10.2. الفئات في وضعية هشاشة
4.10.2. حقوق المعتقلين في وضعية إعاقة:
سبق وأن ذكرنا في الحلقة 15 ضرورة الاهتمام بفئة المعتقلين في وضعية إعاقة باعتبارهم في وضعية هشاشة. فكل المؤسسات السجنية تواجد الأشخاص في وضعية إعاقة، جسدية أو عقلية. ومن المعلوم أن هذه الفئة لا تمثل مجموعة متجانسة. وهذا ما أفدت به الفقرة 2 من المادة 1 "اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة[1]": "ويشمل مصطلح” الأشخاص ذوي الإعاقة “ كل من يعانون من عاهات طويلة الأجل بدنية أو عقلية أو ذهنية أو حسّيَة، قد تمنعهم لدى التعامل مع مختلف الحواجز من المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين.[2]" وهذا ما ورد في المادة الأولى من مشروع قانون 23-10.
نعتبر أن هذا المشروع كان واضحا في مناهضة كل تمييز مبني على الإعاقة، وذلك في المادة 62 التي أكدت في الفقرة 2 أنه: " يمنع أي تمييز في المعاملة بين المعتقلين بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة، أو الإعاقة أو أي وضع شخصي مهما كان."
إلا أنه لم يأت بتفاصيل حول حقوق هذه الفئة السجنية، اللهم ما جاء بشكل عام في الفقرة 2 من ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ 64: "يستفيد المعتقل من المساعدة الاجتماعية والمواكبة الطبية والنفسية بتعاون مع القطاعات والهيئات ﺍﻟﻤﺨﺘﺼـﺔ في حدود الإمكانيات المتوفرة.
تستفيد الفئات في وضعية هشاشة المشار إليها في المادة الأولى من هذا القانون من رعاية خاصة تتناسب مع احتياجاتها وأوضاعها."
فعبارة " رعاية خاصة تتناسب مع احتياجاتها وأوضاعها" لها أهميتها، ولكنها لا تحدد نوعية الاحتياجات ولا طبيعة الرعاية، وهذا المعنى كان واردا بالمادة 125 من قانون 98-23، رغم الاختلاف الطفيف في الصياغة، حيث تكلمت عن "تخصيص نظام ملائم لحاجيات المعاقين"[3].
جاء في الفقرة 2 من القاعدة 5 من قواعد مانديلا: " تُهيّئ إدارات السجون جميـع الترتيبـات التيـسيرية والتعـديلات المعقولـة لـضمان معيـشة السجناء ذوي الإعاقـات البدنيـة أو العقليـة أو غيرهـا مـن الإعاقـات في الـسجن بـشكل كامـل وفعَّال على أساس من المساواة."
وتفسير معنى الترتيبات التيسيرية نجده في "اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" في الفقرة 4 من المادة 2: ” الترتيبات التيسيرية المعقولة “ تعني التعديلات والترتيبات اللازمة والمناسبة التي لا تفرض عبئا غير متناسب أو غير ضروري، والتي تكون هناك حاجة إليها في حالة محددة، لكفالة تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة على أساس المساواة مع الآخرين بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وممارستها؛"[4]
كما أن هذه الاتفاقية صرحت في الفقرة 2 من المادة 14: " تكفل الدول الأطراف في حالة حرمان الأشخاص ذوي الإعاقة من حريتهم، نتيجة أية إجراءات، أن يخول لهم، على قدم المساواة مع غيرهم، ضمانات وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وأن يُعاملوا وفقا لأهداف ومبادئ هذه الاتفاقية، بما في ذلك توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة لهم."
