الرياضة والمال والسياسة.. ثلاثي الفساد بالمغرب

الرياضة والمال والسياسة.. ثلاثي الفساد بالمغرب ‬كشفت‭ ‬هذه‭ ‬الفضائح‭ ‬أن‭ ‬المال‭ ‬خلق‭ ‬فضاء‭ ‬مناسبا‭ ‬للفساد
هل‭ ‬هناك‭ ‬بالفعل‭ ‬علاقة‭ ‬عضوية‭ ‬بين‭ ‬المال‭ ‬والسلطة؟‭ ‬وهل‭ ‬"الزواج"‭ ‬بينهما‭ ‬هو‭ ‬المصدر‭ ‬المادي،‭ ‬حاليا،‭ ‬لأي‭ ‬سلطة‭ ‬ممكنة‭ ‬في‭ ‬بلادنا؟‭ ‬وبتعبير‭ ‬آخر،‭ ‬هل‭ ‬السلطة‭ ‬مشروطة‭ ‬بالمال،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬«السوق»،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬السوق‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الرياضية،‭ ‬تتكئ‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ ‬اقتصادية،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬السوق‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬قوانين‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬قوانين‭ ‬السوق؟
 
إن‭ ‬ما‭ ‬نعاينه‭ ‬حاليا‭ ‬من‭ ‬«تورط»‭ ‬لزعماء‭ ‬سياسيين‭ ‬طارئين‭ ‬على‭ ‬الحقل‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬فساد‭ ‬كبرى،‭ ‬ومعهم‭ ‬مدبرين‭ ‬رياضيين‭ ‬وأثرياء‭ ‬جدد‭ ‬ومسؤولين‭ ‬وبرلمانيين‭ ‬ورؤساء‭ ‬جماعات‭ ‬ترابية‭ ‬هبطوا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بالمظلات‭ ‬على‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬بعدما‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬عداد‭ ‬النكرات،‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬بطل‭ ‬المجتمع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لا‭ ‬يوقفه‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬هذا‭ ‬«البطل»‭ ‬هو‭ ‬المعيار‭ ‬والمثال‭ ‬لـ‭ ‬«الربح‭ ‬الانتخابي»،‭ ‬خاصة‭ ‬عندما‭ ‬يصبح‭ ‬أساس‭ ‬المعنى‭ ‬هو‭ ‬السلعة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬مضمونها‭ ‬سياسيا‭ ‬أو‭ ‬رياضيا‭.‬
 
ليس‭ ‬هذا‭ ‬كلاما‭ ‬للاستهلاك‭ ‬العمومي‭. ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬إقدام‭ ‬الفرقة‭ ‬الوطنية‭ ‬للشرطة‭ ‬القضائية،‭ ‬خلال‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬ولمرتين‭ ‬متتاليتين،‭ ‬على‭ ‬استدعاء‭ ‬رئيس‭ ‬الوداد‭ ‬البيضاوي،‭ ‬والقيادي‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬«البام»‭ ‬ورئيس‭ ‬مجلس‭ ‬أكبر‭ ‬عمالة‭ ‬بالمغرب،‭ ‬سعيد‭ ‬الناصيري،‭ ‬للتحقيق‭ ‬معه‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الاتهامات‭ ‬التي‭ ‬ولجها‭ ‬له‭ ‬بارون‭ ‬المخدرات‭ ‬«الحاج‭ ‬ابراهيم‭ ‬الملقب‭ ‬بـ‭ ‬"المالي")‭ ‬الموجود‭ ‬حاليا‭ ‬رهن‭ ‬الاعتقال‭ ‬بسجن‭ ‬الجديدة‭. ‬
 
