الدوق: قراءة في مشروع القانون 23-10 على ضوء قواعد مانديلا.. مساهمة في إصلاح السجون بالمغرب (22)

الدوق: قراءة في مشروع القانون 23-10 على ضوء قواعد مانديلا.. مساهمة في إصلاح السجون بالمغرب (22) عبد الحق الدوق

10.2. الفئات في وضعية هشاشة

7.10.2. حقوق المعتقلين المحكومين بالإعدام:

 

لما أشرنا في مقال سابق إلى اعتبار المحكومين بالإعدام فئة في وضعية هشاشة، بيَّنا الأسباب الداعية إلى ذلك، من قلة التواصل مع أقاربهم وفصلهم عن السجناء الآخرين، وإخضاعهم لنظام خاص ووضعهم في أحياء شديدة الحراسة، وإخضاعهم لإجراءات أمنية مشددة.

خلافا لكل الفئات الهشة، لم يذكر مشروع القانون 23-10 مادة تتعلق بالمعتقلين المحكومين بالإعدام او الى أيِّ حق من حقوقهم الأساسية، علما أن مرسوم رقم 2.00.485 صادر في 6 شعبان (3 نوفمبر 2000) الذي تُحدد بموجبه كيفية تطبيق القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، والمنشور بالجريدة الرسمية رقم 4848 الصادرة في 16 نوفمبر 2000، قد جاءت فيه بعض المقتضيات المتعلقة بالمعتقلين المحكومين بالإعدام، بغض النظر عن تقييمها على المستوى الحقوقي، في المواد 142-145 من الفرع الأول من الباب العاشر[1]. وسنحاول في هذا المقال مناقشة هذا الموضوع مع الإشارة إلى أن هذا الإهمال ليس خاص بالتشريعات الوطنية، ولكنه يعُم كذلك التشريعات الأممية.

رغم أنه، حسب بعض الإحصائيات المتوفرة، يوجد حوالي 20.000 من المحكوم عليهم بالإعدام من بين 11 مليون معتقل في جميع أنحاء العالم[2]، فإن معايير الاعتقال المطبقة على الأشخاص الذين يواجهون عقوبة الإعدام أو المحكوم عليهم بها لا تأخذ في الاعتبار السياق الخاص الذي يعيشونه، علما أن المعتقلين المحكومين بعقوبة الإعدام غالبًا ما يوجدون في أحياء محددة ومغلقة، يعيشون ظروف اعتقال قاسية تتوقف فيها كل علاقة مع العالم الخارجي، بالإضافة الى المعاناة من التمييز.

ففي بعض البلدان، تكون الأحكام بالإعدام مصحوبة بطرائق تطبيق مختلفة يحددها القانون. وفي الواقع المغربي، حاليا، عقوبة الإعدام تعني بشكل استثنائي أنه، مبدئيا، يجب على المعتقل أن يقضي بقية حياته في السجن.

 

إن عقوبة الإعدام هي العقوبة الجنائية الأشد، التي يمكن فرضها. وقد يكون بعض السجناء الذين صدرت بحقهم هذه العقوبة خطيرين للغاية، لأنهم ارتكبوا في بعض الأحيان جرائم فظيعة. وقد يشكلون تهديدًا حقيقيًا للسلامة العامة إذا استطاعوا الفرار. فتقع على عاتق إدارات السجون مسؤولية ضمان عدم هروب هؤلاء السجناء وعدم تشكيلهم تهديدًا للموظفين أو السجناء الآخرين. وبالتالي، فإن العناية بهم بطريقة لائقة وإنسانية، مع الحفاظ على سلامة الآخرين، تشكل تحديًا كبيرًا لإدارة السجون.