فالأشخاص في وضعية إعاقة يواجهون عدة صعوبات، بما في ذلك التمييز في الوصول إلى الخدمات والتعليم. ومن ثم يمكن أن تؤدي الترتيبات التيسيرية المعقولة إلى توفير المعدات كأجهزة السمع أو العكازات أو الكراسي المتحركة أو تمكين السجناء الصم من الاستعانة بمترجمين فوريين للغة الإشارة في البرامج التعليمية أو الاستشارات الطبية. كما يجب تمكين السجناء ذوو الإعاقة البصرية من الوصول إلى المواد المطبوعة كبيرة الحجم والكتب الصوتية ...
فلا يعقل ألا يتمتع المعتقلون في وضعية إعاقة من إمكانية الوصول إلى الحمام أو ألا يتمكنوا من الوصول إلى ساحات الفسحة أو مرافق الأنشطة الترفيهية، لانعدام كرسي متحرك أو الولوجيات. كما أن من الترتيبات التيسيرية المعقولة توفير وسائل نقل مجهزة لنقل الأشخاص ذوي الإعاقات الجسدية.
إن ظروف الاعتقال قد تساهم في تفاقم الظروف الصحية السيئة وتفاقم الإعاقات الموجودة مسبقًا. فعند إدانتهم، يجب دائمًا، بعد التقييم الأولي، إرسال السجناء ذوي الإعاقة الشديدة إلى بيئات تلائم وضعهم وتسهل مراقبتهم، ولكن ليس هذا هو الذي يقع في كثير من الأحيان. وقد تتعقد الأوضاع عندما يتعلق الأمر بالإعاقة الذهنية. فالسجناء في وضعية إعاقة، الذين لا يتلقون العلاج المناسب سيكونون أكثر عرضة لانتهاك القوانين، ويخاطرون بالتسبب في مشاكل سلوكية (والتي ستؤثر على كل من الحراس وزملائهم السجناء)، وستكون احتمالات إطلاق سراحهم المشروط أقل، وبالتالي البقاء في السجن لفترة أطول.
ومساهمة منا في تحسين ظروف اعتقال الأشخاص في وضعية إعاقة فإننا نقترح ما يلي:
* صياغة مواد تتعلق بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، مستوحاة مما جاء في مذكرة السيد المندوب العام، المذكورة أعلاه، منها:
- المادة ...: "تهيئ الإدارة المكلفة بالسجون بنايات المؤسسات السجنية لجعلها أحسن ولوجية وملائمة لحاجيات الأشخاص في وضعية إعاقة؛
يؤوى هؤلاء السجناء بأحياء وزنازين وغرف تناسب حاجياتهم وخصوصياتهم؛
اقتناء معينات ومعدات تقنية ملائمة لهذه الفئة من الأشخاص؛
تأهيل وسائل النقل عند الترحيل الإداري أو القضائي لتلائم خصوصيتهم عند الحاجة؛"
- المادة ...: "اشراك الأشخاص في وضعية إعاقة بالبرامج التربوية والأنشطة الثقافية والرياضية، والتنسيق في ذلك مع المصالح الحكومية الوصية محليا وجهويا وكذا مع الجمعيات المختصة أو المهتمة."
- تضاف إلى المادة 70[7] من مشروع قانون 23-10 الفقرة التالية:
" احداث ولوجيات بالمرافق الإدارية وبالمرافق التي يرتادا الزوار."
ونظرا لما قد يتعرض له بعض السجناء ذوو الإعاقة العقلية من تدابير تقييدية غير متناسبة، وقد تُستخدم لفترات طويلة من الزمن، كوضعهم في الحبس الانفرادي، من أجل تجنب أي مشاكل سلوكية، فإننا نقترح:
* إضافة مادة تفيد الأخذ بعين الاعتبار وضعية الإعاقة الذهنية للمعتقل، على غرار ما جاءت به الفقرة 3 من القاعدة 39 من قواعد مانديلا: " علـى إدارات الـسجون أن تنظـر قبـل فـرض جـزاءات تأديبيـة في مـدى وكيفيـة إسـهام مرض السجين العقلي أو إعاقة نموِّه في سـلوكه وفي ارتكابـه المخالفـة أو الفعـل الـذي يـستوجب الجزاء التأديبـي. ولا يجوز لإدارات السجون معاقبة سجين على أيِّ سلوك يعتبر نتيجـة مباشـرة لمرض السجين العقلي أو إعاقته الذهنية."