وليست‭ ‬هذه‭ ‬الفضيحة‭ ‬معزولة‭ ‬إذا‭ ‬أضف‭ ‬إلىها‭ ‬فضائح‭ ‬مسؤول‭ ‬شهير‭ ‬آخر،‭ ‬ويتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بـمحمد‭ ‬بودريقة،‭ ‬عضو‭ ‬مكتب‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬ورئيس‭ ‬نادي‭ ‬الرجاء‭ ‬الرياضي‭ ‬ورئيس‭ ‬مقاطعة‭ ‬مرس‭ ‬السلطان‭ ‬«حزب‭ ‬التجمع»،‭ ‬الذي‭ ‬تورط‭ ‬في‭ ‬ركام‭ ‬من‭ ‬الفضائح‭ ‬المدوية،‭ ‬لعل‭ ‬آخرها‭ ‬توقيفه،‭ ‬خلال‭ ‬دجنبر‭ ‬2022،‭ ‬للتحقيق‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬تهم‭ ‬خطيرة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالإخلال‭ ‬بالأمن‭ ‬العام،‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬شكاية‭ ‬لوالي‭ ‬جهة‭ ‬الرباط‭ ‬سلا‭ ‬القنيطرة‭ ‬محمد‭ ‬اليعقوبي‭ ‬يتهمه‭ ‬بتجييش‭ ‬الجماهير‭ ‬الرجاوية‭ ‬وتحريضهم‭ ‬على‭ ‬اقتحام‭ ‬ملعب‭ ‬مولاي‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بالرباط،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تردد‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬فضيحة‭ ‬بيع‭ ‬التذاكر‭ ‬بمونديال‭ ‬قطر‭.‬
ومن‭ ‬العجائب‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬يتابعها‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الوطني‭ ‬بألم‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬والدماغ‭ ‬سيرة‭ ‬الملياردير‭ ‬هشام‭ ‬أيت‭ ‬منا،‭ ‬رئيس‭ ‬شباب‭ ‬المحمدية‭ ‬ورئيس‭ ‬بلدية‭ ‬المحمدية‭.‬

 
ولا‭ ‬تكاد‭ ‬هذه‭ ‬العينة‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬فضيحة‭ ‬أخلاقية‭ ‬وقانونية‭ ‬حتى‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬الأخرى،‭ ‬مثلما‭ ‬وقع‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬فريق‭ ‬أولمبيك‭ ‬آسفي‭ ‬والبرلماني‭ ‬«حزب‭ ‬التجمع»،‭ ‬محمد‭ ‬الحيداوي،‭ ‬الذي‭ ‬توبع‭ ‬في‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بتذاكر‭ ‬مونديال‭ ‬قطر،‭ ‬حيث‭ ‬أدانته‭ ‬المحكمة‭ ‬الابتدائية‭ ‬الزجرية‭ ‬بعين‭ ‬السبع،‭ ‬في‭ ‬غشت‭ ‬الماضي،‭ ‬بسنة‭ ‬ونصف‭ ‬حبسا‭ ‬نافذا‭ ‬وغرامة‭ ‬قدرها‭ ‬2000‭ ‬درهم‭. ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬سقوط‭ ‬رؤوس‭ ‬رياضية‭ ‬وسياسية‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العيار‭ ‬الثقيل‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬أشرطة‭ ‬الفيديو،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬تورطها‭ ‬في‭ ‬الملف‭ ‬نفسه‭ ‬«ما‭ ‬يعرف‭ ‬إعلاميا‭ ‬بملف‭ ‬البؤساء»،‭ ‬مما‭ ‬يبرهن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬كثافة‭ ‬الفساد‭ ‬أصبحت‭ ‬تمارس‭ ‬تدميرا‭ ‬متعددا‭ ‬للسلطة‭ ‬يصعب‭ ‬إصلاحه،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬البرهنة‭ ‬حاليا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرباط‭ ‬المقدس‭ ‬بين‭ ‬المال‭ ‬والرياضة‭ ‬والسلطة‭ ‬ليس‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬طارئ‭ ‬على‭ ‬الفراغ‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬تركه‭ ‬ضمور‭  ‬وتراجع‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬الوطنية‭. ‬فالتكون‭ ‬السلبي‭ ‬للسياسة‭ ‬كما‭ ‬تمارس‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬لوبيات‭ ‬المال‭ ‬والعقار‭ ‬والرياضة‭ ‬يحمل‭ ‬على‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬السلطة‭ ‬تحتقر‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يخضع‭ ‬إلى‭ ‬المال،‭ ‬وكنا‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬قريب‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬«الامتياز‭ ‬النضالي»‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية،‭ ‬وإلا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬سقط‭ ‬علينا‭ ‬هؤلاء‭ ‬«الفضائحيون»؟‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬قياس‭ ‬وجودهم‭ ‬السياسي‭ ‬بتاريخ‭ ‬زعماء‭ ‬مناضلين‭ ‬كعبد‭ ‬الرحيم‭ ‬بوعبيد‭ ‬وامحمد‭ ‬بوستة‭ ‬وعبد‭ ‬الرحمن‭ ‬اليوسفي‭ ‬وعمر‭ ‬بنجلون‭ ‬وعلي‭ ‬بعتة‭ ‬وعزيز‭ ‬بلال‭ ‬وخالد‭ ‬الناصري‭ ‬وبنسعيد‭ ‬أيت‭ ‬يدر‭.. ‬إلخ؟‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬قياس‭ ‬العقل‭ ‬السياسي‭ ‬الناضج‭ ‬بعقول‭ ‬تربت‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬الرصيد‭ ‬البنكي‭ ‬بالتلاعب‭ ‬والنصب‭ ‬والتواصل‭ ‬الإشهاري؟
 
