بينما تتواصل غارات الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة لليوم الخامس على التوالي، وبينما يحصي كل طرف قتلاه، يعقد مجلس جامعة الدول العربية يوم الأربعاء بالقاهرة، دورة طارئة على المستوى الوزاري، بطلب من المغرب ودولة فلسطين، "من أجل بحث سبل التحرك السياسي على المستوى العربي والدولي لوقف التصعيد في الأراضي الفلسطينية ووقف استهداف المدنيين". غير أن التطورات على الأرض تطرح أكثر من تساؤل حول هجوم حماس، وردة فعل الإسرائليين، وأثر الحرب المعلنة على عملية السلام، وعلى الصراع الجيو استراتيجي في الشرق الأوسط.
أولا: لا يمكن على الإطلاق اختزال الفلسطينيين في كتائب عز الدين القسام، ولا يمكن "إعادة ترتيب أوراق القضية الفلسطينية" وفق ما تحاول حماس أن تفرضه على الأرض، أو ما يحاول اليمين الإسرائيلي استغلاله من أجل استعادة التوهج السياسي المفقود على المستوى الداخلي.
ثانيا: لا يمكن بأي حال من الأحوال الاطمئنان إلى الإجابات السهلة لكسر التعاطف والدعم مع الحقوق المشروعة للفلسطينيين، بالقول إن الحرب الشاملة التي تشنها إسرائيل على القطاع عمل مشروع للرد على هجوم إرهابي مفاجئ على مدنيين أبرياء.
ثالثا: الصراع العربي- الإسرائيلي له جذور، والحرب بين الطرفين مستمرة منذ ما قبل 1948، واليمين الديني المتطرف ليس حكرا على المسلمين في قطاع غزة، بل هو موجود في قلب الحكومة الإسرئيلية، وفي أمريكا، وفي أوروبا، وفي كل بقاع الأرض.
رابعا: لا يمكن السماح بتهجير الفلسطينيين القاطنين بقطاع غزة نحو الضفة الغربية أو نحو الأراضي المصرية، لأن هذا المخطط يطمح إلى تصفية الأراضي الفلسطينية من سكانها، خاصة أن حكومة نتنياهو تتحدث عن إجبار الفلسطينيين على الاختيار بين الموت تحت القصف أو النزوح خارج أراضيهم. وهذا يذكرنا بمخطط إبعاد نحو مليون فلسطيني في 1948 وأكثر من 200 ألف فلسطيني بعد حرب يونيو 1967.
خامسا: لا يمكن النظر إلى إعلان البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية عن تحريك حاملة الطائرات وسفن حربية وطائرات مقاتلة إلا بوصفه ورقة بيضاء ممنوحة لإسرئيل من أجل إنتاج توتر رهيب وكبير في المنطقة، وإشعال حرب طاحنة بالمنطقة، وبمشاركة مباشرة لإيران وحلفائها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
سادسا: إذا كان فرض الحصار الشامل محظور بموجب القانون الدولي الإنساني، ويجد تبريره، كما هو واقع على الأرض في "الضرورة العسكرية"، حيث أعلن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت، عن فرض حصار كامل على قطاع غزة، مؤكدا أن الاحتلال قطع المياه والكهرباء والوقود عن القطاع، فإنه يكشف نفاق الغرب ، ما دام ارتياع وسائل إعلامه وحكوماته لا يظهر إلا في حالة سقوط الإسرائليين.
سادسا: لا ينبغي أن ننسى أن إسرائيل هي الطرف المعتدي، وأنها هي التي كانت تبادر دائما بالحرب، وأنها قوة احتلال لعقود متتالية، وأن الفلسطينيين أصحاب أرض وطالبو حق، وأن الطريقة الوحيدة لتحقيق السلام هي ممارسة الضغط الدولي على إسرائيل اليمينية، لحملها على وقف الانتهاكات الصارخة ضد المدنيين العزل.
كما لا ينبغي أن ننسى أن إسرائيل شنت خمسة حروب على غزة خلال 16 عاما من الحصار!
سابعا: لقد أثبت "طوفان الأقصى" أن عيون إسرائيل نائمة. كما كشف أن هزيمة إسرائيل على المستوى العسكري والاستخباراتي ليست بالاستحالة المعبر عنها، خاصة بعدما أخفقت عمليات المراقبة والقوات على الأرض، وحتى القبة الحديدية، في إفشال الهجوم الأرضي والصاروخي الذي شنته كتائب الشهيد عز الدين القسام، حيث تمكنت من تحقيق توغل بري غير مسبوق في مستوطنات غلاف غزة مصحوب برشقات صاروخية ضد مواقع للاحتلال ومدن العمق الإسرائيلي.
ثامنا: ألا تطرح عملية "الطوفان" محاولة لإسكات صوت التطبيع بين السعودية وإسرائيل؟ ألا يخدم الهجوم أجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف، فضلا عن مخططات طهران؟ إن فلسطين ليست هي حماس، وحماس ليست هي فلسطين، والحفاظ على حل الدولتين والحد من التحرشات والاستيطان ودعم الاعتدال هو الوحيد الذي سيسمح بتقويض شرعية حماس، وما عدا ذلك، فإن سيعرض الشرق الأوسط إلى المزيد من الهزات الأرضية، ذلك أن الحرب ليست مجالا لأي تسوية.
تاسعا: الإنجاز الوحيد الذي سيريح حماس وإسرائيل المتطرفة، فضلا عن إيران، هو سحب البساط من تحت اتفاقيات أبراهام وتعرية ظهرها، ونزع كل شرعية ممكنة عن التطبيع، مما سيعرض السلام و"حل الدولتين" للإفلاس، ولمزيد من التأجيل قد يستغرق أجيالا أخرى. بل تتمثل المخاطر الجيوسياسية في أن الحرب قد تتوسع لتشمل لبنان وسوريا، بل قد تشمل حتى الدول المعروفة بموالاتها اللامشروطة لإسرائيل، وعلى رأسها الولات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا.
عاشرا: إن الجواب السياسي على ما يعتبر إخفاقاً لإسرائيل لا يمكن ملؤه بشرعنة الحرب الشاملة على سكان غزة، كما لا يمكن رده إلى ضرورة إزالة الغطاء الأخلاقي والحقوقي لردع تطرف حماس..
الكرة الآن في أكثر من ملعب (منظمة الأمم المتحدة، جامعة الدول العربية، مجلس التعاون الإسلامي)، وكل محاولة لإرضاء تل أبيب أو واشنطن ستقوض عملية السلام، وسترهن منطقة الشرق الأوسط إلى مزيد من الاشتعال.