فلسفة إحداث نظام المقاصة ومراحل الإصلاح

فلسفة إحداث نظام المقاصة ومراحل الإصلاح حماية‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للمواطنين‭ ‬عبر‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬الأسعار ‬وفي‭ ‬عمليات‭ ‬الاستيراد‭ ‬والتصدير‭
يعود‭ ‬نظام‭ ‬المقاصة‭ ‬للأربعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬20،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬اعتماده‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ضمان‭ ‬تموين‭ ‬الأسواق‭ ‬بالمواد‭ ‬الأساسية،‭ ‬وحماية‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للمواطنين‭ ‬عبر‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬الأسعار،‭ ‬وفي‭ ‬عمليات‭ ‬الاستيراد‭ ‬والتصدير‭.‬

وتمنح‭ ‬الدولة‭ ‬لصندوق‭ ‬المقاصة،‭ ‬حسب‭ ‬موقع‭ ‬وزارة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والمالية،‭ ‬الموارد‭ ‬الضرورية‭ ‬لتمكينه‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬الدعم،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الصندوق‭ ‬أصبح‭ ‬يواجه‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬عجزا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬الارتفاع‭ ‬المتواصل،‭ ‬والمهول‭ ‬لكلفة‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭.‬

وترجع‭ ‬الأسباب‭ ‬الأساسية‭ ‬لارتفاع‭ ‬كلفة‭ ‬المقاصة‭ ‬إلى‭ ‬الارتفاعات‭ ‬المهولة‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬الأسعار‭ ‬العالمية‭ ‬للمواد‭ ‬الأولية‭ ‬خاصة‭ ‬المواد‭ ‬البترولية‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬بلدا‭ ‬غير‭ ‬منتج‭ ‬للنفط‭ ‬ومرتبط‭ ‬بالأسواق‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التزود‭ ‬بأغلبية‭ ‬احتياجاته‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية،‭ ‬حيث‭ ‬يستورد‭ ‬حوالي‭ ‬98‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬البترولية،‭ ‬وثلثي‭ ‬احتياجاته‭ ‬من‭ ‬السكر‭ ‬الخام‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية،‭ ‬أما‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الحبوب،‭ ‬فتخضع‭ ‬واردات‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬للتغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬ومدى‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬الحبوب‭.‬

عرفت‭ ‬ميزانية‭ ‬الدعم‭ ‬ارتفاعات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬حيث‭ ‬ارتفعت‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬خلال‭ ‬سنة‭ ‬2002‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬49‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬و56‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2012‭‬.

وتستأثر‭ ‬المواد‭ ‬البترولية‭ ‬بالحيز‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬ميزانية‭ ‬الدعم‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬86‭ ‬بالمائة،‭ ‬حيث‭ ‬مرت‭ ‬من‭ ‬حوالي‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬سنة‭ ‬2003‭ ‬إلى‭ ‬41‭ ‬مليار‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬و48‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬سنة‭ ‬2012‭‬.

ارتفاع‭ ‬كلفة‭ ‬ميزانية‭ ‬الدعم‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬ارتفاع‭ ‬في‭ ‬النفقات‭ ‬العمومية‭ ‬مقارنة‭ ‬بنفقات‭ ‬الاستثمارات‭ ‬التي‭ ‬تساهم‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تحفيز‭ ‬وتطوير‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬حيث‭ ‬ارتفعت‭ ‬كلفة‭ ‬الدعم‭ ‬في‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬من‭ ‬1‭ ‬بالمائة‭ ‬سنة‭ ‬2003‭ ‬إلى‭ ‬6.5‭ ‬في‭ ‬2012‭ ‬مما‭ ‬أثر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬توازنات‭ ‬المالية‭ ‬العامة‭ ‬ورفع‭ ‬عجز‭ ‬الميزانية‭ ‬من‭ ‬2.2‭ ‬بالمائة‭ ‬سنة‭ ‬2012‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬7.5‭ ‬بالمائة‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2013‬.

ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬تفاقم‭ ‬عجز‭ ‬الميزانية‭ ‬يؤثر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتشغيل‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬مناخ‭ ‬الأعمال‭. ‬ولهذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬إصلاح‭ ‬نظام‭ ‬المقاصة،‭ ‬بحيث‭ ‬تصبح‭ ‬الدولة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬ميزانية‭ ‬الدعم‭ ‬وتحويل‭ ‬هذه‭ ‬الميزانية‭ ‬نحو‭ ‬الاستثمار‭.‬

