يرى خالد شيات، أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الأول بوجدة، أن التوتر بين حركة حماس وإسرائيل لم يخمد لمدة سنوات، مشيرا بأن تغير اليوم، هو أن هذه الحرب كانت اختيار فلسطيني عبر حركة حماس، وبأجندة فرضتها حركة حماس، مما يعني وجود تحول في الاستراتيجية والتصور والممارسة العسكرية، وهي أمور مستحدثة وجديدة. وأضاف بأن حركة حماس ستجد الكثير من الأدوات والأشياء التي تقول بشرعية هجومها على إسرائيل : الهجومات المتكررة على المسجد الأقصى، الاعتداء على المقدسات الإسلامية، الجمود المطلق للحل السياسي الذي اختارته بعض الدول العربية الى جانب السلطة الوطنية الفلسطينية..
كما تطرق محاورنا إلى تداعيات الوضع الداخلي في إسرائيل في ظل الحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثون بقيادة نتنياهو، والتي أدخلت إسرائيل في مجالات من التقاطب الداخلي الحاد، والذي قد يؤدي إلى نوع من الانشطار على مستوى المؤسسات الداخلية بما فيها المؤسسات المخابراتية والعسكرية، فضلا عن عامل تطرف الحكومة الإسرائيلية والتي ساهمت في تأجيج الوضع وأعطت الانطباع بأنه لا أفق لحل القضية الفلسطينية.
كيف تقرأ عودة التوتر وبشكل قوي بين حركة حماس وإسرائيل؛ ماهي أسباب ذلك؟
جوابا عن سؤالكم، يسجل في هذا الإطار استمرار التوتر بأشكال جديدة، فالتوتر بين حركة حماس وإسرائيل لم يخمد لمدة سنوات من الآن، فلا تخمد حروب إلا تبدأ أخرى، وأعتقد أن الجبهات كانت دائما بمعايير ورؤى واستراتيجيات تتحكم فيها إسرائيل، وما تغير اليوم – وهذا مطروح للنقاش – هو أن هذه الحرب باختيار فلسطيني عبر حركة حماس، وبأجندة فرضتها حركة حماس، وبمكان فرضته أيضا، وبالتالي هناك تحول في الاستراتيجية والتصور والممارسة العسكرية، وهي أمور مستحدثة وجديدة، أما من الناحية العملية فأعتقد أن حركة حماس ستجد الكثير من الأدوات والأشياء التي تقول بشرعية هجومها على إسرائيل: الهجومات المتكررة على المسجد الأقصى، الاعتداء على المقدسات الإسلامية، الجمود المطلق للحل السياسي الذي اختارته بعض الدول العربية الى جانب السلطة الوطنية الفلسطينية، وغير ذلك من الأدوات التي يمكن أن تستند إليها بشكل منطقي ومعقول، وأعتقد أن هناك عامل آخر يتعلق بالحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثون بقيادة نتنياهو والتي أدخلت إسرائيل في مجالات من التقاطب الداخلي الحاد، أي أن ما كان يجمع إسرائيل سابقا هي تلك اللحمة المرتبطة بالدولة، ويبدو أن هذا التقاطب الاجتماعي أصبح حادا ومتناقضا أيضا، بمعنى أنه قد يؤدي الى نوع من الانشطار على مستوى المؤسسات الداخلية بما فيها المؤسسات المخابراتية والعسكرية وغيرها، ويمكن أن يكون هناك عامل آخر، وهو تطرف الحكومة الإسرائيلية اليوم، حيث ساهمت في تأجيج الوضع وأعطت الانطباع بأنه لا أفق لحل القضية الفلسطينية على المستوى السلمي، ويبدو أن أفق التوتر دامس بشكل كبير جدا ولا يمكن توقع نتائجه .
هل يمكن القول إن التوتر مرتبط بسياق دولي يطبعه التوتر بين القوى العظمى ؟
يصعب الحديث عن تورط قوى معينة في هذا التوتر، ولكن هناك انشطار على المستوى الدولي وتقاطب حاد، بمعنى أن إسرائيل كانت تقوم والى حدود اليوم على فكرتين أساسيتين: الفكرة الأولى وهي مفهوم العداء المحيط، وقد أصبح هذا المفهوم متآكلا، حيث ويبدو أن إسرائيل تحكمت بشكل كبير في محيطها المباشر، ولكنها تمادت في استعمال التفوق الاستراتيجي العسكري ضد هذا المحيط الذي تعاملت معه بهذا العداء، هذا العداء الاستراتيجي ارتبط بعداء عقدي: حكومة اسرائيلية متطرفة ذات صبغة دينية طافحة، وطرح سؤال من هو العدو، هل هو عدو داخلي أم عدو داخلي، وهو الأمر الذي أسقط إسرائيل في نوع من التناقض، والمسألة الثانية أن وجود اسرائيل بني على أساس وجود علاقة قوية مع قوى دولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وأعتقد أن هذه الحماية التي كانت توفرها الولايات المتحدة الأمريكية بالأساس لم تعد بنفس القدر ونفس الأهمية، وهناك أيضا تحولات على المستوى الديمغرافي، وعلى المستوى القيمي، وعلى المستوى الأمني..وأعتقد أن هذا التقاطب الحاد على المستوى الدولي أعطى تأثيرا آخر في اتجاه القوى المعادية لإسرائيل، فالكون أصبح أرضا واسعة لله ولا تتحكم فيه الولايات المتحدة الأمريكية، فهناك قوى أخرى يمكن أن تناطح هذه القوى وأن تجابهها، قد تكون هناك قراءات شكلية بأنا تدعم السلام، ولكنها يمكن أن تجد في دعم طرف معين ولا سيما طرفا معاديا لإسرائيل خيارا على المستوى الاستراتيجي، وهذا أمر قد يكون مناسبا لها.