لقد‭ ‬كشفت‭ ‬هذه‭ ‬الفضائح‭ ‬أن‭ ‬المال‭ ‬خلق‭ ‬فضاء‭ ‬مناسبا‭ ‬للفساد،‭ ‬وأنه‭ ‬العامل‭ ‬الأساسي‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬السياسة‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬مصادر‭ ‬القرار،‭ ‬وإلا‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬هذا‭ ‬التواتر‭ ‬في‭ ‬الفضائح‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬بالتلاعب‭ ‬في‭ ‬الميزانيات‭ ‬والمباريات‭ ‬وفي‭ ‬عقود‭ ‬اللاعبين،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬مستقبلهم‭ ‬الرياضي،‭ ‬بل‭ ‬ترتبط‭ ‬أساسا‭ ‬باستغلال‭ ‬ما‭ ‬يتيحه‭ ‬المنصب‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬مالية‭ ‬للانقضاض‭ ‬على‭ ‬الفرق‭ ‬الرياضية‭ ‬واستعمالها‭ ‬لأغراض‭ ‬انتخابية‭ ‬واضحة،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬زحف‭ ‬المنتخبين‭ ‬والسياسيين‭ ‬على‭ ‬الفرق‭ ‬الرياضية‭ ‬«ضرورة»‭ ‬لا‭ ‬يستقيم‭ ‬زواج‭ ‬المال‭ ‬والسلطة‭ ‬إلا‭ ‬بها‭.‬
 
لقد‭ ‬أصبحنا‭ ‬أمام‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬«الاحتلال‭ ‬المالي»‭ ‬يتلازم‭ ‬مع‭ ‬تحولات‭ ‬السلطة،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬السياسية،‭ ‬في‭ ‬معناها‭ ‬النبيل،‭ ‬تعيش‭ ‬أزمة‭ ‬مركبة،‭ ‬وأن‭ ‬الانتساب‭ ‬إليها‭ ‬الآن‭ ‬محفوف‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الالتباس‭ ‬بين‭ ‬النضال‭ ‬السياسي‭ ‬وبين‭ ‬التعددية‭ ‬السياسية‭ ‬المكذوب‭ ‬عليها‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الجسد‭ ‬السياسي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬خاضعا‭ ‬للتطور‭ ‬الطبيعي‭ ‬لبناء‭ ‬الزعامات،‭ ‬بل‭ ‬يخضع‭ ‬علانية‭ ‬لمنطق‭ ‬المال‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬التأكيد‭ ‬لا‭ ‬يقع،‭ ‬في‭ ‬الممارسة‭ ‬السياسية‭ ‬الحالية،‭ ‬على‭ ‬الأسس‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الثابتة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الإيديولوجيات‭ ‬المتصارعة،‭ ‬بل‭ ‬نلاحظ‭ ‬انهيارا‭ ‬حرا‭ ‬للقيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬الضامنة‭ ‬للديمقراطية،‭ ‬لأن‭ ‬الثابت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الممارسة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬«الصندوق‭ ‬المالي»‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يخاطب‭ ‬الجمهور‭ ‬لبناء‭ ‬«إخلاص‭ ‬جازم»‭ ‬تؤكده‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع،‭ ‬سواء‭ ‬أتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالاستحقاقات‭ ‬الانتخابية‭ ‬أو‭ ‬الحزبية‭ ‬أو‭ ‬الرياضية،‭ ‬بينما‭ ‬تدخل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬حيز‭ ‬«الكحوليات»‭.‬
 
