هذا هو المثل الذي ينطبق على "الإعلان العريض" الذي شيء له أن يكون انتصارا لمجلس المنافسة على شركات المحروقات التي اتخذت من “الافتراس” ونهجا للسطو على أموال المغاربة، دون حسب ولا رقيب.
فقد أخبرنا مجلس المنافسة، بنبرة المنتصر والفاتح، أن 9 شركات لتوزيع المحروقات في المغرب ستدفع غرامة تصالحية بقيمة 1.84 مليار درهم (حوالي 181 مليون دولار) بسبب قيامها بممارسات منافية لقواعد المنافسة، علما أن هذا المجلس، الذي تم تأسيسه لمحاربة الاحتكار والممارسات المنافية لقواعد اقتصاد السوق، كان قد بدأ التحقيق في مخالفات هذه الشركات عام 2016، بناءً على شكوى مقدّمة من قِبل النقابة الوطنية لمهنيي النقل الطرقي، وهي الشكوى التي وقفت على وجود شبهة توافق حول أسعار المحروقات بين الشركات، بشكل ينافي قانون حرية الأسعار، بل دون أن تعكس تطور الأسعار دولياً، مما يعني أن هذه الشركات قامت بالاستنفاع من خلال السطو على جيوب المستهلكين، مستغلة الصمت الفادح للحكومة التي يعتبر رئيسها "الباطرون الأكبر" للمحروقات، والمستفيد رقم واحد من هذا الاستنفاع غير المشروع.
وفي أكتوبر من 2022، صدر تقرير عن مجلس المنافسة تقرير لافت للانتباه، تضمن اتهامات ثقيلة للشركات الفاعلة في هذا القطاع بتعطيل المنافسة من خلال الاتفاق على تحديد أسعار البيع وزيادة أرباحها بشكل كبير لا يتلاءم مع الأسعار الدولي، إذ بلغ الربح الصافي الإجمالي لأكبر 7 شركات في القطاع 10.7 مليار درهم (حوالي 1.05 مليار دولار) ما بين عامي 2018 و2021، ويشمل ذلك نشاط توزيع الديزل والبنزين والغاز والفيول والكيروسين. وتُمثّل الأرباح المتأتية من بيع الديزل والبنزين تحديداً أكثر من النصف، بحوالي 6.7 مليار درهم خلال الفترة نفسها، أي بمتوسط سنوي يناهز 1.68 مليار درهم. فما معنى هذا الكلام؟ وهل يمكن الوقوف عند حد "وكفى لله المومنين شر القتال"؟
إن بلاغ مجلس المنافسة يعلن بأن شركات المحروقات أعلنت “التوبة” وتعهدت، على نحو إلزامي، بالإقلاع عن عادة اللجوء إلى التحايل من أجل السطو على أموال المستهلكين وعدم تكراره، بل وافقت على تفعيل قانون الصلح ووضع آلية لتحديد المخاطر التنافسية، وأنظمة إنذار داخلية فعالة، وتعيين مسؤول داخلي من مدراء الشركة يتولى وضع برنامج المطابقة وتتبعه، فضلاً عن إمداد مجلس المنافسة كل ثلاثة أشهر بالمعلومات المتعلقة بالمشتريات والمبيعات الشهرية للمحطات ومستويات مخزونها من الغازوال والبنزين. وهذا الإعلان يكشف، في العمق، أن كل هذه التعهدات والالتزامات كانت غائبة ولا وجود لأي دفتر تحملات بشأنها، فهل هذا يكفي؟ هل يكفي أن تظل تلك الأرباح التي جرى تكديسها والاعتراف بها مرتاحة في أرصدة تلك الشركات؟ هل يكفي “النصر” المعنوي الذي حققه مجلس المنافسة ليتغاضى القضاء التجاري عن تلك السرقات؟ هل يكفي أداء مبلغ زهيد (3%) مقارنة بالأرباح الفاحشة التي راكمتها الشركات للتغاضي عن اللهفة والكانيباليزم الاقتصادي وتمتيعها بظروف التخفيف و”عفا لله عما سلف”؟
من أوكل إلى مجلس المنافسة أمر الاكتفاء بشد أذن شركات المحروقات، والاقتصار على توبيخها والتشهير بها، دون أن يمتد الأمر إلى محاكمتها، وانتزاع ما انتزعته من المغاربة؟
ما جرى مع شركات المحروقات ما زال يجري مع كبار المنعشين العقاريين الذين راكموا المنافع المادية دون حسيب ولا رقيب، ومع المدارس الخاصة والمصحات الخاصة، ومع شركات التأمين والأبناك التي لا تكتفي بسلخ المغاربة الذين يضطرون إلى اللجوء إلى القروض، بل تعمد إلى سلخهم وتعليقهم وابتزازهم بالفوائد والغرامات؛ وهي تفعل ذلك في سياق أهم ما يهيمن عليه هو التواطؤ ورفع اليد. وهنا يجب الاعتراف بأن الحكومة وقعت في تضارب المصالح، ما دام أعضاؤها هم “باطرونات” لهذه القطاعات، مما يجعلهم في خدمة شركاتهم ضد مصلحة الوطن والمواطنين. وهذا هو ما يبرر النزعة الافتراسية للحكومة التي تقول عن نفسها أنها حكومة كفاءات أو حكومة إنقاذ أو حكومة اجتماعية.