على امتداد الشواطئ المغربية التي تعرف إقبالا كبيرا للمصطافين المغاربة والأجانب وبمنظر من أعلى أو بطلة من فوق تشاهد العين مظلات شمسية بشتى الألوان وقامات مختلفة لكافة الشرائح العمرية، وكرات مختلفة الأحجام تتطاير وتتهاوى، لترتفع مرة أخرى. وبالاقتراب من الرمال الذهبية التي تغطي جزءا منها أجساد المعرضين ظهورهم وبطونهم لأشعة الشمس، يتيه العابرون بين مظلات منصوبة وموجهة جهة الشمس وبين حقائب جنب فوطات ولوازم مختلفة تخص المصطافين. وبين كل ذلك تترصد عيون بعض اللصوص "الاستثنائيين" لحظة غفلة من الضحايا والجالسين بالقرب منهم والمشرفين على كراء المظلات الشمسية، لـ "الانقضاض" بهدوء على حاجيات المصطافين بطريقة ماكرة وهم على يقين بأنه لن يشعر الناس بما يقترفونه من أعمال سرقة.
"أنفاس بريس" زارت شاطئ عين الذئاب بالدار البيضاء واستجوبت مصطافين ومشرفين على كراء المظلات الشاطئية. واستقت تصريحات وتعليقات وحكايات حول ظاهرة السرقة بالشواطئ المغربية. واستفسرت بعض الممارسين للمهن الموسمية بالشواطئ، حول بعض الحيل وحالات السرقات الماكرة التي كان شاطئ البحر مسرحا لها، وشاهدوها أو ساهموا في التبليغ عنها أو القبض على مقترفيها. "السرقة في الشواطئ قبل سنة 2000 بالنسبة لي كانت منتشرة بشكل كبير. أما اليوم بحكم أن (الثقة والنية والغفلة) أصبحت ميزات مفقودة فإن أغلب المصطافين يتخذون جميع الاحتياطات لحماية ممتلكاتهم في شاطئ البحر كالتناوب على حراسة الملابس)، هكذا صرح (عبد القادر) مكلف بكراء المظلات الشاطئية.
"شفار من بعيد"
يروي رجل خمسيني (محمد) مساعد لشخص مكلف بكراء المظلات الشاطئية، أن سرقة حاجيات المصطافين بشواطئ البحر تتطور من جيل لجيل. موضحا أن ذلك لايعني أن بعض الأساليب القديمة قد اختفت بل لازالت متفشية حسب رأيه. وذكر طريقة سرقة بالشواطئ تـُمسى "شفار من بعيد" أي (لص عن بعد). وشرح المتحدث نفسه أن هذه الطريقة تعدُّ أخطر الوسائل التي يجب على الآباء والأمهات والشرطة الانتباه لها، لأنها تستغل براءة الأطفال الصغار كوسيلة للسرقة دون علمهم وفي غفلة من الوالدين على حد تعبيره. إذ أفاد أن اللص في هذه الحالة يبتعد بكثير عن الحاجيات المُراد سرقتها. وغالبا ما يصعد للتل المؤدي لطريق مغادرة الشاطئ، ثم ينادي على طفل صغير منعزل عن المصطافين ملوحا بيده. وبعد حضور الطفل يمد له قطعة نقدية ويطلب منه أن يحضر له حاجيات متواجدة في مكان سبق وأن رصده فوق رمال البحر. مُدعيّا أنها أغراض خاصة به وأنه سوف يغادر البحر في عجلة من أمره. ولا تكون تلك الأغراض سوى حقيبة أوملابس ومعدات خاصة بمُصطاف ضحية عملية (شفار من بعيد)، إذ أن الطفل ببراءته يجمع الأغراض ويحملها في "صحن من ذهب" للص ويحصل عليها الأخير "باردة" حسب العبارة المستخدمة في المجتمع المغربي عند الحصول على مال أو مكاسب دون بدل جهد ولو بسيط.
