وعد فصدق واتخذ القرار لتوجيه الحكومة لإعداد مشروع إصلاح مدونة الأسرة. هكذا هو الملك محمد السادس. يستمع إلى نبض المجتمع، يحلل مظاهر الاختلالات ونتائجها ويحرك آليات التغيير بحكمة وعزم. من منا لا يتذكر المعركة التي قادتها حكومة التناوب عبر مشروع " إدماج المرأة في التنمية". من منا لم ينزعج من تحرك جهات محافظة ورجعية ترى في المرأة ذلك الكائن الذي لا يمكن أن يرقى إلى درجة المساواة مع الرجل والمناصفة.
جهات لا تهمها حماية الأطفال وتوازنهم النفسي والمادي. ولا تهمها أدوار نصف المجتمع في تدبير الدولة والإدارة وتقلدها لأعلى المناصب في مجالات البحث العلمي والطب والقضاء
وغزو الفضاء وقيادة الاقتصاد. ولكن الدولة قالت كلمتها وكان القرار الخاص بمدونة الأسرة تاريخيا ومسؤولا بكل المقاييس في سنة 2004.
ومع مرور الوقت، وبالرغم من إقرار نصوص قانونية تعكس إرادة تحصين مؤسسة الأسرة، وبالرغم كذلك من التقدم الذي طبع التعامل مع حالات الزواج والطلاق والنفقة وحضانة الأطفال، ظهر جليا أن إصلاح المدونة أصبح ضرورة قصوى لمواجهة مظاهر الظلم التي تطال مؤسسة الأسرة وخصوصها الحلقات الأضعف فيها وهي المرأة والأطفال. ظهر نقص كبير في التعاطي مع قضايا الطلاق على مستوى آجال البث فيها. وهذا ينعكس بالطبع على المتضررين من غياب توازن الحقوق والواجبات التي وردت في المدونة.
وتظل الحلقة الأضعف تلك الأم الحاضنة التي لا تسعفها ظروفها المادية لمسايرة إيقاع الجلسات في المحكمة ومتطلباتها من نقل وبحث عن الوثائق وسبل إيداعها وعدم القدرة على اللجوء لمفوض قضائي أو محام أو حتى الحصول على مساعدة قضائية.
كلف ملك البلاد لجنة عليا ووجهها بفتح باب الاستشارة أمام ذوي الاختصاص والعارفين بواقع التوازنات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للأسرة. كثيرة هي النساء وكثير هم الرجال الذين ينتظرون انتهاء أجل ستة أشهر من أجل أن يتم إخراج مشروع قانون يحل كثيرا من معيقات إقرار العدالة الأسرية في كافة أوجهها وضمان حقوق كل مكوناتها. الانتظارات كثيرة ويمكن أن تلخص في ضرورة إقرار ما يلي:
1- تمكين الأم الحاضنة من تسجيل أبنائها بالمدرسة.
2- إقرار قواعد موضوعية ودقيقة لمستوى النفقة مع مساهمة إيجابية وفاعلة للقاضي في حصر ممتلكات ومداخيل الزوج والزوجة. الأمر يقتضي الحد من السلطة التقديرية للقاضي وعدم ترك المتضرر وحيدا للبحث عن البحث عن مكونات ثروة أو مداخيل الزوج أو الزوجة. الأمر القضائي لتحديد موارد الزوج يحتاج إلى رحلة شاقة ومضنية. وفي الأخير تختلف الأحكام من قاض لآخر وقد يتم إنصاف الأسرة تارة وقد تتعرض للكثير من الهشاشة في حالات كثيرة.
3- تحديد الجوانب التي يجب أن تخضع للتغيير في مجال الولاية. الأهم في هذا المجال هو عدم ربط مصير الأطفال بقرار الأب في الحصول على وثائق إدارية كثيرة من ضمنها جواز السفر. قد تكون الأم الحاضنة طبيبة أو عالمة في الفيزياء النووية أو وزيرة أو مشرعة وتجد نفسها محاصرة بقرار من زوجها السابق يمنعها من محاولة إخراج جواز سفر لابنها أو بنتها أو تقديم طلب للحصول على تأشيرة للسفر خارج الوطن. الكل يعرف أن عملية الطلاق في وقتنا الحاضر تحاصرها نوعية علاقات اجتماعية لها وقع على القرار في جملة من القضايا.
4- حدثت حالات رفعت فيها الحضانة عن الأم الحاضنة لمجرد تلاعب متقن الصنع قانونيا ساهم فيه بعض كهنة القانون. وهكذا يهدر دم كائن أسري بمجرد تلاعب بالمواعيد وحضور شهود زور. الأمر خطير ويتعلق بالمسار الدراسي والصحي والنفسي للأطفال.
5- المرأة قد تكون أولا تكون سببا في حدوث الطلاق. ولكنها تظل هي المطالبة بتبرير رفضها لعلاقات غير قانونية وغير شرعية قد يقترفها الزوج. ولا يمكن أن تجد حماية قانونية للإفلات من طاغوت جمع الإثباتات لكي تقبل "البينة ". لا تقبل، بالطبع صور الزوج "الزايغ" ولكن كل محاولة لضبط زوجة، قد تتابع ظلما بالخيانة يكون مصيرها في الغالب النجاح في المكان والزمان. وتظل خيانة الزوج مستحيلة الضبط لأن ساعات الليل طويلة على قدرة المحققين وعلى الزمن القانوني.
