لم يمر على افتتاح قنطرة خليج cocody بأبيدجان إلا بضعة أسابيع، حتى أضحت تعج بالزائرين ليس للعبور والتنقل بين ضفتي بحيرة ébrié بأحياء "بلاطو أو ريفييرا" فقط، بل تعج بمختلف فئات سكان المدينة لالتقاط صورة مع هذه المنشأة الهندسية والفنية الجميلة.
فالقناطر إن كانت مجرد خرسانة وإسمنت مسلح صامت، فإن قنطرة بحيرة ébrié بخليج cocody تعد كائنا حيا يخاطب المدينة ويلتقط نبض السكان وينصت لهمومهم.
فأبيدجان كانت إلى عهد قريب تلقب بالحاضنة لجوهرة البحيرات، بالنظر إلى أن بحيرة ébrié بأبيدجان هي أكبر بحيرة بغرب إفريقيا ومساحتها شاسعة جدا تمتد على 120.000 هكتار (للمقارنة، مساحة غابة المعمورة: 100.000 هكتار). هذا الامتداد الشاسع للبحيرة، جعل الخبراء ينعتونها ب"البحر الصغير"( mini mer)، خاصة وأنها مرتبطة بالمحيط الأطلسي عند خليج غينيا عبر قناة أحدثها الفرنسيون عام 1951 تسمى قناة vridi.
هذا "البحر الصغير" كان مصدر رزق للصيادين المنتمين لأربع إثنيات مجاورة لبحيرة ébrié. لكن بسبب التمدن الرهيب الذي عرفته أبيدجان منذ استقلالها عام 1960 ( تضم المدينة ربع ساكنة الكوت ديفوار)، والدينامية الصناعية والتجارية التي رافق هذا الطفرة العمرانية، تحولت بحيرة ébrié من "جوهرة" إلى جنة مفقودة. فالنفايات الصلبة وكميات البلاستيك ظلت تتراكم بالبحيرة على مر السنين وقنوات المياه العادمة من الجماعات المحيطة (youpougon,plateau,adjamé,riviera)، ظلت تتقيأ المياه الملوثة لدرجة أن الروائح الكريهة ومنظر الأزبال التي تطفو على سطح الماء بالبحيرة أصبحت مقززة، كما أن الصيادين بدل أن تصطاد شباكهم أسماكا، بدأت تصطاد "لافيراي" وبقايا الخردة المرمية بالبحيرة.
الوضع ازداد سوءا مع أزمة خلافة الرئيس هوفويت بوانيي ( مات عام 1993)، وما نجم عن ذلك من انحباس العملية السياسية بالبلاد لمدة 7 سنوات، تلتها عشرية الحرب الأهلية( 2001\2010). ولما استعادت الكوت ديفوار عافيتها وتصالح مكوناتها الإثنية والحزبية وانطلاق المسلس السياسي بانتخاب وإعادة انتخاب الحسن واتارا، انتبهت السلطات الإيفوارية إلى أن الإرث البيئي فظيع ببحيرة ébrie، وبأن الحمل ثقيل لتنظيف البحيرة وتأهيلها لإعادة التوهج لها.
في هذا السياق كان الملك محمد السادس يترافع من أجل إنصاف إفريقيا، ويمد يد المغرب لدول الجنوب"ليثق الجنوب بالجنوب" و"لتثق إفريقيا بإفريقيا". التقط الرئيس الإيفواري الحسن واتار، "الميساج". وطلب مساعدة المغرب لرفع التحدي ببحيرة ébrié، علما أن الرئيس واتارا كان من أشد المعجبين بتجربة المغرب في محاربة التلوث ببحيرة مارتشيكا بالناظور، التي لم تسترجع ألقها وبهائها فحسب، بل وكانت فأل خير لإعادة تأهيل محيط الناظور ككل وتمكين المدينة من مشاريع مهيكلة عادت بالخير ليس على الناظور فحسب بل وعلى المغرب ككل.
المغرب رد التحية بأحسن منها، وتنقل الملك محمد السادس شخصيا إلى أبيدجان عام 2015 ليشرف على توقيع اتفاقية محاربة التلوث ببحيرة ébrié، إلى جانب الرئيس الإيفواري الحسن واتارا، وهي الاتفاقية التي عهد بتنفيذها لوكالة بحيرة مارتشيكا بغلاف فاق 220 مليون دولار.
المشروع تضمن عدة أشطر موزعة على: تتبيث جنبات البحيرة وردم حواشيها لربح مساحات لإنجاز فنادق ومطاعم ومارينا، وكذا إنجاز منتزه وشوراع جانبية، تم وهذا هو الأهم ربط ضفتي البحيرة بقنطرة من نوع pont à hauban بطول 1630( وهي أول قنطرة من هذا الحجم بالبلاد)، ومنذ تدشين الرئيس الحسن واتارا لقنطرة خليج cocody يوم 12 غشت 2023 بحضور عبد المالك الكتاني، سفير المفرب بأبيدجان، وبحضور أطر ومهندسو وكالة مارتشيكا كذلك، و50 ألف سائق إيفواري يعبرون يوميا هذا القنطرة شاكرين المغرب وملك المغرب على هذا الورش الذي سيسمح لأبيدجان باستعادة مكانتها كأهم ميتروبول في الحوض الغربي بإفريقيا.
وإذا تغلبت سلطات الكوت ديفوار ووكالة مارتشيكا على العائق الذي مازال قائما، المتمثل في إيجاد حل لرمي النفايات العادمة في البحيرة وتأمين التمويل اللازم لذلك، فإن أبيدجان لن تكون فقط هي " مانهاتن الصغرى" بغرب إفريقيا "little manhattan"، بل ستستعيد جنتها المفقودة في بحيرة ébrié.