"مقبرة حاجيات المصطافين"
يحكي (معلم سباحة سابق) يشرف على عملية استغلال مرحاض و"دوش" بشاطئ البحر، أن من بين العمليات الماكرة للسرقة بالشاطئ "دفن الحاجيات المسروقة تحت الرمال". وأوضح أنه سبق وأن عاين عملية سرقة منظمة تقودها امرأة برفقتها ثلاث يافعين. وشرح أن المرأة تجلس فوق الرمال وأمامها حفرة سبق حفرها بعناية وتغطيتها بفوطة لتنفيذ مخطط من مخططات سرقة حاجيات مصطافي الشواطئ. وأشار المتحدث نفسه أن اثنين من اليافعين شركاء المرأة المذكورة يراقبان ضحايا العملية إلى حين ابتعادهم عن ملابسهم وحاجياتهم للعب أو السباحة، ثم يعطيا الإشارة لليافع الثالث، الذي يجمع الحاجيات ببرودة دم ويتنقل بثقة وبطء بين المصطافين موهما الجميع أنه يحمل أغراضه الخاصة، وما أن يصل إلى المكان الذي تتواجد فيه المرأة حتى يسلمها المسروقات، فتقوم بدورها بإزالة الفوطة عن الحفرة وتضع فيها تلك الأغراض المسروقة، فتقوم حينها بسرعة بإرجاع الرمال فوق الحفرة لتخفي ما سرقه اليافعان، وترد الفوطة فوق الأغراض المدفونة لإخفائها بشكل نهائي وتغيِّر المكان بمتر أو مترين لتحفر حفرة أخرى في انتظار "غنائم" أخرى وضحايا آخرين من بين المصطافين الذين تأخذهم متعة اللهو والاستحمام بالشواطئ عن حراسة ملابسهم وحاجياتهم. وفي سؤالنا عن كيفية كشف حيلة هذه المرأة السارقة وشركاءها اليافعين. أجاب مُحاورنا أنه ذات مرة وبينما كان اليافع المُكلف بجمع أغراض المصطافين وسرقتها مُتجها نحو مكان المرأة السارقة، حضر أحد المصطافين لاصطحاب كرة قدم من بين أغراضه للعب بها رفقة باقي أصدقائه، فرمق اليافع وهو يتوجه صوب المرأة وشاهد عملية دفن أغراضه بكاملها تحت الرمال، ووقف غير بعيد عن مسرح الحادث، فكان أن وجد نفسه بالقرب من المرحاض الذي يشتغل فيه مُحاورنا حسب إفادة الأخير الذي وضح أن المصطاف المسروق أخبره بكل ما رأت عيناه واستشاره حول المتعين إجرائه، وأفاد مُحاورنا أنه بعد سماع رواية المُصطاف اصطحبه صوب المرأة وسألها عن أغراض ضائعة فأنكرت في البداية، قبل أن تعترف بعد أن ذهب المصطاف لتبليغ وإحضار رجال الشرطة مع بقاء المرأة تحت حراسة مُحاورنا وفرار اليافعين الثلاثة بعد انكشاف أمر هذه العصابة الغريبة حسب إفادة مُحاورنا.
"فوطة فوق فوطة"
يحكي مُصطاف أنه تعرض لسرقة ظن في بادئ الأمر أنها "كاميرا خفية". إذ وبينما كان راجعا نحو المكان الذي يجلس فيه برمال الشاطئ رأت عيناه رجلا يبدو الوقار على وجهه، يحمل فوطة من الحجم الكبير بين يديه وما أن وصل قرب أغراض المُصطاف حتى وضع الفوطة فوق فوطته فغطت جميع أغراض المُصطاف الذي وقف حسب تعبيره مشدوها أمام المنظر. تابع الرجل بعينيه ليجد أنه جلس في مقهى شاطئية مقابلة للفوطة مُراقبا المكان. يمج سيجارته ويحتسي كوب شاي سبق وأن طلبه من المقهي قبل تنفيذ العملية. لم يفهم المصطاف ما يجري ولم يتوصل بتفسير لما جرى وظن أنه بين شراك كاميرا خفية تدبر له بشاطئ البحر. فقرر أن يسأل نادل المقهى عن هوية ذلك الرجل. أوضح النادل للمُصطاف أن الرجل المذكور غريب عن المقهى قبل أن يتدخل ابن صاحب المقهى ليخبر المصطاف أن الأمر له علاقة بعملية سرقة تسمى "فوطة فوق فوطة" .. (اللص في هذه الحالة يراقب مكان بعيد عن المظلات الشاطئية يعرف اكتظاظا للمصطافين، الذين ينتشرون بطريقة غير منظمة، فيختار أغراضا معينة غير محروسة أو ابتعد عنها أصحابها بشكل لا يسمح لهم بمراقبتها ولو من بعيد. يضع اللص الفوطة الكبيرة فوق أغراض المصطاف الضحية. يُراقب المكان من بعيد، وحين قدوم أصحاب الأغراض يبدؤون في البحث عن حاجياتهم ويسألون المصطافين المجاورين لهم دون جدوى. يظنون أنهم تاهوا عن مكان حاجياتهم، ولا يفكرون في إزاحة الفوطة الكبيرة لتظهر لهم حاجياتهم لأنها حسب اعتقادهم فوطة خاصة بمصطاف آخر. إذ ذاك يتوقع اللص أنهم سوف يغادرون المكان للبحث في اتجاه بعيد عن أغراضهم أو سينصرفون إلى بيوتهم، مُرجحين أن الحاجيات سُرقت قبل حضورهم، وما أن يتأكد اللص من انصراف أو ابتعاد الضحايا، حتى يتوجه صوب فوطته التي تعلو الحاجيات المراد سرقتها تم يجمع الفوطة وكل ما هو تحتها لينصرف صوب مكان آمن لتفقد المسروقات). أفاد المصطاف أن ابن صاحب المقهى الذي يجلس به اللص تابع حديثه ونصحه أن يذهب صوب الفوطة الكبيرة ويزيحها عن أغراضه مادام قد رأى الرجل بأم عينه وهو يغطيها بفوطته الكبيرة، توجه المصطاف صوب مكانه وأماط الفوطة عن أغراضه ورمى بها بعيدا في اتجاه المقهى ونظر نظرات حادة للص، الذي أسرع في المشي صوب النادل لتأدية واجب الشاي ثم غادر المقهى في عجلة من أمره. التحق المُصطاف بالمقهى وأخبر النادل وابن صاحب المقهى أنه كان يتعين عليهما إخبار الشرطة. ردَّ ابن صاحب المقهى أن الرجل سوف يُنكر أنه صاحب الفوطة الكبيرة وأن لا دليل يثبت أنه وضع الفوطة فوق الأغراض وختم ابن صاحب المقهى موجها كلامه لمُحاورنا حسب إفادته أن الأمر سيتحول لـ (سين وجيم) و(الطلوع والهبوط) عند البوليس وفي المحكمة دون دليل قاطع عدا الفوطة التي لا يمكن إثبات صاحبها الأصلي).
