أنت لست عاديا، إذا كنت تقرأ هذه الافتتاحية، فربما كنت تنتمي إلى أقلية قليلة من سكان المغرب الذين لديهم وظيفة قارة، وولوج كاف للخدمات الحضرية، ولا يتميزون بشغف أو ميول كبيرة لمعرفة مستجدات تدبير الشأن العام. وإضافة إلى ذلك، فإنك تعيش بأكثر من 9000 درهم في الشهر. وبخلاف 16 مليون مغربي، فإنك تتقن القراءة والكتابة، علما أن نسبة المغاربة التي تمتلك جميع هذه العناصر هي نسبة محدودة جدا.
دعني أبرهن لك على ذلك، فالسلطات انتبهت بعد زلزال الحوز إلى أن الجبال تمثل ربع مساحة المغرب ويقطنها ربع المغاربة تقريبا، وبأن الجبال تضخ الزيت في محركات الاقتصاد المغربي بفضل المخزون المائي والمخزون الغابوي والمخزون المنجمي الذي تتوفر عليه.
ولأن هؤلاء المغاربة «المحكورين» استوطنوا الجبل، فإن السياسات العمومية حرمتهم من تملك سكن لائق مقاوم للزلازل ولم يجدوا بديلا من بناء منازل عشوائية بالطوب والحجر. ولأن هؤلاء المغاربة «المحكورين» رضخوا لعملية التثبيث في «رأس الجبل»، فإنهم لم ينعموا بخدمات الطريق والماء والكهرباء و«الريزو». ولأن هؤلاء «المغاربة المحكورين» لم يكن معترفا بهم من طرف الحكومات المتعاقبة على تدبير شؤون المغرب، فإن الوزارات الاجتماعية لم تبرمج المدارس والقناطر والمستوصفات ودور الولادة لزوجاتهم ولأطفالهم. ولأن هؤلاء «المغاربة المحكورين» دراويش ومسالمين، فإن وزارتي الداخلية والمالية لا تعترف بهم لتحويل الضرائب إلى جماعاتهم الترابية حسب المعيار الديمغرافي المحدد لتوزيع الدعم المالي على جماعات المغرب.
صحوة المسؤولين بخطورة الوضع في المناطق الجبلية ازدادت حينما نعرف أن التجمع الترابي الجبلي بالمغرب هو ثاني تجمع بشري بالعالم العربي بعد القاهرة، ويحتل الرتبة 42 على الصعيد العالمي.
صحيح، أن المغرب قسم ترابه إلى 12 جهة، لكنها كانت قسمة ضيزى، ولم تستفد الأقاليم الجبلية من أي توزيع عادل للثروات الوطنية، بالنظر إلى أن الثروات لهفتها مدينة الرباط التي أنفقت فيها معظم موارد المغرب لتزيينها وتجميلها!
إذن ما العمل؟ هل ستستمر السلطات في التعامل مع سكان الجبال كأننا في دولتين منفصلتين: «دولة المدن» و«دولة الجبال»؟ أم على العكس يجب تبني مخطط لرد ا لاعتبار لسكان الجبل مادامت الدولة المغربية واحدة وموحدة؟
من حسن الحظ أن صناع القرار انحازوا إلى السيناريو الثاني، وهو ما ترجمه الحسم الملكي يوم 20 شتنبر 2023 بوجوب تمتيع المناطق المنكوبة بسبب زلزال الحوز من غلاف مالي قدره 120 مليار درهم لإعادة الإعمار (على مدى خمسة أعوام)، وخلق وكالة خاصة بتنمية الأطلس الكبير كذراع للدولة لترميم الجراح.
الخوف هو أن لا يتم تمثل روح السياسة العمومية الواردة في بلاغ الديوان الملكي ليوم 20 شتنبر 2023، وبالتالي الخوف من أن تقع انزلاقات وتلاعبات بمشروع إعادة إعمار ما دمره الزلزال، مثلما حدت في ملف جوهرة الحسيمة والمحج الملكي بالبيضاء والهبة الملكية بسيدي مومن. وبدل أن يكون زلزال الحوز مدخلا لمصالحة المغرب مع الجبل بكل التراب الوطني ومع سكانه، هناك تخوف من أن يتحول إلى «همزة» بيد شناقة السياسة في الحكومة والجماعات الترابية والمكاتب العمومية، مثلما حدث في أزمة كورونا التي انتفخ فيها رصيد «تجار الحرب» على حساب «دم جوف المغاربة».
وبالتالي فإن حدث أي انزلاق في مخطط إعادة إعمار الأقاليم المنكوبة بسبب زلزال 8 شتنبر 2023 وتم التلاعب بملاييره وتم التلكؤ في تنفيذ برامجه، على المسؤؤلين المركزيين الاستئناس بما يقع حاليا في ليبيا وجزيرة مايوت الفرنسية من عنف ومظاهرات احتجاجية بسبب انتفاضة «المحكورين» لاستخلاص الدروس.