6- تعيش المرأة المطلقة، بكل أنواع شكل الظلم لوجود حاجز أمام أي قرار منها لارتباط مع إنسان. قرار تجديد حياتها يضعها بين خيارين لا ثالث لهما. الأول فقدان رابطة الحضانة مع من خرج من صلبها وأرضعته إلى بلغ أشده، أو الرضا بقدر غير منصف وعدم قبول أي طلب للزواج قبل أن يبلغ المحضون 15 سنة. كل هذه الشروط الظالمة تظل ذلك السلاح الفتاك وغير العادل الذي يفلت منه الزوج. هذا الأخير له كافة الحقوق "الشرعية" لكي "ينكح مثنى وثلاث و...." . صحيح أن مدونة الأسرة وضعت شروطا لقبول زواج الذكر ولا أقول الإنسان بثانية أو ثالثة، ولكن الحيلة واستغلال الوضعية الإجتماعية للمرأة يسهل قبول الأولى بالأمر الواقع المظلم والظالم.
7- ظلم الأم هو ظلم لباقي مكونات الأسرة. ولا يمكن أن يوجد في القانون الوضعي ولا في المبادىء الكونية المدافعة عن المساواة بين كل أبناء البشر أي سند ديني أو أخلاقي أو حقوقي لهذا الظلم. أنصار الأسرة الابيسية في شكلها المتخلف هم سبب انهيار قيم المجتمعات التي نعيش فيها. يبررون تعدد الزوجات بالغرائز الحيوانية لدى حامل سلاح السيطرة على الإنتاج. ويحاول بعض السدنة تبرير "البطل البعل" ذو الطاقة الأسطورية في الإكثار من النسل. ولكن العلم والواقع يدحض الإفراط في صنع الأباطيل. مؤسسة الأسرة هي رباط وحجر زاوية ولبنة تأسيس للمجتمع البشري منذ آلاف السنين. ولكل من أراد البحث في التاريخ التركيز على دور المرأة في صنع وتمثل القدرات الاستثنائية الأسطورية في مواجهة القوى الطبيعية. تكاثرت "الآلهة النسوية " الأسطورية من الفراعنة إلى الإغريق والرومان وما رافقها من بطولات نسائية لتظهر مكانة المرأة لدى حضارات غابرة. وجاءت الأديان التوحيدية لتنصف المرأة لا لتضعها في خانة دونية.
8- حاضرنا فيه الكثير من التفوق النسائي في العمل وفي العلم وتدبير الشأن المدني والسياسي، ولكن الجهل بالعلم وبالتاريخ وغياب تنمية قروية وعلمية وصحية كرست الفهم الخاطئ للحفاظ على الأسرة.
لا يمكن أن ننسى قوة الهجوم على كل المكتسبات الحقوقية من طرف أقلية، لها قدرة على نشر الظلام، والانتصار للبعل الذي لا حاجة له بالتوازن الأسري ولا بالمبادئ التي يجب أن تحكم التوازنات بين مكونات مجتمع طموح يريد الانتصار على نفسه عبر حماية للأسرة. حالات الظلم الأسري المرتبط بحالات الطلاق يبني ثقافة عدم الثقة في المؤسسة الأسرية. تتبعت حالات حكم فيها قاض بنفقة ضئيلة على رجل أعمال أرباحه تقدر بالملايير. وحين أبحث عن الأسباب أصل إلى درجة الشك في بعض مكونات بنية قضائية تفتقر إلى الاجتهاد وتختفي وراء للزوايا الميتة للقانون.
9- يومنا القانوني المغربي يجب أن يكون بداية عهد حقوقي جديد. ملك البلاد عاهد المغاربة على الإصلاح فوفى بالعهد والباقي من المسؤولين والمواطنين يجب أن يكسر كل الحواجز لبلوغ درجات وعي كبيرة بأهمية دور الأسرة في التنمية. الإصلاح مشروع كبير يجب أن لا يكون أداة للرجوع إلى الوراء. هناك كثير ممن يعيشون على الريع المالي المتعلق بالدين ويغمضون أعينهم عن المصائب التي تحدث بفعل مجرمي الفتك بمؤسسة الأسرة. بعض الأشباه يزايدون بفقه مفلس ويريدون خلط الحقوق بواجبات والمطالبة بالمساواة على مقاس يخدم استدامة الوضع بين مسيطر وبين مظلومة. ظلم حماة الرجعية كبير ومساره إلى إفلاس. المنتفعون من الاتجار في الفتوى والمهيمنون على بعض الكراسي، غير العلمية، يبتزون المواطنة بكلام بعيد عن العدالة الإلاهية. ملايينهم في البنوك وألسنتهم تصرخ برفض الربا. يرفضون كل قانون يحول بينهم وبين استغلال أجساد النساء لتتعدد مصادر شهواتهم الدنيوية.