ومن جهة أخرى، تشكل مراقبة السجين المحكوم عليه بالإعدام مصدراً للتوتر العصبي، نظرا لطبيعة الجريمة المرتكبة من طرف هذا الأخير، أو اعتبارا لشخصيته التي عموما ما تكون مضطربة، بسبب طول مدة التي يقضونها في حالة اعتقال. فقد يحصل، مثلا، أن يتم إخضاع السجناء لنظام العزلة لمجرد أنه حُكم عليهم بالإعدام، علما أن فترة الاستئناف القانوني ضد حكم الإعدام يمكن أن تكون طويلة نسبيًا في بعض الأحيان. ولا شيء يبرر لهؤلاء السجناء احتجازهم في الزنزانات الانفرادية قبل الحكم النهائي عليهم بالإعدام. فتصبح ظروف الاعتقال مشددة بشكل مفرط لسبب بسيط، وهو الحكم عليهم بالإعدام.

إلا أنه يجب على موظفي السجن، المسؤولين عن مراقبة السجناء المحكوم عليهم بالإعدام أن يقوموا بمهمتهم بطريقة إنسانية بشكل خاص. ويجب ممارسة هذه الإنسانية في المقام الأول تجاه الشخص المدان، ولكن أيضًا فيما يتعلق بأسرته. لهذا، ينبغي اختيار موظفي السجون الذين يتعاملون مع السجناء المحكوم عليهم بالإعدام بعناية. ويجب أن يتم تدريبهم ودعمهم خصيصًا لهذا الغرض.

فإذا كان القانون الدولي لحقوق الإنسان، فيما يتعلق بحقوق السجناء، ولا سيما قواعد مانديلا، يعترف بالحماية العامة للأشخاص المحرومين من حريتهم، إلا أنه لا يوجد نص محدد في القانون الدولي لحقوق الإنسان أو في القانون الإقليمي لحقوق الإنسان، فيما يتعلق بظروف الاعتقال ومعاملة المحكوم عليهم بالإعدام، على الرغم من أن لديهم نقاط ضعف محددة واحتياجات خاصة، بما في ذلك قواعد مانديلا نفسها.

ففي الوقت الذي نلاحظ فيه حدة النقاش والترافع حول موضوع عقوبة الإعدام وضرورة إلغائها، نسجل الصمت المزعج حول موضوع ظروف اعتقال المحكومين بالإعدام. كأن أولوية الإلغاء شغلت المهتمين بحقوق السجناء المحكومين بالإعدام. كما هو الشأن بتعليق الأمم المتحدة العام رقم 36 المعتمد في 30 أكتوبر 2018 والذي يتعلق بتحليل المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[3].

كما أن المبادئ التوجيهية للاتحاد الأوروبي بشأن حقوق الإنسان لا تشير إلا بطريقة محدودة إلى مسألة هشاشة هذه الفئة أثناء اعتقالها ومعاملة المحكوم عليهم بالإعدام[4] وعلى المستوى الأفريقي، فإن التعليق العام رقم 3 للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بشأن الحق في الحياة، والذي تم اعتماده في نوفمبر 2015، يظل صامتًا أيضًا بشأن هذه القضية[5].

 

إن ظروف اعتقال ومعاملة المحكوم عليهم بالإعدام صعبة، وبشكل خاص على مستوى بعض الحقوق الأساسية في أماكن الحرمان من الحرية. فقد رصدت بعض التقارير العديد من الملاحظات تتعلق بالحرمان من بعض الحقوق وخصوصا تلك المتعلقة بالتطبيب والإدماج الاجتماعي، كالحق في التكوين المهني او المشاركة في العديد من النشطة المنظمة من طرف المؤسسات السجنية، ... ناهيك عن عدم استفادة الكثير من هذه الفئة السجنية، لأسباب اجتماعية، من الزيارات العائلية[6].

وكما هو معلوم، فإن الأفراد المحكوم عليهم بالإعدام معرضون لخطر المشاكل النفسية والاجتماعية، ومن المحتمل أن تتسبب في انعزالهم عن المجتمع واعتمادهم، تضر بصحتهم، وبالتالي قد تمجتمع ككل، وقت إطلاق سراحهم المحتمل.