وحسب‭ ‬المصدر‭ ‬ذاته،‭ ‬استنادا‭ ‬لهذه‭ ‬الظرفية‭ ‬عمدت‭ ‬الحكومة‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬إصلاح‭ ‬تدريجي‭ ‬يهدف‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬تكلفة‭ ‬المقاصة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬حصر‭ ‬الغلاف‭ ‬الإجمالي‭ ‬في‭ ‬الاعتمادات‭ ‬المرصودة‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬المالية،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬تكلفة‭ ‬مصاريف‭ ‬الدعم،‭ ‬وخلق‭  ‬موارد‭ ‬مالية‭ ‬تستعمل‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬نظام‭ ‬الحماية‭ ‬الاجتماعية‭.‬

وعملت‭ ‬الحكومة‭ ‬كخطوة‭ ‬ثانية‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬القطاعات‭ ‬المدعمة‭ ‬نحو‭ ‬التحرير‭ ‬مع‭ ‬تشجيع‭ ‬المنافسة‭ ‬الحرة،‭ ‬والنزيهة‭ ‬بين‭ ‬الشركات‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬المدعمة‭ ‬وكذا‭ ‬حماية‭ ‬الفئات‭ ‬المتضررة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التحرير‭.‬

وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬فقد‭ ‬تمت‭ ‬مباشرة‭ ‬هذا‭ ‬الإصلاح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اعتماد‭ ‬نظام‭ ‬مقايسة‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬النفطية‭ ‬السائلة‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تدبيره‭ ‬على‭ ‬مرحلتين،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬المقايسة‭ ‬الجزئية‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬16‭ ‬شتنبر‭ ‬2013‭ ‬إلى‭ ‬31‭ ‬دجنبر‭ ‬2013‬من‭ ‬خلال‭ ‬اخضاع‭ ‬البنزين‭ ‬الممتاز‭ ‬والغازوال،‭ ‬والفيول‭ ‬الموجه‭ ‬للصناعة‭ ‬الى‭ ‬المقايسة‭ ‬الجزئية‭ ‬مع‭ ‬تحديد‭ ‬سقف‭ ‬الدعم‭ ‬الموجه‭ ‬لهذه‭ ‬المواد‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الاعتمادات‭ ‬المرصودة‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬لسنة‭ ‬2013‭‬.

أما‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬والتي‭ ‬اعتبرت‭ ‬مكملة‭ ‬للمرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬فقد‭ ‬دخلت‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬2014‭ ‬باعتماد‭ ‬نظام‭ ‬مقايسة‭ ‬كلي‭ ‬بحذف‭ ‬الدعم‭ ‬المطبق‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬البنزين‭ ‬الممتاز‭ ‬والفيول،‭ ‬وبالتقليص‭ ‬التدريجي‭ ‬للدعم‭ ‬الموجه‭ ‬للغازوال‭ ‬مع‭ ‬حذفه‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬سنة‭ ‬2014،‭ ‬كما‭ ‬قامت‭ ‬الحكومة‭ ‬برفع‭ ‬الدعم‭ ‬نهائيا‭ ‬عن‭ ‬أثمنة‭ ‬الفيول‭ ‬الموجه‭ ‬لإنتاج‭ ‬الكهرباء‭.‬

ومن‭  ‬أجل‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬تمت‭ ‬مصاحبته‭ ‬بإجراء‭ ‬أساسي‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬تخصيص‭ ‬تعويض‭ ‬للنقل‭ ‬خاصة‭ ‬سيارات‭ ‬الأجرة‭ ‬عن‭ ‬الزيادات‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬الغازوال‭.‬

مع‭ ‬بداية‭ ‬2015‭ ‬تم‭ ‬رفع‭ ‬الدعم‭ ‬نهائيا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬المحروقات‭ ‬السائلة‭ ‬(الغازوال‭ ‬والبنزين)‭ ‬وكل‭ ‬أنواع‭ ‬الفيول،‭ ‬وتم‭ ‬اخضاع‭ ‬أثمنة‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬للمصادقة‭ ‬كل‭ ‬فاتح‭ ‬و16‭ ‬من‭ ‬الشهر‭ ‬وذلك‭ ‬استنادا‭ ‬لاتفاق‭ ‬المصادقة‭ ‬على‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬النفطية‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬والقطاع‭ ‬النفطي‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬التوقيع‭ ‬عليه‭ ‬يوم‭ ‬26‭ ‬دجنبر‭ ‬2014‭ ‬والذي‭ ‬يشتمل‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الالتزامات‭ ‬التي‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬تهييئ‭ ‬قطاع‭ ‬المواد‭ ‬النفطية‭ ‬الى‭ ‬التحرير‭ ‬الذي‭ ‬سيتم‭ ‬الشروع‭ ‬فيه‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬فاتح‭ ‬دجنبر‭ ‬2015‭‬.

في‭ ‬حين،‭ ‬تستمر‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬الدعم‭ ‬الكلي‭ ‬لأثمنة‭ ‬الغاز‭ ‬بوتان،‭ ‬والسكر،‭ ‬والدقيق‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬القمح‭ ‬اللين‭.‬