بعد مرور سنين على دعوة منظمات أممية الدول العضوة في الأمم المتحدة إلى مكافحة الفساد و الرشوة ،لما تشكله هذه الآفة من خطورة على التنمية البشرية و على سلامة الشعوب وأمنها الغذائي، والمغرب ظل يحاول من أجل الإستجابة، ولو ظاهريا، لهذه الدعوة من خلال تأسيس هيئات ومجالس لهذا الغرض: الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ،هيئة دستورية مستقلة بمقتضى الفصل 159 من دستور 2011 الذي ينص بشكل عام على استقلالية الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة الواردة في الباب الثاني عشر ، ثم المجلس الأعلى للحسابات، الهيئة العليا لمراقبة المالية العمومية بالمملكة، ويضمن الدستور استقلاليته،حيث يمارس الحسابات المهمة وتدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية. ثم مجلس المنافسة؛ طبقا لأحكام الفصل 166 من الدستور،الذي يعتبر"مؤسسة مستقلة مكلفة، في إطار تنظيم المنافسة الحرة والعادلة، بضمان الشفافية والعدالة في العلاقات الاقتصادية والتنافسية”.
لكن في غياب إرادة سياسية حقيقية و حازمة للحد من مظاهر الفساد ونهب المال والرشوة جعلت تضاريس الخريطة السياسية و التشريعية والتنفيذية يطغى عليها لفساد؛ وهذه التضاريس التي تحمل ألوانا وأشكالا ورموزا مختلفة للأحزاب الأغلبية وأحزاب المعارضة الحكومية ،أي الجرار و السنبلة والميزان و النخلة والوردة و الفرس والكتاب … هي تضاريس تحول دون أي تقدم في اتجاه التنمية والعدالة الإجتماعية وبناء دولة الحق والقانون، لأن هذه التضاريس أصبحت في حاجة إلى زلزلتها حتى تخلو مسارات التنمية وسبل التقدم من وجودها. لأنها أصبحت متمكنة و متجذرة وغير قابلة للتجاوز، وأصبحت تلعب دورا أساسيا في حماية المصالح الشخصية واقتصاد الريع وحماية لوبيات الفساد بكل أشكاله وألوانه.
إن الخريطة السياسية و التشريعية والتنفيذية في بلادنا والتي تشكل مظاهر الفساد ونهب المال العام توضحها بالملموس حقائق وأرقام المتابعين في ملفات لها علاقة بالفساد ونهب المال العام و التزوير والغش و ترويج الممنوعات والمخدرات، ويبلغ حتى الآن عدد البرلمانيين بمجلس النواب ومستشارين جماعيين المتابعين و أمام القضاء 164 عضوا، ينتمون لأحزاب الإستقلال، التجمع الوطني للأحرار،الأصالة و المعاصرة،الإتحاد الدستوري،الحركة الشعبية،الإتحاد الإشتراكي،التقدم و الإشتراكية،
الحركة الديمقراطية الاجتماعية الاجتماعية. بالإضافة إلى رؤساء جماعات ترابية ومجالس إقليمية وجهوية لازالوا يحاكمون مما أدى إلى فشل أي مشروع تنموي، ولا القضاء على الفقر وعلى مظاهر التسول و الهجرة السرية و الجريمة المنظمة . إن هذه الخريطة هي التي أدت إلى نهب صناديق الدولة و نذكر منها الصندوق الوطني للتقاعد :حيث إن الأموال المنهوبة ولم يتم استرجاعها تقدر ب47.7 مليار درهم..
-التعاضدية العامة ،حيث حجم الأموال المنهوبة تقدر ب 117 مليار سنتيم ،و لم يتم استرجاعها.
- القرض العقاري والسياحي : يقدر حجم الأموال المنهوبة بحوالي 15 مليار درهم ، و لم تعد المؤسسات الدستورية قادرة علة على لعب دور الردع و إرجاع الأموال المنهوبة،
ونهب وتبديد 43 مليار دولار في البرنامج الإستعجالي للتربية والتكوين دون استرجاعها رغم نداءات المنظمات النقابية والحقوقية و الجمعية المغربية لحماية المال
العام ،ولم تعد مؤسسات الرقابة قادرة على لعب دور الردع و إرجاع الأموال المنهوبة،لأن هذه التضاريس التي تملأ الخريطة السياسية المغربية التشريعية منها والتنفيذية هي التي جعلت المغرب يحتل الرتب الدنيا في سلم التنمية البشرية وفي مقدمة الدولة ذات المديونية العالية .
فالمؤسسات التشريعية والحكومة التي تحمل نفس الألوان كانت سبب فشل البرنامج التنموي وأيضا سببا في خلق أزمة خانقة في التعليم ،لأنها اعتبرت هذا القطاع قطاعا ثانويا بالنسبة لبنية الدولة الحديثة وقطاعا غير منتج، فحولته الى قطاع ريعي وإلى قطاع يخضع لتوصيات صندوق النقد الدولي الذي أوصى الحكومة بالحد من الوظائف للتخفيف عن ميزانية الدولة، مما جعلها تختار التعليم لحل معضلتها وعجز ميزانيتها عبر التوظيف بالتعاقد في هذا القطاع على مستوى الأكاديميات،وهو ما شكل تعقيدات على مستوى المسارين التربوي/المهني و التكويني، وتريد الدولة بذلك تحقيق توازن على مستوى الخزينة العامة على حساب متطلبات قطاع التعليم من تكوين و تأطير و إدماج في السلك الوظيفي، ومراجعة سلم الترقي و التعويضات عن الأعمال الإضافية.
لقد كان التعليم ضحية الفساد و الريع ومجال الإغتناء غير المشروع ،فتبديد الملايير في برامج مستنسخة من الخارج في غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة، وجعل رجال التعليم يعيشون أزمة البنيات التحتية للمؤسسات و تعقيدات البرامج والمناهج التعليمية، التي يتم إسقاطها على الأستاذ والتلميذ لتحول فضاءهم التعليمي/ التربوي من فضاء منتج و فضاء لبناء المعرفة إلى فضاء معقد يسوده البؤس و اليأس والإرتباك بين مكوناته ( الاستاذ و التلميذ و الأسرة ). و تستمرالدولة في اغتيال المدرسة العمومية لإنعاش التعليم الخاص على حساب الهوية الوطنية وعلى حساب الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمغاربة.إنها سياسة ترمي إلى إتمام حلقة تخلص الدولة من الخدمات الإجتماعية التعليمية والصحية و الثقافية ،وتتحول إلى دولة أمنية بامتياز تشغل حارسا على الرساميل الأجنبية و على مصالح الطبقة الحاكمة..