أنا أنتمي للسلالة التي تتقيد حرفيا بطقوس الضيافة ولا أفرض شيئا على مضيفي سواء بالمغرب أو بالخارج، عملا بالمقولة المغربية الشهيرة:" الضيف ما يتشرط ومول الدار ما يفرط". لكن اليوم في العاصمة السينغالية "دكار"، خرقت هذا العهد واشترطت على مضيفي السينغالي "لامين ديوب" (Lamine Diop)، أن يطلب من أفراد أسرته تهيئ وجبة Tiébon Dieune، وهي الوجبة المقدسة، ليس فقط بالسينغال وحدها، بل في معظم دول غرب إفريقيا(البعض يكتبها tieboudiene).
قلت لمضيفي لامين ديوب:" أنا قطعت 2900 كلم من الدارالبيضاء إلى دكار، ليس لآكل الكفتة أو اللحم أو الدجاج المشوي أو شوربة الخضر. هذه فرصة لتذوق الأكلة الشعبية والوطنية بالسينغال، وهي الأكلة التي ازدادت رغبتي لتناولها بعد السجال الدولي الذي حدث بين السينغال وغانا ونيجيريا، بين عامي 2020 و2021، لدى تسجيل أكلة Thiébon Dieune كتراث لامادي للإنسانية باليونيسكو، بحيث كل دولة من هاته البلدان ناضلت لربط الأكلة باسم بلدها، قبل أن تنتصر اليونيسكو للسينغال، في أواخر عام 2021، وتسجل الأكلة باسم السينغال كتراث عالمي".
وجبة Thiébon Dieune، تحضر بالأساس بالأرز والسمك مع بعض الخضر.
وحسب اليونيسكو فهذه الأكلة اخترعتها الطباخة Penda Mbaye بقرية Guet Ndar بمدينة سانت لوي الزاقعة شمال السينغال.
أكلة Thiébon Dieune، ترتبط في الموروث السينغالي، بالعادات الغذائية التي فرضها الاستعمار الفرنسي عام 1860، حين كانت فرنسا تستورد الأرز من مستعمراتها بالهند الصينية، وتفرضه على السينغاليين لكي يتخلوا عن زراعاتهم التقليدية آنذاك ( الذرة بالخصوص) وإجبارهم على زرع المنتوجات التي تفرز الزيت لتصديره لفرنسا.
السمك الذي يستعمل عادة في الأكلة نوعان: إما سمك "الميرو" أو سمك" لادوراد"، إلا أن أكلة Thiébon Dieune التي تناولتها عند مضيفي "لامين ديوب"، فكانت مكونة من سمك الكابتان capitain والأرز مع خضر: جزر، بطاطا حلوة، بادنجال وليشو.
والحق يقال أن الأكلة لذيذة وتزداد لذتها إذا أضاف المرء لها بعض المرق la sauce، المحضر من المواد الحارة المحلية.
وحتى تكتمل "أصول الضيافة"، وبعد أن لاحظ مضيفي أني "جاهدت جهادا أكبر" في صحن ceeb jën ( اسم الأكلة بلغة الولوف المحلية)، ناولني كأس شاي سينغالي استمتعت بنسمة أعشابه، وأنا أطل من شرفة منزله الواقع بالطابق الرابع في عمارة بحي Hann Mariste التابع لمقاطعة Patte d'oie غير بعيد عن ملعب "ليوبولد سيدار سينغور".
ودعت مضيفي وشكرت أفراد أسرته على لطفهم وعلى نبل كرمهم، غير نادم على انتهاكي لشعار :"الضيف مايتشرط ومول الدار ما يفرط". على الأقل أصبحت ضمن سكان العالم المحظوظين بتناول هذا التراث الإنساني.