يرى محمد أحداف، أستاذ بجامعة المولى إسماعيل المتخصص في السياسة الجنائية، أن استعمال الرصاص ضد المشرملين، من طرف رجال الأمن ظاهرة جديدة، يجب أن ننكب عليها من أجل فهم خلفياتها ودوافعها وأسبابها. ويتوقع الباحث أن هذه الظاهرة ستستمر في الازدياد وأن منسوب عدم الامتثال والتمرد ومواجهة رجال الأمن من المتوقع أن ترتفع في السنوات القادمة مالم تتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة.....
ما هي دلالات استعمال العناصر الأمنية للأسلحة الوظيفية بشكل متكرر في مختلف مناطق المملكة؟
هناك دلالات متعددة، أولا، يجب تسجيل ملاحظة ترتبط بانعدام هذه الظاهرة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ويمكن التأكيد على أن هذه الظاهرة مستجدة في المجتمع المغربي، حيث لم يكن مألوفا رؤية مواطن يواجه رجال الأمن، إما أثناء تفتيشه أو أثناء التأكد من هويته وإيقافه بسبب ارتكابه أفعالا معاقب عنها من طرف القانون، أو بكونه مطلوبا من طرف العدالة. وبالتالي فاستعمال الرصاص ظاهرة جديدة، يجب أن ننكب عليها من أجل فهم خلفياتها ودوافعها وأسبابها. الملاحظة الثانية تتصل بهذه الظاهرة، بحيث أنه إذا تم إحصاء أكثر من 18 مرة استعمال الأسلحة النارية خلال خمسة أشهر، مع تسجيل أن هذه الظاهرة عرفتها أكثر من 12 مدينة مغربية، فهذا يؤكد أمران: الأمر الأول هو تنامي وتصاعد نسبة التمرد وعدم الإمتثال للأجهزة الأمنية ولعناصرها، أثناء عمليات إنفاذ القانون، ومن جهة ثانية أن هذه الظاهرة لا تقتصر على مجال جغرافي ضيق بل هي ظاهرة تعرفها كل مدن المملكة.
فمن منظوري الخاص أتوقع على أن هذه الظاهرة ستستمر في الازدياد، وأن منسوب عدم الامتثال والتمرد ومواجهة رجال الأمن، وتعريضهم للاعتداءات بالأسلحة البيضاء، واستعمال الكلاب المهجنة الخطيرة، هي ظاهرة سوف ترتفع في السنوات القادمة، مالم تتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة، ولاسيما ضرورة تغيير المقاربات في تعاطينا مع هذه الظاهرة من جهة، وأيضا إعادة النظر في الإطار القانوني الذي يكفل حماية رجال الأمن، أثناء تدخلاتهم بحيث يكونون ملزمين ومجبرين على مواجهة هذه الأخطار، باستعمال أسلحتهم بطريقة أو بأخرى، وبالتالي من زاوية جنائية شرعية قانونية، نحن نقول (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
وما رأي الفقه في هذا الباب؟
الفقهاء متفقون على أنه إذا كان إنفاذ القانون يتطلب استعمال السلاح الناري فإن استعماله يعتبر واجبا، ولا مجال لمساءلة عناصر الأمن وترهيبهم بمناسبة الدفاع عن أنفسهم من جهة وسلامتهم البدنية، ومن جهة أخرى الدفاع على هيبة الدولة وعن هيبة القانون. فالمقاربة التي تستعمل الآن يجب أن يعاد فيها النظر بما يكفل ضمان إطار يحمي بطريقة اكثر فاعلية ونجاعة رجال الأمن ولا يتم ترهيبهم وإخضاعهم للمسائلة بسبب تدخلاتهم الأمنية. إذن فإن هذه الظاهرة ستزداد ما لم يتم تغيير المقاربات والانكباب على الأسباب والدوافع، وتغيير الإطار القانوني في عدد من الأمور. من ضمن الأسباب هو استهلاك المخدرات القوية والكيماوية، وتنامي ظاهرة حيازة الأسلحة البيضاء في صفوف الشباب المغربي، بالإضافة لتنامي الإحساس لدى هؤلاء الجانحين والمجرمين، بانعدام صرامة القانون وبضعف وظيفة النظام العقابي وعدم خطورة العقوبات التي يواجهون بها بعد إيقافهم ، وعرضهم على العدالة، بحيث في معظم الأحيان تكون العقوبات ضبطية ولا تتعدى بضعة أشهر في أحسن الأحوال، إذا كانت العقوبة سالبة للحرية. إذن هناك إحساس بأن النظام العقابي في جانبهم، وأن ما ينتظرهم ليس سيئا بالقدر الذي يتصوره المواطن العادي. تنامي هذا الإحساس وضعف العقوبات يغري شبابا آخرين لدخول في تجربة تحدي رجال الأمن. نسجل أن ظاهرة تنامي المخدرات التي تعتبر دافعا أساسيا لمواجهة رجال الأمن، لأن من يواجه رجال إنفاذ القانون يكون في حالة تخدير متقدمة للغاية، يعززها الإحساس بضعف العقوبات وانعدام الردع بالقدر المطلوب، بما يتلاءم بين خطورة الأفعال المرتكبة والعقوبة المنطوق بها من طرف العدالة الجنائية، وأيضا تنامي الإحساس بعدم الخوف مطلقا من الأجهزة الأمنية.
