هل يعيش فعلا إقليم أسا الزاك موجة عطش عامة؟ وهل فعلا توجد ضيعات بمئات الآلاف من الهكتارات مخصصة للبطيخ الأحمر استنفذت الفرشة المائية؟ ثم ماذا تنتظر السلطات الإقليمية بالنظر لهذه الوضعية المائية أن تعلن أسا الزاك إقليما منكوبا؟
طبعا هي أسئلة مشروعة ومنطقية بالنظر لما تم تداوله مؤخرا حول مطالبة ممثلي قبائل وجمعيات مدنية السلطات الإقليمية بوقف استنزاف الفرشة المائية وحفر الآبار العشوائية، وكيف أن هؤلاء يدقون ناقوس الخطر، جراء ما أصبح يتهددهم من عطش، بسبب الاستغلال المفرط للماء الناتج عن تنامي الزراعات المعروفة باستهلاك كميات كبيرة من المياه.
دعونا أولا نضع النقط على الحروف، ونبين بأن تداول مثل هذه الأخبار هو من باب التهويل، وليس كما يقدمه البعض لغرض في نفس يعقوب، ويندرج ضمن محاولات ضرب الاستقرار الاجتماعي، وهو كذلك من باب الحسابات السياسوية التي لم تعد خافية على بيت من بيوت إقليم أسا الزاك، بل وكيف أن أشخاصا مازالت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بهم تحتفظ بصور لهم مع حبات الدلاح في جماعة تويزكي، يفتخرون فيها بهذه الزراعة، السنة الماضية. واليوم ينتصبون مدافعين عن أمور من نسج الخيال؟
وفق المعطيات الرسمية تبلغ مساحة إقليم أسا الزاك، مليونين و700 ألف هكتار، ولا تمثل المناطق الفلاحية سوى نسبة قليلة بالنظر لقساوة المناخ، ومع ذلك، لا تتعدى المساحة المزروعة 100 هكتار، أي ما يعادل أقل من 0.004 في المائة. أي بصيغة آخرى وعلى سبيل المقارنة، ما يمثل مساحة ضيعة صغيرة في الحوز أو السراغنة، وحتى هذه الأصفار في المائة ليست فيها ضيعة مخصصة لزراعة البطيخ الأحمر. وحتى لو افترضنا وجود حبات منه، فهل هذا العدد الضئيل من شأنه فعلا أن يستنزف الفرشة المائية؟ مع العلم بأن الجماعتين المعنيتين بهذه الهكتارات الزراعية المعيشية، هي البيرات وتويزكي الحدوديتين، وهي الأنشطة الزراعية التي يراد منها بالدرجة الأولى تحقيق الاستقرار وليس تحويلها كما في مخيلة البعض، مناطق زراعية مخصصة منتوجاتها للتصدير..
وقبل هذا وذاك، فإن إقليم أسا الزاك على غرار باقي أقاليم الجهات الأخرى، منضبط لكل الدوريات الصادرة عن وزارة الداخلية بشأن ترشيد استغلال المياه سواء الصالحة للشرب أو المخصصة للسقي. بل إنه في بعض الأقاليم تم على سبيل الحصر، تخصيص هكتار لا غير لزراعة البطيخ الأحمر، لكن في أسا الزاك هناك التزام بالمنع المطلق، رغم أن الحالة العامة للفرشة المائية أحسن بكثير من هذه الأقاليم.
أما بخصوص المساحة المزروعة، على ضآلتها، فهي معيشية بالأساس وبالكاد تحقق اكتفاء أسريا. وما زاد عن ذلك يتم عرضه للبيع، حيث يلاقي طلبا مرتفعا بالنظر لكونه من الخضروات "البيو"، من قبيل القرع والنعناع والجزر والبصل..
وهناك بعض الساكنة يقوم بزرع "الفصة" لفائدة بضع رؤوس من الأغنام والماعز..
هذا على مستوى الفرشة المائية المخصصة لسقي هذه الهكتارات الموزعة على أكثر من مليونين و700 ألف هكتار، فماذا عن الماء الصالح للشرب؟
بمدنييها وعسكرييها، يبلغ عدد ساكنة إقليم أسا الزاك، 40 ألف نسمة، أي ما يعادل حي سكني بالدار البيضاء، وبالتالي فإن الطلب على الماء الصالح للشرب، ليس كمثله في المدن المكتظة. ومع ذلك من حق الساكنة أن تفتخر، بأن انقطاع الماء الشروب، ليس من المصطلحات المتداولة في هذا الإقليم الصحراوي الحدودي، والتزود بالماء مضمون 24 ساعة على 24 و7 أيام على 7. ووجود شاحنات للماء في أزقة الإقليم هو من باب العادة، حيث يكثر الطلب على مياه الآبار أو البحيرات الماتحة عن هطول الأمطار، ضمن ما يعرف محليا ب "ماء الغدير"، والذي يعد أساسيا عند تحضير الشاي على الطريقة الصحراوية.. هذا في الوقت الذي تعرف فيه بعض الأقاليم في الجنوب، انقطاعات بين الفينة والأخرى لهذه المادة الحيوية.
نعم هناك إقرار بأن هناك انخفاض لمنسوب الفرشة المائية بالإقليم، وهو أمر عام لايقتصر على منطقة دون أخرى، وإن كان بنسب متفاوتة، وأسا الزاك، تدخل هذا العام موسما آخر من الجفاف المتوالي، وانخفاض منسوب واد درعة انعكس سلبا على الفرشة المائية. لكن وفق تقرير اللجنة الإقليمية للماء المنعقدة مؤخرا، فإن الوضعية المائية غير مقلقة في الظرف الحالي ولم يزد الطلب عن الإنتاج. ومع ذلك لم تبق السلطات الإقليمية مكتوفة الأيدي، مطمئنة البال، بل هي واعية كل الوعي، بحساسية الموضوع في مختلف أبعاده، ما دام أن الأمن المائي والأمن الغذائي من أساسيات الاستقرار الاجتماعي.
وكشفت ذات المصادر عن الخطوط العامة لاستراتيجية الحفاظ على الماء وترشيده، وتتمثل على المستوى القريب، في إنشاء بعض محطات تحلية المياه التي ترتفع فيها نسبة الملوحة في بعض الجماعات، وكذا وضع مخطط مدروس للأثقاب الجوفية.
أما على المستوى المتوسط، فهناك بداية لإنجاز 3 سدود بمدخل إقليم أسا وبجماعة تويزكي (بونجير، تاروراست، عوينة لهنا)، وأيضا هناك سدين في طور الدراسة بتراب جماعتي البيرات وعوينة اغمان.
أما على المستوى البعيد، فهناك محطة لتحلية مياه البحر بالشاطئ الأبيض ضمن البرنامج التنموي الجهوي لتزويد أسا بالماء الشروب في غضون سنة 2027، 2030، وهو ما سيمكن ليس من تلبية الطلب على الماء الصالح للشرب بل السقي كذلك، وهو ما سينعكس على الصورة الفلاحية للإقليم، مع الحديث عن بلوغ 5 آلاف من الأراضي المسقية، وهو ما سيحقق اكتفاء غذائيا ذاتيا، خصوصا مع مشروع تحلية مياه بحر شاطئ الوطية القريب من تراب جماعة البيرات..