هل ينبؤ التسلل الذي حصل عن تحضير مسبق ووجود عدة وعتاد لدى الفلسطينيين أم أن إسرائيل كانت تتحين الفرص لدك غزة دكا؟
استراتيجيا يبدو هناك نوع من التناقض على مستوى تقبل الهجوم الفلسطيني بهذا الشكل، طبعا هجمات صواريخ خماس يمكن أن تصيب بعض المدن وبعض الأماكن، ولكن بالنسبة للتسلل البشري وبالآليات فهذا أمر كان يصعب تصوره، وعلى كل حال ففي كل جدران العالم يمكن ان تكون هناك مداخل لتجاوز هذه الخطوط كما حدث في حرب أكتوبر 1973، وأعتقد أن هناك أسباب لابد أن تكون مرتبطة بالداخل الإسرائيلي: السيناريو الأول وهو أن هناك جهة داخل إسرائيل تريد أن تحرك هذه البركة الراكدة وتريد أن تكون منطلقا لتصورات جديدة، والسيناريو الثاني مرتبط بتحييد حماس نهائيا من منظومة المقاومة والدخول في علاقات جديدة مع المحيط وفي مفهوم العداء مع حكومة أخرى ذات طبيعة مدنية، وهي كلها ترتيبات يصعب الآن التكهن بها، ويبقى المجهود العسكري الذي قامت به حماس استثنائيا وغير مسبوق مع بعض مظاهر التعامل غير المقبولة في التعامل مع المدنيين، وإن كانت حماس تقول بأن هؤلاء المدنيين هم أشخاص يدخلون في خانة الجنود الاحتياطيين، وربما قد فهمت حماس اليوم أن الحرب مع إسرائيل يجب أن تكون بخطة أخرى لا تخدم إسرائيل، لأن إسرائيل كانت دائما تريد أن تكون الحروب خاطفة لا تتجاوز شهر أو شهر ونصف، وربما تكون حماس قد خططت بتنسيق مع حلفائها (ربما إيران وحزب الله الخ) لكي تكون هذه الحرب مستمرة على المستوى الزمني، لأن إسرائيل لا يمكنها أن تقاوم في حرب تمتد لمدة شهور، لكونها تجند أكثر من 18 من ساكنة إسرائيل الذين يعتبرون جنود احتياط، وهذا مكلف من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، اذا ربما حماس لا تريد الخروج من هذه الحرب غذا أو بعد غذ ولا تريد أن تكون هذه الحرب خاطفة لمدة شهر غلى شهرين بل تريد حرب استنزاف كبيرة يمكن أن تؤدي الى نتائج كبيرة جدا، كما يمكن أن تكون بداية لإسرائيل لكي تحيد حماس أيضا من المعادلة السياسية للحل النهائي في فلسطين .
هناك من يربط هذا التوتر بحكم نتنياهو الذي دام فترة طويلة والى وجود صراعات داخلية بين السياسي والعسكري وأيضا بين الأحزاب السياسية الإسرائيلية، ما رأيك؟
هناك تقاطبات حادة على مستوى الداخل الإسرائيلي، ويبدو أن التقاطب أصبح بين اتجاهين لا ينتميان إلى نفس المنظومة السياسية وإن كان ينتميان إلى منظومة واحدة من الناحية الدولتية، لذلك فهذا عامل أساسي، فنتنياهو ومن أجل البقاء في الحكومة غامر بالتحالف مع جهات أكثر تطرفا، حتى أن هناك وزراء في حكومته كانوا ينتمون إلى بعض الجماعات المتطرفة والتي كانت تعتبر جماعات إرهابية حتى داخل إسرائيل، وهذا الأمر يعطينا صورة حول كيفية تعامل هؤلاء اليوم حول القضايا التي تهم الفلسطينيين وتهم الأرض والقدس واللاجئين والمستوطنات، وهي أشياء تستفز اليوم وتجعل إمكانية العيش المشترك اليوم شبه مستحيلة، لذلك فهذا التقاطب الحاد بإسرائيل أدى الى ما نعيشه اليوم على مستوى غزة وأدى الى هذا التناقض على المستوى الواقعي والى ترهل دولة إسرائيل، هذه الدولة التي لا يمكن أن تستمر في الوجود إلا على أساس العداء الذي يؤدي الى وحدة الدولة، وبالتالي فاستنفار هذه المسألة مع حماس قد يكون عاملا لإعادة التركيب داخل إسرائيل، وإعادة اللحمة للإسرائيليين لمواجهة العدو المشترك الذي يكون دائما إما الفلسطينيون أو العرب، وربما هذه الحرب قد تخدم الوحدة الإسرائيلية الداخلية وإعادة تركيب مفهوم العداء الخارجي، وبالتالي تصدير الأزمات على المستوى الداخلي وأيضا على المستوى الخارجي وإن كانت ستكون لها تبعات وتكلفة كبيرة جدا والتي لم يسبق لها أن عاشتها على مستوى تاريخها الممتد أو على الأقل خلال 50 سنة الأخيرة.