كل ما يمكن معرفته عن الأمير محمد بن زايد آل نهيان

كل ما يمكن معرفته عن الأمير محمد بن زايد آل نهيان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان
لمن لا يعرف ما يكفي عن حياة أمير دولة الإمارات العربية المتحدة صاحب السمو محمد بن زايد آل نهيان، فقد تم مؤخراً نشر عمل حول هذا الموضوع. ومؤلف هذا الكتاب الهام، هو جمال سند السويدي، كاتب إماراتي مشهور وله سلسلة من المؤلفات في المجالين السياسي والجيوستراتيجي، كما تولى مسؤوليات متعددة بما في ذلك منصب وزير مستشار في مكتب الأمير. يكشف عنوان هذا الكتاب، الذي كان موضوع حفل التوقيع بمقر المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية خلال اليوم الثاني من هذا الشهر، عن مضونه: "صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إضاءات في مسيرة رجل الإنسانية". ومن ثمة فهو ليس مجرد سيرة ذاتية كرونولوجية بسيطة، بل هو تحليل دقيق للأحداث الرئيسية التي كان قائد الإمارات فاعلا رئيسيا فيها.
 
ويجب أن ندرك للوهلة الأولى أن المهمة ليست سهلة. إذ على الرغم من الاحتياطات المنهجية التي يمكن اتخاذها، إلا أننا لن نتمكن من التخلص من الذاتية نظرا للمكانة التي تشغلها الشخصية المعنية في الوعي الجمعي للناس والتفاعلات المتعددة بين الأمير ومحيطه. وبما أن كل إنسان هو ابن بيئته، لم يتوانى المؤلف عن تحليل هذه التفاعلات وتداعياتها بالتفصيل من خلال دراسة البيئة الطبيعية والاجتماعية التي ولد فيها الأمير مع التوقف على متانة الروابط الأسرية. وبطبيعة الحال، هناك ذكاء فطري موجود في الجينات، وذكاء مكتسب بالتكوين والخبرة. ولكي ترقى إلى رئاسة دولة كبيرة مثل الإمارات العربية المتحدة، والتي تحتل المرتبة العشرين على المستوى العالمي من حيث الناتج الداخلي الإجمالي، يتعين عليك الاستعداد بجدية و"العمل" بكد. ولم يكن رئيس دولة الإمارات استثناءً من القاعدة، فقد تابع التكوين في عدة مجالات وخاصة المجال العسكري، مع بقائه قريباً من الشعب والفئات المستضعفة.
 
وفي ممارسة صلاحياته، عمل الأمير على ترسيخ مفهومه الخاص للسلطة، والذي تم تحليله باستفاضة في الفصل الثاني تحت عنوان "فلسفة القوة". وهكذا يرى الأمير أن القوة ضرورية لحماية التنمية. ولكن يجب أيضا أن تسير جنبا إلى جنب مع العدالة. وهذا يتطلب تطوير التعليم والتكوين الجيد. وهو ما جعل جامعات الإمارات تصنف ضمن أفضل 10 جامعات في الوطن العربي وفي الثلث الأول ضمن أفضل 1000 جامعة على مستوى العالم. هذا هو سر النجاح: الاستثمار في الانسان.
 
أما الفصل الثالث فقد خصص للعمل السياسي الداخلي والخارجي. ففي الداخل، كان هناك إعلان الحرب على التطرف، الذي تمثله بشكل خاص جماعة الإخوان المسلمين، وعن بناء مجتمع التسامح. وفي هذا الصدد، يعد دور التعليم، مرة أخرى، أساسيًا في اعتبار العلم ثروة وحصنًا ضد الأفكار الظلامية. وهكذا شهدت الدولة، بقيادة صاحب السمو الأمير، ولادة "مجلس الإمارات للثورة الصناعية الرابعة"، فضلاً عن سلسلة من المعاهد العلمية ومراكز الأبحاث ذات الشهرة العالمية. وهو ما قاد الإمارات إلى نمو حقيقي وتحول اقتصادي يركز على التنويع القطاعي والاستثمار الضخم في الطاقات المتجددة والتكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي. لقد بدأت فترة ما بعد النفط بالفعل، وهو ما تأكدنا منه خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP28)) الذي تم تنظيمه في دبي في الفترة الممتدة من 30 نونبر إلى 12 دجنبر 2023.
 
وعلى مستوى السياسة الخارجية، اختارت الإمارات، تحت رعاية رئيسها، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام التزاماتها في الهيئات الإقليمية والدولية. وتقوم هذه السياسة الخارجية على الأسس التالية: تحقيق الأمن والاستقرار، وإحلال السلام، وتحقيق التنمية والتقدم، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وأخيرا التنسيق بين الدول الصديقة والشقيقة. وعلى هذا الأساس، تتم مراجعة العلاقات مع بعض الدول التي تندرج ضمن هذه الفئة. وهذا هو الحال بالنسبة للعلاقات الإماراتية المغربية التي تعتبر من الأفضل تاريخيا. وبالإشارة إلى أن المغرب كان من أوائل الدول التي اعترفت بدولة الإمارات العربية المتحدة، قدم المؤلف بعض المؤشرات الكمية والملموسة حول المبادلات الثنائية بين الشريكين.
 
وينتهي العمل، كما يشير العنوان، إلى القيم الإنسانية للأمير (أو إنسانية الأمير)، الذي يعتبر أيقونة العمل الإنساني سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الإقليمي والعالمي، وهذا في تناغم تام مع تقاليد البلاد ونهج أسلافه. إن العمل التطوعي والخيري جزء من ثوابت الإمارات. ويتم تنفيذ هذه الإجراءات في إطار تنمية وتطوير قيم التسامح والتعايش والحوار على مستوى الدولة وبين مختلف الأمم. وتحقيقا لهذه الغاية، تم إنشاء عدد من المؤسسات لتعزيز هذه القيم.
 
ومن خلال قراءة هذا العمل المؤلف من 270 صفحة، دون احتساب الملاحق، يمكن استنتاج بعض الدروس ذات الطابع العام: أولا، الثروة ليست مرادفا للتنمية والتقدم. إذ تتمتع العديد من البلدان بثروات هائلة، ولكن بسبب الافتقار إلى مشروع مجتمعي تعبوي وإرادة سياسية واضحة، فإنها تتخلف عن الركب وتصبح غير قادرة على الانطلاق. ثم أن التنمية لا تقتصر على تراكم رأس المال المادي. ولكن قبل كل شيء، فهي تنطوي على تغيير المجتمع من خلال الإصلاحات الهيكلية ورفع المستوى الفكري لدى المواطنين. وأخيرا، لا يمكن للتنمية إلا أن تكون شاملة، من خلال الاهتمام بكل المؤشرات بما في ذلك دمج عوامل غير اقتصادية مثل الثقافة بمعناها الواسع. باختصار، لن تتحقق التنمية إلا بتوافر شرطين: قيادة مستنيرة وشعب يقظ.
 
 
 
ترجمه للعربية عبد العزيز بودرة