نوفل البعمري: الجزائر، المحيط الأطلسي والخسارة الكبرى

نوفل البعمري: الجزائر، المحيط الأطلسي والخسارة الكبرى نوفل البعمري
لعل أبرز الأسئلة التي أثيرت عندما أعلن المغرب إطلاق مشروع ربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي وبوضع البنية التحتية المغربية من طرق وموانئ تحت تصرف هذه الدول، وهي الدول التي ستشهد انتعاشة كبرى من خلال تنفيذ هذا المشروع الذي يحظى برعاية ملكية خاصة، أسئلة من قبيل: ماذا لو وافقت الجزائر على يد المغرب الممدودة إليها؟!.
 
ماذا لو كان النظام الجزائري في مستوى اللحظة التي أراد الملك محمد السادس أن يضع فيها المنطقة ككل على رأسها العلاقة المغربية-الجزائرية؟ وهي لحظة كانت سياسية بامتياز، خاصة وأن العاهل المغربي ظل متشبثاً، لآخر لحظة، بأمل أن يتجاوز النظام الجزائري وقيادته السياسية والعسكرية عقد الماضي وأحقاده، والجلوس على طاولة النقاش والحوار حول مستقبل المنطقة والشعبين والدولتين..!!!.
 
لنتصور لو كان النظام الجزائري قد تخلى عن عقده واتجه نحو المغرب لطي صفحة الماضي، ألن يكون للدولة الجزائرية إمكانية التوفر على المنفذ الذي لطالما حلمت به نحو المحيط الأطلسي وبأسلوب مشروع وتحت تصفيقات العالم والشعبين، وليس بالأسلوب الذي اعتمده النظام الجزائري من خلال محاولة تجزئة المنطقة ودعم الانفصال والمليشيات المسلحة، وهو أسلوب لم يؤد إلاَّ إلى خسارة اقتصادية ومالية كبيرة للجزائر ضيعت معها فرصة تنمية هذا البلد وتوفير الأموال لصالح الداخل الجزائري، والتي تم صرفها لدعم مشروع انفصالي فاشل انتهى بتبني النظام الجزائري لتنظيم مليشياتي إرهابي، هذه الخسارة الاقتصادية تنضاف إليها خسارة سياسية مدوية تجلت في عزلة هذا النظام عن محيطه العربي والإقليمي ثم القاري، وهي عزلة كان يمكن تجاوزها بالانخراط مع المغرب في التوجه نحو المستقبل المشترك ومستقبل المنطقة على رأسها منطقة الساحل، التي يريد المغرب تحويلها من منطقة تهديد أمني إلى منطقة تنمية.
 
النظام الجزائري يثبت، مرة أخرى، أنه يتصرف بغباء سياسي واستراتيجي، من خلال تصلُّب مواقفه التي تنتمي إلى العهد البائد وإلى مرحلة الحرب الباردة، التي مازالت عقارب عقيدة هذا النظام واقفة عندها، ولم تستطع تجاوزها من خلال تقديم قراءة نقدية لتجربة هذا النظام السياسية، خاصة منها تلك التي تم توجيهها لدول الجوار، يكفي أن نلاحظ كيف انتهت العلاقة المالية-الجزائرية، التي تُلخص وضعية هذه الدولة في منطقة الساحل، خاصة في العلاقة مع تشاد وبوركينافاسو وباقي دول الساحل، بسبب تورط النظام الجزائري في دعم حركات انفصالية بالمنطقة، وتورط بعض عناصره مع التنظيمات الجهادية بذات المنطقة، التي يظل تنظيم البوليساريو نقطة ربط بينهما، مما أدى إلى فقدان النظام الجزائري كل إمكانية نحو أن يكون جزءاً من تنمية المنطقة والاستفادة من العبور الشرعي عبر الجنوب المغربي في اتجاه المحيط الأطلسي، مع الاستفادة من الإمكانيات التي وفرها المغرب لدول الجوار على رأسها مشروع أنبوب الغاز الذي سيربط نيجيريا بالمغرب.
 
لنعد إلى السؤال الذي طرحناه بداية، ماذا لو كان النظام الجزائري قد اختار أن يكون جزءاً من تاريخ المنطقة واقتصادها ومستقبلها السياسي، الذي يُحول المنطقة من منطقة تشكل عنصر تهديد أمني إلى نقطة تنموية يشكل الساحل فيها نقطة تلاقي كل اقتصادات المنطقة، وتحولها إلى تكتل اقتصادي ومالي يتوسط إفريقيا ويمتد نمو غربها وجنوبها ويربطها بالشمال والمحيط الأطلسي، للأسف الدولة الجزائرية اختارت برفضها يد المغرب الممدودة، أن تُضيع فرصة تاريخية على شعبها من أجل أن يكون جزءاً من هذا التكتل، وتختار أن يظل نظاما مغلقاً على نفسه، يشكل عنصر تهديد لدول الجوار، وأن تظل هذه الدولة ومعها نظامها معزولين ودون امتداد عربي ومتوسطي وإفريقي، يؤدي الشعب الجزائري ثمنه، للأسف.