتوقعت بنيحي أن نشهد إفلاس المؤسسات الصحية في إطار المجموعات الصحية الترابية، مما يعني نهاية قطاع الصحة كقطاع اجتماعي، الأمر الذي يتناقض مع شعار الدولة الاجتماعية ومع الباب الأول من الدستور الذي يشير الى كون نظام الحكم في المغرب ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية اجتماعية، مبدية أسفها الشديد لإقصاء العديد من المواطنين الذي كانوا يستفيدون من نظام " راميد " من التغطية الصحية بمبرر " ارتفاع المؤشر "، مما يعني أننا سنصبح أمام مشكل حقيقي في الولوج العلاج، خاصة أمام إمكانية ارتفاع أسعار الخدمات الصحية في ظل الإصلاح المرتقب .
من جانبه ذهب مصطفى جعى، الكاتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين، الى وجود " لغط كبير " بخصوص إصلاح المنظومة الصحية، مشيرا بأن الجواب عن كل هذا يوجد في النصوص القانونية. وحسب المادتين 1 و 2 من القانون 08.22، فإن المجموعة الصحية الترابية هي مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي وتخضع للمراقبة المالية للدولة المطبقة على المؤسسات العمومية، ودورها -حسب مصطفى جعى- هو تنفيذ سياسة الدولة في مجال الصحة، حيث ستعوض المديريات الجهوية الموجودة حاليا في القطاع، وستضم جميع المستشفيات العمومية، كما ستضم المراكز الاستشفائية الجامعية. وبالتالي فالأمر يتعلق بطريقة للتدبير.
لكن الإشكالية المطروحة – يضيف محاورنا – تتعلق بمآل الموظفين في المستشفيات العمومية والمراكز الاستشفائية الجامعية.
وأكد جعى بأن موظفي قطاع الصحة لم يتم استثنائهم من ظهير 1958 المتعلق بالوظيفة العمومية، فإلى جانب النظام الأساسي لظهير 1958، هناك أنظمة خاصة، مثل القضاة والذين لازالوا موظفين عموميين رغم توفرهم على نظام خاص، والعسكريين ومتصرفي وزارة الداخلية، وقد أضيف لهؤلاء موظفو قطاع الصحة، وعلى هذا الأساس خرج قانون الوظيفة الصحية 09.22 والذي يحدد حقوق ومكتسبات موظفي وزارة الصحة. وشدد جعى على أن المعركة المهمة والتي لا ينبغي أن لا تسجل فيها أخطاء معركة وضع النظام الأساسي النموذجي لموظفي قطاع الصحة، فهنا – يوضح محاورنا - ينبغي أن تكتب النقاط التفصيلية والمتعلقة بالحفاظ على المكتسبات التي يتوفر عليها الموظفون، وهي مرحلة صعبة وينبغي أن تتم في إطار مقاربة تشاركية لضمان جميع الحقوق والمكتسبات.
وعن تخوفات المهنيين بالقطاع بشأن الإصلاح المرتقب أشار جعى، أن هناك تخوف بشأن مدى وجود عمل قار داخل المجموعات الصحية الترابية، وتعسفات، فضلا عن المخاوف من فقدان صفة موظف عمومي، وهي تخوفات مشروعة – يضيف- لأننا أمام تغيير كبير، ولكن هذه النقاط – يستطرد محاورنا - تمت الإجابة عنها في النصوص القانونية، مؤكدا بأن مرحلة وضع النظام الأساسي النموذجي هي التي ستغلق هذا النقاش، داعيا وزارة الصحة والنقابات الى تحمل مسؤوليتها في إطار القانون 08.22 وفي إطار قانون الوظيفة الصحية 09.22.
وشدد على أن أهم شيء هو اعتماد المقاربة التشاركية بين الوزارة والنقابات على أساس أن يكون هناك نص ذو جودة وتفادي السقوط في إشكالية وضع نظام أساسي يحمل تراجعا عن الحقوق والمكتسبات.