استبشرت الفئات المعوزة خيرا بعد تفعيل ورش تعميم التغطية الصحية، من خلال انتقال المستفيدين من نظام «راميد»، إلى نظام التأمين الإجباري عن المرض، والاستفادة من الخدمات الصحية، وكل المزايا التي يتيحها هذا النظام، في إطار مشروع الحماية الاجتماعية الشاملة التي تعمل الحكومة على تفعيله بناء على التعليمات الملكية.
بعض من هذا الفرح تبخر لدى فئة عريضة من المواطنين الذين كانوا يستفيدون من النظام السابق «راميد» بشكل مجاني، إلا أن مدة صلاحية بطاقتهم انتهت. نفس الأمر يعاني منه الأشخاص غير المتزوجين، والذين لا يتوفرون على عمل قار. العمال الموسميون، الباعة المتجولون، ماسحو الأحذية، الإسكافيون.. والفلاحون الصغار، وفئات العاطلين من الشباب الذين لا يمارسون أي نشاط مهني، هذا في وقت يواجه فيه آخرون مشكل عدم القدرة عن أداء الواجبات الشهرية للانخراط في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض.
وفي الوقت الذي أقر فيه رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، في الجلسة العمومية الشهرية بمجلس المستشارين (الثلاثاء 10 يناير 2023) بأن الحكومة «نجحت في الوفاء بالتزاماتها وقبل انقضاء سنة 2022، في تعميم وتوسيع خدمات التأمين الإجباري عن المرض، لتمكين كل المغاربة، على قدم المساواة، من الاستفادة من خدمات تغطية صحية موحدة بغض النظر عن فئاتهم الاجتماعية أو المهنية، وفي ظرف سنة واحدة انتقل العدد الإجمالي للمؤمنين من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من 7,8 مليون فرد إلى أزيد من 23,2 مليون من المواطنات والمواطنين المغاربة (بإضافة 3,68 من العاملين غير الأجراء وذوي حقوقهم و9,4 مليون من المستفيدين من AMO-TADAMON)»، فند الواقع هذه التصريحات حيث لا يزال تنزيل مشروع الحماية الاجتماعية متعثرا، ويعاني العديد من الثغرات، والمشاكل، في ظل ضعف آليات الحكامة والتنسيق المؤسساتي.
وفي هذا الإطار، أفادت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، بأن المعطيات المتعلقة باستفادة المواطنين المعوزين بعد تعميم الحماية الاجتماعية شبه منعدمة، مشيرة في تصريح لجريدة «الوطن الآن»، إلى مجموعة من المشاكل بخصوص حاملي بطاقة راميد، حيث هناك أشخاص لديهم إمكانيات، ويتوفرون على هذه البطاقة، فيما لم تمنح لبعض المحتاجين لنظام التأمين الصحي بناء على شكاياتهم.
وأضافت المتحدثة ذاتها، «أنه بعد التصويت على القانون، والانتقال من نظام المساعدة الطبية «راميد»، إلى التأمين الإجباري عن المرض، ظهر مشكل الاشتراكات المادية الشهرية لدى البعض، حيث لم يراعي القانون الأشخاص ذوي المدخول غير القار، والذين ليس في استطاعتهم دفع تلك الاشتراكات. بمعنى أن القوانين لم تستوعب هذا الوضع، إلى جانب أن العديد من الأسئلة حول الحماية الاجتماعية لازالت مطروحة، من قبيل مدى استيعاب البنية الصحية للفئات المستفيدة، خصوصا وأن كل هذا مرتبط بالسجل الاجتماعي الذي لازالت معطياته غير متوفرة.
التامني أثارت أيضا التداعيات الاجتماعية لزلزال الحوز، والتي من ضمنها التفكير في كيفية استفادة تلك الفئات الهشة، المستضعفة، من الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية.
من جانبها، أثارت خديجة أروهال، النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية، مشاكل الفئات الهشة في العالم القروي، خصوصا الفئة التي تم تحويل المعطيات المتعلقة بها في السجل الوطني الفلاحي للاستفادة من الشعير المدعم، «تحويلها» قسرا إلى صندوق الضمان الاجتماعي حسب الشكايات التي توصلت بها.
وشددت المتحدثة ذاتها في تصريح لجريدة «الوطن الآن» أن الحكومة كانت تراهن على الأرقام فقط، حيث قامت بتفعيل هذا الورش بطريقة استعجالية، ولم تفكر في المرضى. وكمثال، بعد تحويل نظام راميد إلى نظام التغطية الصحية الإجبارية amo، صار مرضى السرطان، والمسجلون بنفس النظام بمركز الانكولوجيا بمستشفى الحسن الثاني بأكادير، يعانون من عدم الاستفادة من الخدمات الاستشفائية، و خاصة حصص الأشعة، فيما العذر الذي يقدمه المسؤولون عن المركز هو أن حق الاستفادة مغلق، ما لم يُسجل المستفيد في السجل الاجتماعي، في حين أن هذا السجل نفسه لا يتمكن المعنيون من التسجيل فيه، من خلال استحالة تعبئة الاستمارة ذات الصلة به إلكترونيا، بالنظر إلى أن الفقرة المخصصة فيه للمعلومات الاجتماعية والاقتصادية للأسرة تظل غير مفعلة، مما يجعل ملفاتهم غير مقبولة عند وضعها لدى السلطات المحلية للنفوذ الترابي حيث توجد مقرات سكناهم، وهو المشكل الذي سبق للنائبة البرلمانية أن طرحته على وزير الصحة والحماية الاجتماعية في سؤال كتابي سابق دون أن تتوصل بأي جواب من قبله.