- إضافة مادة تمنع وضع المعتقلين في وضعية إعاقة في الزنازين التأديبية أو في العزلة، إدا ما كان ذلك سيسبب تفاقم حالتهم، كما ورد في الفقرة 2 من القاعدة 45: " حظر فرض الحبس الانفرادي علـى الـسجناء ذوي الإعاقـة العقليـة أو البدنيـة إذا كـان من شأن هذه التدابير أن تؤدي إلى تفاقم حالتـهم. وينطبـق حظـر اسـتخدام الحـبس الانفـرادي والتــدابير المماثلــة عنــدما يتعلــق الأمــر بنــساء أو أطفــال، علــى النحــو المــشار إليــه في معــايير الأمم المتحدة وقواعدها في مجال منع الجريمة والعدالة الجنائية."
وفي ختام هذا الموضوع، نقول إنه عندما يُحرم الأشخاص من حريتهم، فإنهم لا يفقدون حقهم في الكرامة، بما في ذلك الأشخاص في وضعية إعاقة. ومن مؤشرات احترام حق الأشخاص ذوي الإعاقة في الكرامة بشكل خاص، من خلال قدرتهم على التحرك بشكل مستقل في أماكن الحرمان من الحرية.
يتبع
عبد الحق الدوق/ خبير في مجال حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية ورئيس سابق لقسم حماية حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية بالمجلس الوطني لحقوق الانسان
[1] https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/convention-rights-persons-disabilities
[2] أما التعريف في الظهير الشريف رقم 1.16.52 صادر في 19 من رجب 1437(27 أبريل 2016) بتنفيذ القانون الإطار رقم 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، في المادة 2، فقد جاء كالتالي: "يقصد في مدلول هذا القانون الإطار ب:
الشخص في وضعية إعاقة: كل شخص لديه قصور أو انحصار في قدراته البدنية أو العقلية أو النفسية أو الحسية، بصورة دائمة، سواء كانت مستقرة أو متطورة، قد يمنعه عند التعامل مع مختلف الحواجز، من المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين؛"
[3] الفقرة 2 من المادة 125 من قانون 98-23: " تجهز هذه المصحة تبعا لأهمية المؤسسة السجنية واختصاصها، على ألا يقل ما بها من تجهيزات، عما هو موجود بمستوصفات القطاع العام، للتمكن من تقديم العلاجات والإسعافات المناسبة للمرضى، ومـن تخصيص نظام ملائم لحاجيات المعاقين، والمصابين بأمراض مزمنة، ومن عزل المصابين بأمراض معدية."
[4] ذكرت المادة 2 من القانون الإطار، المذكور أعلاه، بالحرف هذا التعريف.
[5]
https://ccdh.org.ma/ar/article/wrsh-tdwly-hwl-mqtrh-qnwn-yrmy-l-tgyyr-wttmym-lqnwn-ltr-rqm-9713-wmqtrh-qnwn-hwl-lwlwjyt#:~:text=%D9%86%D8%B8%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3%20%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%20%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82%20%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86,%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%20%D8%B1%D9%82%D9%85%2010.03%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%82%20%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7%D8%AA
[7] المادة 70: "تجرى الزيارات في مزار دون فاصل مع اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لمنع تسريب الأشياء والمواد الممنوعة.
يحتفظ مدير المؤسسة السجنية بصلاحية تقرير إجراء الزيارات في مزار بفاصل في الحالات الآتية:
إذا كانت هناك أسباب خطيرة يخشى معها وقوع حادث؛
في حالة وقوع حادث أثناء الزيارة؛
بطلب من الزائر أو المعتقل."