بدعوة من ملتقى الثقافة العربية في دورته السابعة، رحلت إلى خريبكة لإلقاء محاضرة وتسلم درع هذه الدورة... دورة الصحافي محمد الصديق معنينو... في المكتبة الوسائطية التأم جمهور غفير للاستماع إلى محاضرتي حول المسيرة الخضراء وأسلوب إعدادها وسر نجاحها، فوجئت وأنا في مدينة الفوسفاط بالمستوى الرفيع للثقافة في بيئة لا تخفي احتجاجها على قلة العناية بها والاستفادة مما يستخرج من أحشائها.
عمارات فارغة
المكتبة الوسائطية التي شيدها المكتب الشريف للفوسفاط، بناية ضخمة هندستها حديثة وتضم حوالي خمس وأربعين ألف كتابا ولها عدة قاعات للورشات المتنوعة وكذا للعروض... عندما تغادرها تجد نفسك في شوارع مدينة كثيرة البناء قليلة السكان... ربما هي المدينة الوحيدة التي توجد بها عمارات فارغة بناها أو اشتراها المهاجرون وعادوا إلى بلاد الغربة في انتظار المعاش.
حراك شعبي
أكدت لي رئيسة الملتقى السيدة ياسمين الحاج.. بأن المدخول المالي الأساسي للسكان يأتي من المهاجرين وخاصة من إيطاليا.... وأكد لي أحد الأساتذة بأن حراكا شعبيا كبيرا انطلق في خريبكة، في أول سنة 2011 للمطالبة بالشغل، وأن المظاهرات التي خاضها شباب المدينة تحولت إلى مواجهات عنيفة».. وأضافت سيدة أنيقة.. «الربيع العربي كاد أن ينطلق في خريبكة قبل تونس مدينتنا فيها بين مقهى ومقهى مقهى إضافية......
في جولة ليلية في شوارع خريبكة لاحظت وجود نافورات وأشجار ومساجد بدون حساب... وصومعة من ثمانية أضلع. قال مرافقي... المنازل التي ترى شيدت لصالح أطر الفوسفاط في القرن الماضي وهذه هي المساكن المتواضعة للعمال، وتسمى «البيوت.... هؤلاء هم الضحايا الأوائل لعمل مضن في الأنفاق لاستخراج الفوسفاط ... معاشهم هزيل وأسنانهم مسودة وحياتهم مطبوعة بالمرض.
مدرسة عجيبة
صبيحة يوم الثاني زرت مدرسة عجيبة توجد إلى جانب المكتبة الوسائطية ... سألت عن تسميتها فقيل لي 13-37 وأكد لي مديرها بأن عدد التلاميذ يبلغ ألف باحث... وأنها تابعة لجامعة محمد السادس يوجد لها فرعان في بن جرير وتطوان... يسهر المكتب الشريف للفوسفاط الذي شيدها، على تحمل تكاليف تدبيرها فيما يتولى ميناء طنجة المتوسطي تدبير شؤون مثيلتها في تطوان......
بدون أساتذة
الغريب في الأمر أن هذه المدرسة» يمكن لأي شخص دخولها بدون دبلوم وبدون امتحان وبدون اعتبار للسن أو الجنس أو المستوى الثقافي... لا يوجد بهذه المدرسة «أساتذة أو برنامج عمل أو ساعة دخول وخروج... ولا يوجد مراقبون أو مفتشون أو ملكفون بالمراجعة والدعم.... هذه المدرسة هي الوحيدة في القارة الإفريقية... على أنها توفر الأكل والنقل لكل التلاميذ، وتقدم لهم منحة شهرية دعما لإيجاد سكن في المدينة بينما يستمر بناء مساكن للتلاميذ ومتحف وطني ضخم.....
ليلا ونهارا
المدرسة، التي زارها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن مفتوحة أمام «التلاميذ/ الباحثين طيلة النهار وطيلة الليل، كل يوم بدون انقطاع، وأغلب التلاميذ يشتغلون بها ليلا حيث يجدون في ذلك راحة وإلهاما. والسؤال ماذا يفعلون؟ والجوانب هو أنهم يشتغلون على اقتصاد المعرفة والابتكار التكنولوجي... يطورون البحث ويتبادلون المعلومات مع شبكة مشابهة عالمية... كل طالب له شاشة كبيرة وإمكانات للاتصال مع أقرانه في أوروبا وأمريكا... يتعاون مع رفاقه دون أن يعرفهم شخصيا... يقضي التلميذ ثلاث سنوات بحثا عن ابتكار يتطلب عملا متواصلا وقدرة هائلة... والمفاجأة هي أن كل الخريجين يحصلون بسرعة على عمل في إحدى أكبر الشركات... رغم أن المدرسة لا تمنح لهم دبلوم التخرج....