كانت النشرات، التي تزامن بثها مع اجتماع آخر من اجتماعات جولات الحوار بين الوزارة والنقابات، وهي تذيع أخبارها وربورتاجاتها من مدن مختلفة، كمن يزف خبرا سارا للمغاربة.
لا أخفي أنني سررتُ بما أخبرتنا به وسائل إعلامنا العمومي، وقلت: وأخيرا سيعود التلامذة إلى الدراسة وسيعيدون الحياة إلى قاعات الدرس بمدارسنا وثانوياتنا.
لقد أصبحت العودة إلى الدراسة بمثابة حدث وطني كبير. فعودة الحياة إلى المؤسسات التعليمية لا تقل شأنا عن عودة الحياة إلى المجتمع برمته. واستئناف الدراسة، الآن وليس بعد الآن، قد يكون بإمكانه أن يحد من آثار الزلزال العنيف وغير المسبوق الذي ضرب هذه السنة الدراسية. أقول هذا، وإن كنت أعلم أن مهمة استدراك ما ضاع من الزمن المدرسي (أكثر من ثلث السنة الدراسية) أمرا صعبا، ويتطلب مجهودات كبرى ومكلفة على مختلف المستويات، بشريا ولوجيستيكيا وذهنيا ونفسيا، وعلى مختلف الأصعدة، سواء على صعيد الوزارة وإداراتها، أو على صعيد الطاقم التربوي والتعليمي بالأكاديميات والنيابات، أو على صعيد التلامذة وأسرهم...
لكن المفاجأة كانت صباح هذا اليوم، حين صادفت، في حدود الساعة العاشرة بقلب مدينة الدار البيضاء، مجموعة من التلاميذ يحملون محافظهم، ويمشون على رصيف شارع ابن تاشفين. ظننت أنهم عائدون من حصة من حصص هذا الصباح، فأردت أن أسألهم عن ظروف استئناف الدراسة وعما يشعرون به بعد العودة المتأخرة إلى فصولهم. لكنهم خيبوا انتظاراتي، حين ردوا علي بصوت جماعي: (ما قريناش.. مازال كاين الإضراب).
نحن الآن في نهاية شهر دجنبر؛ أي على مشارف نهاية الشهر الرابع من السنة الدراسية التي يُفترض أنها تنطلق في بداية شهر شتنبر، ولم تنجح الوزارة في توقيف حالة الاحتقان التي تسببت فيها، ولم تنجح في احتواء هذه الأزمة وإقناع الأساتذة باستئناف الدراسة لاستدراك ما يمكن استدراكه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
نعم، وزارة التربية الوطنية تتحمل المسؤولية الجسيمة في ما وقع؛ فهي المسؤولة عن تدبير قطاع التربية والتعليم، ومن مسؤولياتها تدبير الأزمات التي قد تباغتها. والحال أنها هي التي تسببت في هذه الأزمة، ولم تنجح في معالجتها بالشكل والتوقيت المطلوبين. وكانت النتيجة الكارثية: ضياع زمن مدرسي لم يسبق أن ضاع في مختلف الأزمات الاجتماعية التي شهدها المغرب، وفي مختلف الإضرابات التي خاضها رجال ونساء التعليم، قطاعيا أو وطنيا.
يجب أن يتم الإقرار بمسؤولية الوزارة في ما وقع. فلا يمكن أن يمر ما وقع كما لو أنه لم يقع. ويجب، بعد ذلك، ألا نقف عند حدود الإقرار بالمسؤولية، بل لا بد أن تعقبه المحاسبة، في إطار إعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فما وقع يفرض دفع الحساب.
لقد اتخذ الوزير شكيب بنموسى قرارات وأقدم على إجراءات كانت سببا في الإضراب الذي حرم أكثر من سبعة ملايين مغربي من الدراسة لأكثر من ثلاثة أشهر. وهذا التوقف عن الدراسة كلف وسيكلف الدولة والمجتمع خسائر جسيمة تتجاوز ما هو مالي واقتصادي إلى ما هو اجتماعي ونفسي، وستنجم عنه بالتأكيد آثار وخيمة على المسار التعليمي للتلاميذ.
يجب أن تقر الدولة بأن الوزير شكيب بنموسى فشل في تدبير قطاع التربية والتعليم. ولا يحتاج أي أحد إلى دليل. فدليل فشله دخل بيوت جميع الأسر منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر. إن ضياع أكثر من ثلاثة أشهر من الزمن الدراسي أسطع دليل على هذا الفشل المدوي الذي لم يسبقه إليه وزير آخر. ولا يعقل أن يستمر هو وفريقه في الوزارة في عقد الاجتماعات والإدلاء بتصريحات عن "حوارات" لم تنفع في عودة الحياة إلى المؤسسات التعليمية.
إن أقل ما يمكن أن يقوم به السيد بنموسى، في إطار دفع الحساب سياسيا وأخلاقيا، هو تقديم استقالته. سيكون من العبث أن يستمر على رأس قطاع التربية والتعليم وزير تسبب في إهدار أكثر من ثلث الزمن المدرسي في بلد لا يعيش حربا، ولا يواجه كارثة طبيعة على امتداد ترابه، ولا ينتشر فيه وباء يشل الحركة والتنقل...
وحتى إن أسفرت جولات الحوار الجارية عن عودة الأساتذة إلى أقسامهم اليوم أو غدا أو بعد غد، وحتى بعد توقيع "محضر اتفاق" بين اللجنة الثلاثية الوزارية وممثلي النقابات مساء اليوم، فإن السيد شكيب بنموسى أعطى الدليل الملموس على أنه لا يصلح لتدبير قطاع التربية والتعليم، ولم يعد أمامه إلا خياران اثنان لا ثالث لهما: إما الاستقالة وإما الإقالة.
قد يصلح وزير الداخلية الأسبق، ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والسفير السابق، ورئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، لمهام أخرى أو مسؤوليات أخرى، لكنه أبان عن أنه لا يصلح للتعليم. لقد كشف بالملموس أن التعليم أكبر منه وأكبر من مؤهلاته التي أهلته إلى تلك المسؤوليات والمهام. وهذا ليس عيبا؛ فقد يمتلك شخص ما مؤهلات تجعله يصلح لمسؤولية ولا يصلح لأخرى، وينفع لمهمة ولا ينفع لأخرى. وهذه هي سنة الحياة.