ويمكن التغلب ومعالجة هذا الوضع بتوفير فرص العمل والأنشطة التعليمية أو غيرها للسجناء المحكوم عليهم بالإعدام. وباعتبار ان هذه الفئة السجنية قد تعاني من عدم التواصل المستمر مع العالم الخارجي، سيحتاجون إلى مزيد من الدعم أثناء عملية إعادة التأهيل. ولكي يتمكن الشخص المحكوم عليه الإعدام من الحفاظ على توازنه العاطفي والجسدي طوال فترة سجنه وإعادة دمجه بأمان في المجتمع في يوم من الأيام، يجب أن يكون قادرًا على الحفاظ على الروابط والاتصالات العائلية وتطويرها.

فبرامج من هذا النوع، لا تساعد في تحفيز النزلاء فحسب، بل تساعدهم أيضًا على التعامل مع الصعوبات الماضية أو الحالية. كما يسمح لموظفي السجن التوفر على وسائل إضافية لتقييم التقدم الذي يحرزه كل سجين.

وكخلاصة، يجب أن يكون الهدف الأساسي لمعاملة السجناء، بما فيهم المحكومين بالإعدام هو إصلاحهم وإعادة إدماجهم في المجتمع، استحضارا لإمكانية إطلاق سراحهم، خصوصا وأنه في الواقع المغربي تبقى إمكانية الإفراج واردة بالنسبة لهذه الفئة السجنية. وبالتالي، يجب أن يسعى نظام المؤسسة السجنية إلى تقليص الفوارق التي قد توجد بين الحياة في السجن والحياة الحرة، من أجل ترسيخ إحساس السجين بالمسؤولية أو احترام كرامته الشخصية، والاستعداد للعيش في المجتمع في أمان تام، بعد حبسهم لفترة كافية تعكس خطورة الجرائم المرتكبة.

كما يجب التأكد من أن الظروف الفعلية لاعتقال المحكوم عليهم بالإعدام تحترم الكرامة الإنسانية وتتوافق مع المعايير الدنيا المقبولة عمومًا لاحتجاز جميع السجناء، وفقًا للقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد مانديلا) التي اعتمدتها الأمم المتحدة، مع تقييم شخصية واحتياجات كل سجين محكوم عليه بالإعدام، في أقرب وقت ممكن بعد ولوجه السجن، بهدف تحديد برامج التدريب والعلاج الاختيارية المناسبة.

وعلى المستوى النفسي يجب وضع برامج تراعي التغيرات في سلوك السجناء في علاقاتهم الشخصية وفي دوافعهم فيما يتعلق بأهداف العمل والتعليم، وكذا برامج تثقيفية وأنشطة دينية وترفيهية، وخاصة الرياضة، تهدف إلى مساعدتهم على الحفاظ على قدراتهم الشخصية وتحفيزها، لاستخدامها وفقا لاحتياجات الرعاية الفردية الخاصة بهم.

كما يجب تحفيز الشعور بالمسؤولية لديهم من خلال تشجيع مشاركتهم في جميع الجوانب المناسبة للحياة في السجن، وإتاحة فرص للسجناء المحكوم عليهم بالاعدام للتواصل والتبادل الاجتماعي مع العالم الخارجي بمساهمة المجتمع المدني والأخصائيين الاجتماعيين والمتطوعين لمساعدة موظفي السجون في الحفاظ على هذه العلاقات وتعزيزها.

ومساهمة منا في الحفاظ على حقوق المعتقلين المحكومين بالإعدام، نقترح إضافة مادة تشير إلى حق هذه الفئة من بعض الحقوق الأساسية، وذلك على غرار الفئات الهشة التي أشرنا إليها في مقالات سابقة:

* المادة ...:" يخضع المحكوم عليهم بالإعدام لنظام الاعتقال الانفرادي حسب الإمكان. 

