يعتزم بنك المغرب المركزي إتمام إصلاح نظام سعر صرف عملته الدرهم بالاستعداد للمرحلة الثانية، والتي تتطلب فك الارتباط بعملتي الأورو والدولار خلال السنوات الخمس المقبلة، وفقاً للمخطط الاستراتيجي المصادق عليه من قِبل المجلس المركزي باجتماعه الأخير في دجنبر 2023.
كان المغرب بدأ تحرير سعر صرف الدرهم سنة 2018، باعتماد نطاق تقلُّب بنسبة 2.5 في المائة صعوداً وهبوطاً عوضاً عن 0.3 في المائة كما في السابق. وفي عام 2020، جرى توسيع هذا النطاق إلى حدود 5 في المائة مع الاستمرار في ربط الدرهم بسلّة عملات تضم الأورو بنسبة 60 في المائة والدولار بنسبة 40 في المائة.
يمتد المخطط الاستراتيجي للبنك المركزي للفترة ما بين 2024 و2028، ويتضمن 3 عناصر رئيسية، تشمل بالإضافة إلى تحرير سعر صرف العملة، إنهاء مشروع العملة الرقمية للبنك المركزي، ومشروع قانون يسمح بتداول الأصول المشفرة.
اختيار الظرفية المناسبة
واعتبر عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، في تصريحات إعلامية، "أن اختيار اللحظة المناسبة للانتقال إلى المرحلة الثانية من إصلاح سعر صرف الدرهم يمثل التحدي الأكبر خلال خمس سنوات المقبلة، مع التأكيد على أن هذه الخطوة تعني التخلي عن الارتباط بالأورو والدولار".
من جهته أوضح محمد جدري، خبير اقتصادي، قائلا: "أعتقد أن بنك المغرب يمشي بخطوات ثابتة نحو تحرير سعر صرف الدرهم بحيث سوف ننتقل من سعر صرف ثابت إلى تعويم كلي. لكن هذا التعويم الكلي سيمر من مراحل متعددة تبتغي تحقيق مجموعة من الشروط القبلية من بينها التوفر على احتياطي النقد الأجنبي لا يقل عن سنة من تغطية للواردات، تخفيض عجز الميزان التجاري يصل لتغطية الصادرات لحوالي 80% من واردات المملكة..جذب أكبر المستثمرين الأجانب، تقليص للفاتورة الطاقية عن طريق الاستثمار في الطاقات المتجددة..".
تعويم الدرهم: الإيجابيات والسلبيات
هذا الانتقال من نظام صرف ثابت إلى فك الارتباط بعملتي الأورو والدولار ، لابد أن تكون له آثار إيجابية و أخرى سلبية على الاقتصاد الوطني.
كما يعلم المتتبعون، دخل المغرب منذ سنوات خلت، في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل توفير خط ائتماني، تستفيد منه المملكة عند الحاجة. لكن هذه المفاوضات اصطدمت بشروط الصندوق والمتمثلة في رفع دعم صندوق المقاصة، إصلاح أنظمة التقاعد، خفض كتلة الأجور بالوظيفة العمومية وكذلك، تحرير سعر صرف الدرهم، وذلك استجابة لمطالب المستثمرين الأجانب الراغبين في التحكم في رساميلهم.
وأشار جدري أنه رغم كل ما قيل عن رضوخ بنك المغرب لإملاءات صندوق النقد الدولي، فإن ما يحسب له هو عزمه تطبيق نظام تعويم الدرهم عبر مرحلتين، مرحلة أولى، تبقي تحكم البنك المركزي في السعر الأدنى والأقصى للصرف، قبل المرور إلى مرحلة التعويم الكاملة و الخاضعة لمنطق السوق من خلال العرض والطلب.
تجدر الإشارة، أنه حسب تقديرات العديد من المحللين الاقتصاديين، فإنه من المرتقب أن يقفز سعر صرف الدرهم مقارنة بالدولار من 9.89 دراهم حاليا إلى 15 درهم عند التعويم الكلي.
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح اليوم، يتابع جدري، هو مدى تأثر الاقتصاد المغربي من هذا التحول النوعي في السياسة النقدية. هل ستكون له آثار إيجابية وأخرى سلبية.
الآثار الإيجابية:
مباشرة بعد إطلاق عملية التحرير، فإن أبرز المستفيدين منه هم مغاربة العالم، قطاع السياحة ثم المصدرون المغاربة.
1. مغاربة العالم: تكمن استفادة هذه الفئة، في ارتفاع قيمة تحويلاتهم نحو المغرب. على سبيل المثال، فالمهاجر الذي يرسل 1000 دولار لعائلته كل شهر، سوف تنتقل قيمتها بالدرهم من 10000 درهم حاليا إلى 15000 عند التحرير.
2. قطاع السياحة: هذا القطاع يمكنه كذلك من الاستفادة من تحرير الدرهم، حيث أنه على سبيل المثال، إذا كان أسبوع من العطلة يكلف السائح 1000 دولار حاليا، فإنه كلفة الأسبوع ستنتقل إلى 700 او 800 دولار بالنسبة للسائح..
3. قطاع الصادرات: كذلك، قطاع الصادرات، يمكنه الاستفادة من تحرير الدرهم. إذ أن المنتوجات المغربية سينخفض سعرها مقارنة بالعملات الأجنبية. وبالتالي، يمكنها أن ترفع من تنافسيتها في الأسواق العالمية.
الآثار السلبية:
يمكن تلخيص الآثار السلبية لتحرير سعر صرف الدرهم، في تضرر المستهلك الوطني للواردات، حيث أن كل المنتوجات المستوردة سيرتفع ثمنها بشكل جلي. هذا التأثير يمكننا أن نلاحظه في ارتفاع الفاتورة الطاقية، إذ أن المملكة تعتمد بشكل كبير على استيراد المواد البترولية من الخارج. كذلك يمكننا أن نلاحظ الأثر على الصناعات التحويلية التي تعتمد على استيراد موادها الأولية، كذلك، قطاع السيارات المستوردة سيعرف ارتفاعا كبيرا في أسعارها.
عند التوقف عند القراءة الاولية لآثار وعواقب تحرير سعر صرف الدرهم المفروضة من طرف صندوق النقد الدولي، يتخيل للبعض أنه فعلا هناك ايجابيات و سلبيات. في حين يتبين بالملموس أن كل الجوانب الإيجابية للتحرير سوف تختفي، لأن تنافسية القطاع السياحي، و قطاع الصادرات ستعود لسابق عهدها قبل التحرير.
وخلص جدري تصريحه بالقول، أنه لابد على الحكومة المغربية، أن تقوم بمجموعة من الإصلاحات المصاحبة للحد من أثار التعويم على المستهلك المغربي. إصلاحات تستهدف النظام الضريبي، تستهدف تشجيع الصادرات، تشجيع الاستثمار الأجنبي وإصلاح حقيقي لمنظومة العدل. وإلا فإن عواقب التحرير ستكون جد وخيمة، ولنا في النموذج المصري خير مثال.