بعد سنوات من الانتظار بسبب تعثر مشروع مراجعة القانون الجنائي، وقانون المسطرة الجنائية، صادقت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب يوم أكتوبر 2003 على مشروع قانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، وهو المشروع الذي ميز بين أربعة أنواع من العقوبات البديلة، ويتعلق الأمر بـ «الغرامة اليومية، العمل لأجل المنفعة العامة، المراقبة الإلكترونية، وتقييد بعض الحقوق وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية».
وإن كان مشروع قانون العقوبات البديلة يندرج في سياق مجموعة من الإصلاحات التشريعية التي تهدف إلى إعادة النظر في فلسفة العقاب، ومواجهة معضلة الاكتظاظ الذي تعرفه السجون (100 ألف سجين حاليا بالمغرب)، وتوفير تكاليف معيشتهم داخل أسوار السجن، إلا أن المشرع أغفل المركز القانوني للضحية حين غيب إحساس هذا الأخير بعدم الإنصاف من خلال عدم تطبيق العقوبة الحبسية، ناهيك عن تحديات تطبيق هذا القانون على أرض الواقع لوجستيكيا، وماليا، والنقائص التي تعتريه..، مما يستوجب طرح العديد من الأسئلة: هل تم توفير الميزانية الكافية لتنزيل هذا القانون بالنظر أن كل إصلاح له تكلفته المادية؟، هل تتوفر مندوبية السجون على الموارد البشرية الكافية لمراقبة تنفيذ العقوبات البديلة؟، هل تم تدارك النقص الذي تعاني منه المحاكم بخصوص عدد القضاة؟، هل لدينا شركات مؤهلة لتنفيذ هذه التدابير؟، هل نتوفر على شبكات جيدة وشركات قوية للاتصال تؤمن «الريزو» في كل ربوع المملكة؟.
الحل خارج المحاكم
يبدو أن نجاح هذه التدابير البديلة، موكول لاجتهاد القضاة بالدرجة الأولى، بداية من اختيار العقوبة البديلة المناسبة، ونهاية بتكييفها من كل «متهم» أو «متهمة»، نوع الخدمة العمومية، وتوافقها مع مهنة المحكوم عليه، مما سيشكل عبئا إضافيا على القضاة، خصوصا وأن محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية سبق أن نبه بمناسبة افتتاح السنة القضائية (2023) إلى ارتفاع وثيرة القضايا، مقابل نقص عدد القضاة، مشددا على مطلب الزيادة في عدد القضاة كمطلب آني وأكيد.
وأكد عبد النباوي في كلمة بالمناسبة على: «أن محاكم المملكة تعج بقضايا كان يمكن الفصل فيها خارج النظام القضائي عن طريق الوسائل البديلة، ولاسيما القضايا غير النزاعية مثل إثبات الحال، أو توجيه الإنذار، والمعاينات وما في حكم ذلك. كما أن بعض النزاعات البسيطة، يمكن حلّها خارج المحاكم، سواء في المادة الزجرية أو المدنية عن طريق وضع آليات تحكيمية وعدالة تصالحية محفزة للأطراف».
تدبير العمل لأجل المنفعة العامة
يتمثل تدبير العمل لأجل المنفعة العامة في قيام الجاني بعمل يعود بالفائدة على المجتمع تكفيرا عن خطئه، دون أن يتقاضى أي أجر عن عمله، لكن هل سيتقبل الضحايا رؤية المجرمين الذين ألحقوا بهم أضرارا مادية أو معنوية أو جسدية، أحرارا طلقاء؟.
الأكيد أن المدانين بعقوبات حبسية سيختارون العمل ولو بدون أجر مقابل الحرية، لكن هل سيتم تسجيل عقوبتهم في صحيفة السوابق أم لا؟ وكيف تستمر مراقبة من يختار هذه العقوبة البديلة في المؤسسة التي سيشتغل لديها، وإلى أي مدى سيكون المدان المعني ملتزما بالعمل، بكل جدية، وهل سيتقبل المجتمع التعايش مع الجاني دون خوف منه، وإلى أي حد ستساهم هذه العقوبة في ردع المعني، وإعادة إدماجه، دون تأهيله إلى ذلك.