يستفيد المعتقلون المحكومون بالإعدام من الحق في الحصول على رعاية طبية وقائية وعلاجية كافية، بما في ذلك رعاية في طب الأسنان وطب العيون والطب النفسي.

يستفيد المعتقلون المحكومون بالإعدام من غذاء ملائما، يعد ويقدم على النحو الملائم في أوقات الوجبات العادية بكمية ونوعية تستوفيان معايير التغذية السليمة والنظافة والاعتبارات الصحية، وينبغي أن يتاح لكل معتقل محكوم بالإعدام، في أي وقت، مياه شرب نظيفة.

تشرك المؤسسة السجنية هذه الفئة السجنية في البرامج التربوية والأنشطة الثقافية والرياضية."

يتبع

 

عبد الحق الدوق/ خبير في مجال حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية ورئيس سابق لقسم حماية حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية بالمجلس الوطني لحقوق الانسان

 

[1]  المادة 142: "يمكن ترحيل المحكوم عليهم بالإعدام إلى مؤسسة تتوفر على حي معد لهذه الفئة من المعتقلين بمجرد النطق بالحكم."

المادة 143: "يخضع المحكوم عليهم بالإعدام لنظام الاعتقال الانفرادي حسب الإمكان.

يجب إيلاء المحكوم عليهم بالإعدام عناية خاصة تمكن من دراسة شخصيتهم وتتبع حالتهم النفسية والحفاظ على توازنهم بشكل يستبعد معه احتمال كل محاولة هروب أو انتحار أو إضرار بالغير.

تجرى الفسح قدر الإمكان بأفنية خاصة بالحي، ويلزم المعتقلون عند الاقتضاء بارتداء الزي الجنائي.

يمكن السماح لهم بمزاولة بعض الأشغال بعد استشارة الطبيب والمشرف الاجتماعي وبعد اتخاذ الإجراءات الأمنية الضرورية."

المادة 144: "يستفيد المحكوم عليه بالإعدام من زيارة أفراد عائلاتهم وأوليائهم وأصهارهم، ويمكنهم التوصل مباشرة من هؤلاء وتحت مسؤوليتهم بالمؤن التي يتعين زوارها بكل دقة من طرف إدارة المؤسسة.

لا يمكن للمحكوم عليهم بالإعدام التوصل بالمؤن الغذائية الموجهة إليهم بواسطة طرود أو خارج الإطار المسموح به في الفقرة الأولى أعلاه.

يستفيد المحكوم عليهم بالإعدام خلال هذه الوضعية من الاتصال بدفاعهم ضمن الشروط المنصوص عليها في المادة 80 من القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية.

تتخذ إدارة المؤسسة جميع الاحتياطات الأمنية لتمر الزيارة في ظروف سليمة."

المادة 145: "يمنع في أي حال من الأحوال تبليغ المحكوم عليه بالإعدام بقرار رفض طلب العفو."

[2]  https://www.acatfrance.fr/public/dp-cond-det-couloir-acat.pdf

[3]  https://www.ohchr.org/sites/default/files/Documents/HRBodies/CCPR/GCArticle6/GCArticle6_FR.pdf

 

[4] https://www.consilium.europa.eu/media/30854/qc8308123frc.pdf

[5]   https://www.pulp.up.ac.za/legal-compilations/observation-generale-n-3-sur-la-charte-africaine-des-droits-de-l-homme-et-des-peuples-le-droit-a-la-vie-article-4

[6]  لابد وأن نشير هنا أن المجلس الوطني لحقوق الانسان قام ببحث ميداني بتاريخ 10 أكتوبر 2016 واستمر عدة شهور، حيث كان لنا الشرف في الاشراف على البحث وتنظيم الزيارات لكل المؤسسات السجنية التي كان يتواجد بها المحكومون بالإعدام، من طرف فرق المجلس الوطني لحقوق الانسان وبعض لجانه الجهوية وكذا استخلاص الملاحظات وتقديم التوصيات وعرض النتائج.