دخلت الحركة الاحتجاجية التعليمية شهرها الثالث بدون انبثاق معالم الحل الشامل في الأفق، الأمر الذي خلق حالة غير مسبوقة من التوجس ومن الاضطراب ومن القلق بالنسبة لجميع الأطراف. وازداد الأمر سوءا مع عزوف الفاعلين في الميدان، من تنسيقيات ونقابات، عن اكتساب الجرأة لتقديم تقييم حقيقي لحصيلة المعركة بما فيها تلك المرتبطة بالأخطاء المرتكبة في إدارة الصراع. ونظرا لأهمية المكتسبات التي حققتها شغيلة التعليم منذ اتفاق 10 دجنبر الأخير وما تلاه من تطورات، ونظرا لتزايد حدة وقع آثار الإضراب على هيئة التدريس والتلاميذ والأولياء، نقترح التعجيل باتخاذ الخطوات التالية:
1ـ تحصين المكتسبات التي تم انتزاعها بموجب اتفاق 10 دجنبر وتعزيزها، وبلورة ملف مطلبي غير خاضع لضغط المصالح الفئوية ولمنطلقات فعل التأزيم.
2ـ إنجاز تقييم حقيقي لحصيلة المعركة الحالية منذ انطلاقها يوم 5 أكتوبر الماضي وإلى يومنا هذا، مع اكتساب كل عناصر الجرأة لتقديم النقد الذاتي والاعتراف بالأخطاء المرتكبة بخصوص تدبير المعركة من طرف الجميع، نقابات وتنسيقيات ومهنيين وهيئات حكومية...
3ـ التأسيس لقواعد الاختلاف عبر تكريس ثقافة القبول بوجهات النظر المخالفة، سواء بالنسبة للوزارة الوصية أم بالنسبة لزملاء المهنة، عبر الابتعاد عن أساليب الإشاعة والنميمة والسب والقذف والتخوين وشيطنة "الآخر". فلا أحد منا مسؤول أو وصي على مواقف الآخرين ولا عن سلوكاتهم.
4ـ الإسراع بتحويل التنسيقيات إلى إطارات نقابية، شرعية، مسؤولة أمام قواعدها وأمام الدولة، تشتغل في إطار المرجعيات القانونية المؤطرة للحريات العامة ببلادنا.
5ـ وضع ميثاق شرف يعيد رسم ضوابط العمل النقابي الراشد، الملتزم بالقضايا العادلة، المستقل عن الدولة وعن التنظيمات السياسية وعن قوى التدافع المجتمعي وعن يوطوبيات الخطاب الشعبوي.
6ـ الالتحاق بالأقسام واستئناف العمل الكفيل بإنقاذ الموسم الدراسي الحالي، في أفق تحويل فعل الإضراب إلى حركة احتجاجية مواطِنة، من دون أن يعني ذلك-أبدا- التخلي عن المطالب المشروعة، في مقابل الابتعاد عن الشروط التعجيزية التي اختزلتها بعض شعارات المرحلة.
هذه وجهة نظر متواضعة، ارتأيت تقاسمها مع زملائي داخل المؤسسة التي أشتغل فيها بعد أن استحال علي تعميمها جهويا ووطنيا، بالنظر لهستيريا تجربة سابقة ارتبطت بإقدامي على التعبير عن رأي بسيط بخصوص المعركة الحالية، وما تبعها من موجة للسب وللإهانة حيث غابت أبجديات الحوار والاختلاف، وحضر أسلوب التراشق الساقط الذي لا يُشرف أسرة التربية والتعليم.
سيُقال إن الطرف الحكومي لا يفي بالتزاماته ويتنكر لوعوده، ومع ذلك، لا خيار لنا غير الحوار المتوازن الذي نسعى من خلاله إلى تحصين المكتسبات أولا، وإلى إبداع أنماط جديدة للاحتجاج ثانيا، ثم إلى تطوير أدائنا المهني على مستوى مسؤولياتنا المباشرة الكفيلة بتعزيز الثقة في المدرسة العمومية من خلال الصورة التي يمكن أن نُقدمها عن أنفسنا أمام المجتمع ثالثا.