فإخضاع العقل للنقد هي عملية أولية إن لم تكن أولى اللبنات الأساسية في خضم أي مشروع نهضوي .
فالنهضة كمشروع بناء أو إعادة بناء لايمكن وضع هيكلها ورسم خريطتها دون دعامة عقل ناهض قوامه مراجعة شاملة لآيات ومفاهيم ذات العقل وتبيان تصوراته ومجمل الرؤى التي تعتبر قوام العقل .
ولعل مراحل النهضة العربية أو بالأحرى المحاولات النهضوية المتعددة التي شهدها العالم العربي والإسلامي كانت مبتورة من أهم حلقة ألا وهي التركيز على بناء العقل العربي كأولوية ، الشيء الذي أفضى حتما و واقعا وحياة إلى مراوحة مربع التكلس والإلتصاق داخل دائرة التبعية وهلم جرى من تداعيات الرجعية والإنطواء والتقهقر ، وإن لاحت بعض تمظهرات النمو والحداثة إنما ظرفية أو مناسباتية ليبقى العقل العربي حبيس الرافد الديني لكن بفدلكة غاية في الهندسة والإنتقائية المقيتة وتلكم نتيجتها تعثر مستمر ولصيق ويظل السؤال الأبدي السرمدي :
لماذا لم تنجح كل المحاولات لنفض غبار التقهقر ونزع جلباب التخلف عن العرب وبلاد الإسلام ؟
الجواب كامن في ثنايا الفلسفة المغيبة .
لإن الفلسفة هي روح الوجود و لاتقبل القيود والجاهز من العروض ،
الفلسفة تفسح مساحة واسعة لكل السؤال وفي كل مجال
هي عنوان الديمقراطية إن لم تكن هي الديمقراطية نفسها
تبوئك مكانة طيط آ طيط مع أي كان و مهما كان لطرح السؤال وفتح النقاش النقدي والمحاججة النقدية .
الفلسفة لا تجعلك "قبولي"
الفلسفة لاتدعك "لي عطاااوها ليك تمضغها ، الفلسفة لاتسمح لك ب "السريط و بس "
متى تعطى للفلسفة حقها ؟
فاستخدام الدين أو شي حاجااا من الدين إنما لغاية في نفس من يضايقهم الفكر الفلسفي .
وتصدير المعلبات من القوانين كما استيراد توصيات وفرض استهلاكها جبرا إنما عنوان عريض على أن الشعوب ليست أفضل حضا من قطيع وفي أفضل الأحوال والحالة هاته أنهم قاصرون والوصاية واجب عليهم مادام الرشد زمنيا بعيدون عنه .
الإنسان ليس ملزما بالخضوع المطلق للمؤسسات وإن كانت المؤسسات ضرورة لكن من أجل النظام والتنظيم لكل مناحي الحياة في إطار احترام بني البشر ودورها إنما تطوع من أجل خدمة الإنسان مادام المنطق يسود والعقل بالغ ليكون التناغم والسلاسة في العلاقات والعيش الكريم في رفاه وأمان .
لأن سيادة المنطق والفلسفة بإعمال العقل سنكتشف الحقيقة وقد تكون حقيقة مطلقة التي تفضي لماهية الوجود والغاية من الوجود ونتلمس جائزة حضورنا في ملعب الحياة الفسيح .
نعم ، سيدرك الإنسان بفضل تفتق العقل إنما وجوده من أجل الخير وكل الخير .
وإن عرجنا على قوله تعالى "وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدوني" فالعبادة هنا هي كل فعل خير و قول الخير وليست كما هو مشاع مجموعة من الأوامر التي لاترد وموانع لا يجوز اقتحامها .
ولعل ابن طفيل في رواية "حي ابن يقضان " قد وقف على أن العقل المجرد والعقل الذي لم يتشبع لا بنظريات مسبقة ولم يغترف من دين قد يتوصل إلى حقيقة الوجود وإتبات وجود الخالق من تلقاء نفسه بفضل ملكة التخيل والتفكير و ما يتميز به العقل من تمييز وتحليل ومقارنة وقياس ومعالجة لشتى الإنفعالات والمشاعر كخطوط إنتاج يتميز بها العقل البشري للوصول إلى قاعة تعليب الأفعال وجهوزية المواقف وتكون حائزة تلكم المنتجات على علامة الجودة التي اعتمدتها منظومة العقل عبر السلسلة الإنتاجية وهي منشأة فعالة من حيث الرقابة واعتماد آليات عديدة غاية في التدقيق والتمحيص ...
إن العقل السليم لايقبل إلا بالسليم
إن العقل عصامي ولايقبل بالمنزل جبرا ولا بالممنوح رشوة .
هل تعود الروح للفلسفة لينهض العقل المكبل بقيود الظلام وحبال الأغنام ؟