ومعلوم أن تدبير العمل لأجل المنفعة العامة بالموافقة، بعد تعديل الأغلبية المرتبط برفع عدد ساعات «العمل لأجل المنفعة العامة»، موازاة مع كل يوم من مدة العقوبة الحبسية للشخص المحكوم بها من ساعتين من العمل إلى ثلاث ساعات، على أساس أن يكون هذا العمل غير مؤدى عنه وينجز لمدة تتراوح بين 40 و3600 ساعة لفائدة مصالح الدولة أو الجماعات الترابية أو مؤسسات أو هيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة أو المؤسسات العمومية، أو المؤسسات الخيرية، أو دور العبادة، أوغيرها من المؤسسات أو الجمعيات أو المنظمات غير الحكومية العاملة لفائدة الصالح العام.
تدبير السوار الإلكتروني في ظل شبكات ضعيفة للأنترنيت
تدبير السوار الإلكتروني يقتضي إطلاق سراح المحكومين بالسجن، وإخضاعهم للمراقبة بارتداء قيد إلكتروني يوضع بمعصم المعني، أو ساقه لرصد تحركاته.
يبدو أن السرعة لإخراج مشروع قانون العقوبات البديلة إلى أرض الواقع يأتي في سياق تفاقم أزمة اكتظاظ السجون التي بلغت مستويات قياسية، إلا أن آليات تطبيق هذه العقوبات البديلة ضعيفة جدا، في ظل ضعف شبكات الأنترنيت في عدد من المناطق بالمغرب، ناهيك عن عدم توفرها ببعض البوادي، فكيف سيتعامل المشرع مع المدانين الذين يقطنون بالقرى النائية، أو في أمكنة لا تتوفر على شبكات للإتصال.
ألن يشجع قضاء المدان لمحكوميته الحبسية في بيته لحالة العود، خصوصا وأن هذا الإجراء لن يكون رادعا له، ولن يحرمه من حريته بشكل كاف، بل هو تدبير للتخفيف من اكتظاظ الساكنة السجنية فقط، ولن «يسمح للأفراد الذين أخطأوا من الاندماج في المجتمع من جديد»، كما أكد مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة في تصريح صحفي سابق.
وهنا نستحضر ما تم أثناء مناقشة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب للتدبير المتعلق ب المراقبة الإلكترونية أو «السوار الإلكتروني»، إذ تمت الموافقة على تعديل للفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية، يقضي بأنه إلى جانب مراعاة تحديد مكان، ومدة هذه العقوبة، يجب مراعاة «خطورة الجريمة، والظروف الشخصية، والمهنية للمحكوم عليه وسلامة الضحايا، ويجب مراعاة كذلك، مقتضى «عدم المساس بالحقوق الشخصية للأشخاص المتواجدين رفقته»، إلا أن المشكل الأساسي في هذا التدبير يكمن في إمكانية محاولة الضحية الثأر من المدان.
تدبير تقييد بعض الحقوق وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية
من أجل حماية المجتمع وإصلاح المجرم بطريقة أكثر إنسانية، وفي محاولة من لتشجيع الإقلاع عن الإدمان كبديل للعقوبات السجنية، تضمن مشروع قانون العقوبات البديلة نصا فرض تدابير تأهيلية أو علاجية كالخضوع لعلاج نفسي، أو العلاج من الإدمان على الكحول والمخدرات والمؤثرات العقلية وأخرى تقييدية كعدم الاقتراب من الضحية والخضوع للمراقبة لدى مصالح الشرطة، والدرك الملكي، والخضوع لتكوين أو تدريب وغيرها، وتعويض أو إصلاح المحكوم عليه للأضرار الناتجة عن الجريمة.
ونص مشروع قانون العقوبات البديلة على التدبير المتعلق بتقييد بعض الحقوق وفرض تدابير رقابية، أو علاجية، أو تأهيلية، في الوقت الذي لازالت الشوارع ملأى بالمختلين عقليا، والمدمنين على الكحول والمخدرات، في ظل قلة مراكز علاج الإدمان، وضعف الإمكانيات العلاجية واللوجستيكية بهاته المراكز، وفي ظل انتشار الأمية، والهدر المدرسي..
ويهدف المشروع إلى توجيه المحكوم عليه نحو التأهيل، والتكوين على مستوى المهن، والحرف التي تتلاءم وإمكانياته المعرفية، في الوقت التي تغلق بعض المؤسسات أبوابها في وجه الراسبين، دون الانفتاح على إمكانية عودتهم للدرس، أو تعلم حرفة ما في أي عمر كان.
تفاصيل أوفر تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية" الوطن الآن"