خليل البخاري: المسيرة الخضراء.. ملحمة الكفاح الوطني وذكرى تلاحم الملك والشعب

خليل البخاري: المسيرة الخضراء.. ملحمة الكفاح الوطني  وذكرى تلاحم الملك والشعب خليل البخاري
من لا تاريخ له، لا هوية له وعدم فهم التاريخ وليد جهل الماضي. المناسبة شرط، وهي الاحتفال بمرور48 سنة عن انطلاق المسيرة الخضراء المظفرة  وهي معلمة نوعية  أعطى انطلاقتها المغفور له الحسن الثاني طيب الله قراره بمشاركة حوالي 250 ألف متطوع ومتطوعة ووفود من الدول الشقيقة والصديقة. 
 
لقد كان تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال  فرصة لإثارة قضية الصحراء في المحافل الدولية. وأكد المغفور له محمد الخامس في خطابه بالمحاميد في 1958 إرادة المغرب استكمال وحدته الترابية .. وفي نفس السنة استرجع المغرب طرفاية من اسبانيا. وفي سنة 1960 ألقى ولي العهد الحسن الثاني في هيئة الأمم المتحدة خطابا صريحا تناول فيه موضوع استعمار الصحراء. كما قرر المغفور له الحسن الثاني عرض قضية الصحراء على المحافل الدولية. وفي اكتوبر 1966 عرض المغرب قضية الصحراء أمام الجمعية العمومية  التابعة للأمم المتحدة. وبالفعل تمكن المغرب من استرجاع سيدي افني 1969. وفي سنة 1974 شرع المغرب في تبني الخطة الدبلوماسية والمسطرة القانونية في ملف الصحراء وافقت عليه هيئة الأمم المتحدةوتم عرضه على  محكمة العدل الدولية بلاهاي. وفي 27 مارس 1975 عين المغرب السيد ألفونص بوني Alfonce Boni قاضيا لمساندة دعواه في قضية الصحراء امام محكمة العدل الدولية. وبالفعل في 12 ماي1975 وبعد مناقشات مستفيضة وماراطونية واستئناسها بوثائق وحجج دامغة على مغربية الصحراء خاصة تلك الوثائق الخاصة بتعيينات نواب الملك بالصحراء وبالرسائل المتبادلة بين الملوك العلويين وشيوخ القبائل الصحراوية.
 
ومباشرة  بعد صدور حكم محكمة العدل الدولية وتأكيدها  لمغربية الصحرا، شرع المغفور له الحسن الثاني في اعداد وترتيب ملحمة المسيرة الخضراء.
 
تحتل المسيرة الخضراء مكانة متميزة ومشرقة في نفوس ووجدان المغاربة لكونها ملحمة وطنية سطر فيها المغاربة تاريخا جديدا عبروا من خلاله على حبهم و ولائهم لوطنهم وايمانهم الصادق له. أن المسيرة الخضراء لم تكن حدثا عابرا في تاريخنا المجيد بل هي ملحمة سطر فيها المغاربة تاريخاةجديدا لبلادهم وصاغوا بدقة معان منفردة لحب الوطن والانتماء والولاء  والتمسك بمقوماته ورموز سيادته.
 
المسيرة الخضراء محطة تاريخية بامتياز وستبقى منقوشة في سجل تاريخ المغرب ومفصلية مهمة . فهي لم تكن خطب ولا دروس،نظرية في العمل الوطني بل ممارسة واقعية وسلوك حقيقي واقعي ترجم  قيمة إنسانية نبيلة وهي حب الوطن.
 
أن روح المسيرة الخضراء هي إحدى دعائم الهوية المغربية الصادقة بل الدولة المغربية ككل. فقد كان لهذا الحدث التاريخي المتميز آثار ايجابية في تعميق الهوية الوطنية المغربية. وتمثل المسيرة الخضراء كذلك درسا في التخطيط القانوني والعملي الدبلوماسي. فقد حملت المسيرة الخضراء في طياتها عبرا ودروسا بالغة في الأهمية. فحدث المسيرة الخضراء هو تعبير تاريخي فريد ومتميز ابدعه المغفور له الحسن الثاني  وجسد مكونها السياسي والثقافي صاحب الجلالة محمد السادس الذي لازال يواصل الحرص على قيم الأصالة ويقف على تاريخ بلاده باستمرار ويمتلك مهارة وكفاءة الربان الرزين والمتبصر والحكيم الذي يستطيع الامساك بدفة القيادة بحكمة وتبصر في أوقات الأزمات.
 
أن الصحراء مغربية وستظل مغربية بالرغم من مناورات الخصوم، لان هواءها وسماءها ورمالها رويت بدماء المغاربة الصحراويين. والمغرب ليس بحاجة لمن يضفي الشرعية على سيادته في صحرائه مهما كان الطرف الذي يعتقد أن في اعترافه بذلك قيمة مضافة.
 
لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية في حاجة إلى اعتراف المغرب بوجودها يوم أسست، لأنه بلد التاريخ المتجذر والضارب في القدم. ومن المفروض  أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية أول من يقر  بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه ردا على جميله السابق.
 
إذا كانت المسيرة الخضراء قد مكنت بلادنا من استرجاع أقاليمه الصحراوية الغالية، فإن بلادنا تقود مسيرات  تنموية تهدف إلى ترسيخ الحقوق المدنية والسياسية وتمضي قدما في النهوض بالحيل الجديد من الحقوق السوسيو اقتصادية والبيئية والثقافية. ورغم المحاولات اليائسة لخصومنا للمس بسمعة بلادنا وسيادته، فالمغرب سيواصل بثبات تعاونه مع هيئةالامم المتحدة ومع مبعوث امينها الخاص ومع الدول الصديقة والشقيقة من أجل ايجاد حل سياسي ونهائي للصراع المفتعل حول وحدتنا الثرابية في اطار مبادرة الحكم الذاتي  المشهود لها بالمصداقية وبروح الواقعية.
 
أن المشاريع الضخمة التي اطلقها عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس وخاصة في إطار النموذج التنموي الجديد، سيجعل بكل تأكيد من الصحراء المغربية قطبا اقتصاديا مندمجا يؤهلها للقيام دورها كصلة وصل بين المغرب وعمقه الافريقي وكمحور للعلاقات بين بلدان المنطقة.
 
أن تخليدنا لذكرى المسيرة الخضراء واستحضارنا لخطاب محاميد الغزلان هو مناسبة لاستلهام قيم الوطنية الصادقة والوفاء لمقدسات الامة والتضحية في سبيل الوطن.
 
وصفوة القول المسيرة الخضراء حدث تاريخي متميز وملحمة من الكفاح الوطني الذي تعود جذوره الأولى إلى مرحلة ما بعد الحماية، وستبقى محطة تاريخية في مسيرة تاريخ بلادنا، وستبقى كذلك محطة فارقة في تاريخ مغربنا الحبيب.
 
خليل البخاري/أستاذ مادة الاجتماعيات