«أمو تضامن» وإشكاليات ولوج العلاج بالنسبة لفئة واسعة من ذوي الدخل المحدود عزاها علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، إلى إلى نظام الاستهداف السابق المتعلق بنظام «راميد» الذي كان يعتمد على التصريح بمستوى دخل تقديري لتحديد درجة الفقر، بناء على مؤشر الفقر للبنك الدولي، والمندوبية السامية للتخطيط المحدد في أقل من 20 درهم في اليوم.
ويرى علي لطفي في تصريح لأسبوعية «الوطن الآنّ» أن هذه المقاربة تنطوي على الكثير من المغالطات، نتيجة التصريحات المخفضة، وغير الدقيقة، حيث تم اعتماد قواعد معقدة لتحديد الأهلية بشكلٍ تصعب معه دراسة طلبات الاستفادة، أو تفعيل المراقبة البعدية للنظام، مما جعل عددا من المستفيدين لهم إمكانيات مادية، أو ميسورين يستفيدون من نظام «راميد» حسب تقرير سابق لوزارة الداخلية، والذين فاق عددهم 220 ألف مستفيد.
وأشار إلى أن بطاقة «راميد» أصبحت بمثابة ريع حزبي انتخابي، حرم عشرات الآلاف من الفقراء، والمعوزين، وذوي الدخل المحدود منها، ومن الحق في الصحة و ولوج العلاج.
وفيما تحدث عن الجدية، والمهنية التي أبان عنها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في تدبير نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، على خلاف الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي الذي يعيش حالة من الانهيار، وأزمة في تدبير ملفات المرض، شدد المتحدث ذاته أن فئة واسعة من المواطنين الفقراء، وذوي الدخل المحدود لازالت تعاني حاليا من عراقيل ولوج العلاج والدواء.
وعرج إلى تجربة نظام المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود «راميد» التي عرفت عدة اختلالات، وتجاوزات بسبب ضعف الحكامة، وهو ما رصدته تقرير رسمية بسبب تعدد المتدخلين من وزارات، ومؤسسات عمومية، كانت غير قادرة على استهداف الفئات المستحقة فعلا.
وفي هذا السياق، وتحديدا للفئة المستهدفة ببرامج الدعم الاجتماعي بما فيه نظام «أمو تضامن»، أضاف علي لطفي، أن الحكومة اختارت مقاربة جديدة لبناء نظام الاستهداف، المكوّن من سجلين، وهما السجل الوطني للسكان (يستهدف الأشخاص)، والسجل الاجتماعي الموحد (يستهدف الأسر)، إلا أن هذا الأخير عرف تأخرا في تنزيله بسبب متطلباته التقنية، والبشرية، والتواصلية مما أدى حرمان عدد كبير من المرضى ذوي الدخل المحدود من ولوج العلاج، وتسبب في التضييق على عدد المستفيدين من نظام «راميد» سابقا ممن انتهت صلاحية بطاقتهم، وبالتالي عليهم انتظار نتيجة تسجيلهم في السجل الاجتماعي الموحد.
ولتجاوز هذه العثرات، وإنجاح نظام «أمو تضامن»، أكد المتحدث ذاته على ضرورة الإسراع تنزيل السجل الاجتماعي الموحد لتحديد الأسر المستهدفة من نظام الدعم، والمساعدة الاجتماعية، على اعتبار أن السجل الاجتماعي الموحد، آلية جديدة علمية متطورة لمنظومة الاستهداف، بناء على قاعدة معلومات لتحديد أهلية، وأحقية الأسر في الاستفادة من البرامج الاجتماعية، وفق معايير، ومؤشرات اجتماعية، واقتصادية مرقمة، وتدخل في نطاق تعميم، وتطوير منظومة الحماية الاجتماعية الوطنية، والسعى إلى توفير مستويات عالية من أمن الدخل، والحماية الصحية تماشيا مع التنمية الاقتصادية، والاجتماعية عندما يواجه الناس طوارئ أساسية في الحياة مثل الفقر، والبطالة، والمرض، والإعاقة والأمومة، وفقدان معيل الأسرة، والشيخوخة، حيث دعا الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير، إلى الإسراع بإخراج السجل الاجتماعي الموحد، باعتباره الآلية الأساسية لمنح الدعم، وضمان نجاعته، كما أكد الملك على هذا المشروع الوطني التضامني، الذي سيستفيد منه حوالي سبعة ملايين طفل، لاسيما من العائلات الهشة والفقيرة، وثلاثة ملايين أسرة بدون أطفال في سن التمدرس، كمشروع غير مسبوق، وثورة في مجال منظومة الاستهداف.