(لبس وقيِّس)
يحكي (عبد الله) وهو شاب يشتغل مساعدا بمقهى شاطئية موسمية، أن بعض السرقات في شاطئ البحر، يكون وراءها شباب يستهلكون حبوب الهلوسة (البولة الحمراء) حسب تعبيره، كي لا يشعرون بالخوف أثناء قيامهم بالسرقة، وأفاد أن البعض منهم يتصيدون أغراض خاصة بمصطافين غادروا المكان الذي يجلسون به للاستمتاع بوقتهم في الشاطئ، كما أضاف أن اللص في هذه الحالة يختار (مكانا غير محروس)، ثم يرسل عينيه إلى "صندالة مزيانة" حسب تعبيره في إشارة إلى واحدة رفيعة الثمن. ويشرح أن اللص يمر بالقرب من حاجيات المُصطاف ضحية سرقة (لبس وقيِّس) ثم يلبس "الصندالة الرفيعة المستوى" في غفلة من المصطافين المجاورين لأغراض المصطاف الضحية ويتابع مسيرته بدم بارد، إذ أن اللص يكون قبل العملية حافي القديمين ليصبح بعدها منتعلا "صندالة" أو "كلاكيطة" مُصطاف يبحث بعد ذلك حتما عن ما انتعله للقدوم إلى الشاطئ بين أغراضه دون جدوى، ليشك أن احد أصدقائه قد أخفى "الصندالة" للسخرية منه قبل أن يتأكد أن لصا قد مر بالقرب من حاجياته.
في استقرائنا لأراء المستجوبين حول أنسب عملية لحماية أغراض المصطافين من السرقة، اتفق الجميع أن على المُصطاف، أن لا يكون بخيلا أمام واجب حراسة ملابسه وأغراضه وأغراض عائلته أو أصدقائه، من طرف المشرفين على المظلات الشاطئية. كي لا يجد نفسه أما ضياع أمتعة ثمينة تضاهي واجب الحراسة مرات عديدة وقال أحد المستجوبين : (في سبيل توفير من 20 درهم إلى 30 درهم ثمن الحراسة مع استغلال كراسي وطاولات بلاستيكية ومظلة، يمكن أن يفقد المصطاف هاتف متنقل ثمنه 5000 درهم أو أكثر أو مصورة ثمنها 2000 درهم وغيرها من الأغراض الثمينة والملابس مع مايسببه ذلك من إحراج للمصطاف الذي يحل بالبحر كاسيا ويغادره شبه عار).
ويبقى السؤال المطروح كيف يُمكن لشرطة الشواطئ رصد تحركات وحيل اللصوص بين أجساد المُصطافين المتمددة تحت أشعة الشمس وبين حاجياتهم و"فوطاتهم" المفروشة فوق الرمال هنا وهناك؟؟ مع العلم أن اللصوص يطورون كل سنة من وسائل انسلالهم داخل شواطئ الاصطياف، بأشكال وطرق مختلفة توهم الجميع أنهم مجرد عابرين لأمكنة الاصطياف أو مصطافين عاديين، مستغلين واقع قلة العناصر الأمنية داخل بعض الشواطئ المغربية، وعدم فعالية وسائل رصد هذه التحركات التي تخفي وراءها حيلا ماكرة، غرضها الخفي سرقة حاجيات مُصطافين مغاربة وأجانب، وتحويل يومهم أو عطلتهم الصيفية من لحظة للاستمتاع بأشعة الشمس وبرودة مياه البحر، إلى لحظة عصيبة يحسون حينها بحرقة ضياع ممتلكاتهم ويعتصرون الألم داخل صدورهم لاكتشافهم أنهم كانوا ضحية ثقتهم في أجواء الاصطياف، ونسوا أن بالقرب منهم لصوصا يتصيدون اللحظات المناسبة قصد "الانقضاض" على حاجياتهم ببرودة أعصاب خبيثة.