بعد الأحداث الدامية التي عرفتها الدارالبيضاء ليلة 16 ماي 2003 وبالضبط في صيف هذه السنة انتبهت الحكومة للمشاكل المترتبة عن ظاهرة الباعة الجائلين في عدد من المدن المغربية سيما في الدارالبيضاء وخصصت لذلك 10 ملايير سنتيم لبناء الأسواق النموذجية، في إطار خطة استعجالية، كان أعلن عنها الوزير الأول السابق إدريس جطو.
انطلقت عملية الأسواق النموذجية في العديد من المقاطعات ما كان يوحي آنذاك بقرب نهاية مشكل احتلال الملك العمومي، وأن السرعة التي تسير بها أكبر مدينة بالمغرب في ملف استئصال الكارينات نفسها التي ستكون في قضية بناء الأسواق النموذجية وحل مشكل الاسواق العشوائية التي انتشرت بشكل كبير في العديد من المناطق البيضاوية.
غادر إدريس جطو المسؤولية الحكومية، لكن دون أن يعرف الملف أي تقدم. صحيح أنه تم بناء مجموعة من الأسواق في الحي الحسني عين الشق وسيدي البرنوصي.. لكن عدد الباعة الجائلين والأسواق النموذجية في تزايد لدرجة أنه أصبح من الصعب تحديد عدد هؤلاء الباعة، حيث كلما تم إحداث تجمع سكني جديد في المقاطعات المحيطة يتم بالموازاة تشكيل سوق عشوائي بالجوار.
فشلت الأسواق النموذجية في البيضاء في احتواء ظاهرة الباعة، بل إن بعض الأسواق أصبحت بدورها محطة بالأسواق العشوائية والسبب كما يقول بعض المتتبعين للشأن المحلي في الدارالبيضاء، أن هذه الأسواق استفاد منها أناس لا علاقة لهم بالتجارة كما أن عدد من الباعة رفضوا الانتقال إليها لعدة اعتبارات ومن بينها أنهم سيكون عليهم أداء واجبات شهرية بالإضافة أن الرواج داخل هذه الأسواق يكون قليلا مقارنة مع الأسواق العشوائية.
وباستثناء مقاطعة سيدي البرنوصي والتي عرفت نسينا نجاح هذه الخطوة، فإن الفشل كان هو سيد الموقف، في باقي المناطق، ما يطرح حاليا السؤال حول البديل الذي يمكن أن تقدمه السلطات العمومية للباعة بعد عملية تحرير الملك العمومي في الدارالبيضاء والتي يقودها الوالي امهيدية.
متتبعون للشأن المحلي يؤكدون أن قضية معالجة ظاهرة الباعة المتجولين تتطلب، في البداية، بذل مجهود كبير لاستئصال جذور هذه الظاهرة، معتبرا أن أي حل يغيب هذه المسألة يبقى غير ذي جدوى، مضيفين أن طيلة السنوات الماضية، كانت الفئات، التي ترتمي في أحضان الأسواق العشوائية من الأشخاص النازحين من البوادي والقرى، التي قهرتها سنوات الجفاف، والتي تبحث عن حياة أفضل في الحواضر الكبرى، لكن، في الآونة الأخيرة، أصبح العديد من الشباب الحاصل على الشهادات العليا يلجأ إلى الأسواق العشوائية، من أجل كسب القوت اليومي، ومطاردة شبح البطالة. وأنه يجب على جميع الجهات المعنية ( ولاية الدارالبيضاء، مجلس المدينة المجتمع المدني) التنسيق فيما بينها قصد التفكير في طرق لوضع حد لظاهرة انتشار الباعة المتجولين، وإلا يبقى هذا الأمر مقتصرا على جهة دون أخرى، لأن ذلك لن يساعد في البلوغ إلى الهدف المنشود".
فشل الأسواق النموذجية جعل بعض المقاطعات في مدينة الدارالبيضاء (اسباتة وعين الشق) تتبنى فكرة جديدة لاحتواء ظاهرة الباعة والحد من الأسواق العشوائية وهي الاستعانة بجدران المدارس العمومية، حيث تم إنجاز محلات تجارية لبائعي الخضر والفواكه والملابس مقابل مبلغ يؤديه المستفدين، وهي العملية وإن كانت لقيت استحسانا من قبل بعض الباعة لأنها ستسهم في تنظيمهم، إلا أن فئة أخرى أكدت أن عملية الاستعانة بجدران المدارس لن تفي بالغرض المطلوب، لأنه لا يمكن احتواء كل الباعة في مثل هذه المبادرة التي تشوه المنظر العام لتلك المدارس، مؤكدين أن الحل هو تحديد سقف زمني لعملية البيع في الأسواق العشوائية تحافظ على مصدر رزق الباعة الذين لا يمكن استئصالهم بجرة قلم، لأنه من أبناء هذا الوطن ولابد من استحضار البعد الاجتماعي في كل عملية تهدف إلى تحرير الملك العمومي.
ويؤكد بعض العارفين بما يجري في البيضاء أن أي حل لا يستحضر البعد التشاركي في عملية تحرير الملك العمومي بالبيضاء مصيره الفشل و الدليل هو ما حدث في قضية الأسواق النموذجية و جدران المدارس. فما هي الخطة البديلة لسلطات بالبيضاء بعد تحرير الملك العمومي؟ أم سيتم الاكتفاء فقد بلعبة "المش والفار" بين السلطات والباعة.