يلاحظ أن غالبية الجانحين لا يتعدى سنهم 35 سنة ، فضلا عن كونهم من ذوي السوابق القضائية، ما قراءتك لهذا المعطى؟
قراءتي لهذا المعطى يمكن أن تأخذ أبعادا متعددة: أولا، يجب أن نسجل بغرابة أن المشرع المغربي يمكن أن يعتبر مسؤولا أولا على تنامي هذه الظاهرة، التباكي والصراخ لا ينفع، لأن المشرع المغربي بخياراته يمكن أن يكون مسؤولا أولا وأخيرا على الاعتداءات اللفظية والبدنية، والاعتداءات بالأسلحة البيضاء، والكلاب الشرسة المدجنة من طرف شرذمة من الجانحين، في الوقت الذي كان يجب على المشرع أن ينفتح على الكفاءات الأكاديمية وأن يلتمس من المراكز الجامعية، إنجاز دراسات واقعية، إمبيريقية، لفهم الظاهرة والكشف عن أسبابها وعواملها، تم الانكباب في مرحلة لاحقة على إعادة النظر في النصوص القانونية بما يتلاءم وخلاصات هذه الدراسات العلمية. لا يمكن أن نتقدم خطوة إلى الأمام في مجال تجويد النصوص القانونية التي تعتبر أجوبة علمية تشريعية عن ظواهر سلبية، في المجتمع، إن لم تكن هذه النصوص التشريعية هي خلاصات في الأساس والعمق ناتجة عن دراسات علمية. نسجل نحن كعلماء إجرام، ضعف عقوبة عدم الامتثال في القانون المغربي، فحينما يتم إيقاف أو الشروع في إيقاف جانح، يكون في حالة اندفاع قوية، فيجب علينا أن نفهم على أنه يرتكب عقوبة عدم الامتثال، وهي ظاهرة تعيشها فرنسا بحيث أنجزت دراسات من طرف الجمعية الوطنية لصالح البرلمان الفرنسي، لمعرفة لماذا تتنامى بطريقة خطيرة جدا، ويرتفع منسوب جرائم عدم الامتثال لدى المواطنين والشباب الفرنسي، في مواجهة إنفاذ القانون عوض احترامهم، كما يقع في كندا وأمريكا. الحقيقة المؤلمة أنه إذا عدنا لتجريم عدم الامتثال في القانون الفرنسي والمغربي، سوف نجد أن الشخص الذي لا يمتثل لرجال الإنفاذ يواجه في معظم الأحوال بغرامة وفي أسوء الأحوال بعقوبة موقوفة التنفيذ أو على الأقل شهر أو شهرين نافذ، الأمر الذي يشجع من جهة هؤلاء على التمادي في عدم الامتثال لأجهزة إنفاذ القانون، ومن جهة ثانية يشجع أقرانه على التمادي في هذه الجرائم. وكمثال على ذلك يمكن أن أقول من خلال تجربتي الشخصية في أمريكا مع رجال الأمن، ومع القضاء الأمريكي، يمكن أن أؤكد أن المجتمع الأمريكي يتعامل بصرامة منقطعة النظير، تقترب إلى توصيف ما يقوم به الشخص الذي لا يمتثل لأوامر رجال إنفاذ القانون أن يعامل معاملة الإرهابي أو عدو الوطن. وبالتالي يجب علينا أن نلاحظ أن عقوبة عدم الامتثال في القانون الأمريكي هي 20 سنة سجنا. شخصيا حضرت محاكمة شخص قام بالسرقة، وأدين من أجلها بسنتين، وأضيفت له 20 سنة بسبب عدم الامتثال. هنا يجب أن نسجل أن عقوبة عدم الامتثال في القانون المغربي، هي في أحسن الأحوال غرامات، الأمر الذي يقتضي من المشرع المغربي الانكباب بما يلزم من الجدية من أجل مضاعفة العقوبات وجعل من عدم الامتثال لرجال إنفاذ القانون وتعريض سلامتهم الجسدية للخطر، يجب أن تعتبر جناية، ومن أخطر الأنماط السلوكية.
فإنقاذا لهيبة رجال الأمن ولهيبة الدولة يجب إعادة النظر في التشريعات الملازمة لهذا الموضوع وأن نجعل من عدم الامتثال ليس فقط مخالفة أو جنحة، بل جناية عقوبتها تتراوح ما بين 10 و20 سنة، لأن الدولة مطلوب منها أن تضرب بيد من حديد كي نجعل المواطن يحترم رجال الأمن.