اتضح‭ ‬جليا‭ ‬الآن‭ ‬الفساد‭ ‬الرياضي‭ ‬بعتبر‭ ‬مؤشرا‭ ‬كبيرا‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬النخبة‭ ‬الرياضية‭ ‬التي‭ ‬غزت‭ ‬الأندية‭ ‬الرياضية‭ ‬ومؤسساتها،‭ ‬حتى‭ ‬وهي‭ ‬تتفاخر‭ ‬بمصدرها‭ ‬المالي‭ ‬والحزبي،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬فى‭ ‬الجامعة‭ ‬والأندية‭ ‬تخضع‭ ‬لمزاج‭ ‬أشخاص،‭ ‬يتصرفون‭ ‬فيها‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬رقيب‭ ‬أو‭ ‬حسيب،‭ ‬مما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬نظام‭  ‬حزبي‭ ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬السطو‭ ‬على‭ ‬الأندية‭ ‬الرياضية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،‭ ‬وإلا‭ ‬ما‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬تورط‭ ‬أسماء‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬التحالف‭ ‬الثلاثي‭ ‬الأغلبي‭ ‬في‭ ‬الفساد‭ ‬الرياضي؟‭ ‬ألا‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭  ‬كاستغلال‭ ‬للنفوذ‭ ‬الحزبي‭ ‬«السياسي»‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستئثار‭ ‬بالمنافع‭ ‬المالية‭ ‬دون‭ ‬الخضوع‭ ‬لمبدأ‭ ‬التنافس‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الحر؟
 
لقد‭ ‬كشفت‭ ‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬للنزاهة‭ ‬والشفافية‭ ‬والوقاية‭ ‬من‭ ‬الرشوة‭ ‬أن‭ ‬تراجع‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬مدركات‭ ‬الفساد‭ ‬يرتبط‭ ‬بعوامل‭ ‬عدة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬استغلال‭ ‬النفوذ‭ ‬لتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬شخصية،‭ ‬حيث‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬التراجع‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬سجله‭ ‬معيار‭ ‬استغلال‭ ‬مسؤولي‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬للنفوذ‭ ‬لتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬شخصية‭ ‬بين‭ ‬سنوات‭ ‬2016‭ ‬و‭ ‬2019،‭ ‬عاد‭ ‬المعيار‭ ‬للارتفاع‭ ‬ولو‭ ‬بشكل‭ ‬بطيء‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2019،‭ ‬حيث‭ ‬انتقل‭ ‬التنقيط‭ ‬من‭ ‬47‭ ‬إلى‭ ‬49‭ ‬سنة‭ ‬2021،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الترتيب‭ ‬كذلك‭ ‬عرف‭ ‬تراجعا‭ ‬كبيرا‭ ‬بين‭ ‬2015‭ ‬و2021‭ ‬و2022‭.‬
 
ولهذا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬الطاشرونات‭ ‬ورجال‭ ‬المال‭ ‬والأعمال‭ ‬ذوو‭ ‬المصدر‭ ‬المشبوه‭ ‬للثروة،‭ ‬الذي‭ ‬ترسخت‭ ‬عقيدتهم‭ ‬على‭ ‬حب‭ ‬الثروة‭ ‬وإدامتها‭ ‬وتنميتها‭ ‬بقدر‭ ‬لا‭ ‬نهائي،‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬أصبحوا‭ ‬ينشدون‭ ‬السلطة‭ ‬لحماية‭ ‬استثماراتهم‭ ‬وتوسيعها‭ ‬ومنع‭ ‬إلحاق‭ ‬الضرر‭ ‬بها؛‭ ‬ولا‭ ‬ينشدونها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬خزان‭ ‬انتخابي‭ ‬جماهري‭ ‬يتيح‭ ‬لهم‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬السلطة،‭ ‬كما‭ ‬يتيح‭ ‬له‭ ‬بناء‭ ‬امتيازات‭ ‬قد‭ ‬تسمح‭ ‬له‭ ‬بصياغة‭ ‬القوانين‭ ‬والتشريعات،‭ ‬وتوجيهها‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مصالحه‭.‬
 
إن‭ ‬نجاح‭ ‬«زواج»‭ ‬المال‭ ‬والرياضة‭ ‬والسلطة‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يخلق‭ ‬البيئة‭ ‬المثالية‭ ‬للفساد‭ ‬وخلق‭ ‬المافيات،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬بشدة‭ ‬هو:‭ ‬لماذا‭ ‬اختارت‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسة‭ ‬بمختلف‭ ‬توجهاتها،‭ ‬يمينا‭ ‬ويسارا‭ ‬ووسطا،‭ ‬الصمت‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬«التشوه»‭ ‬السياسي؟‭ ‬لماذا‭  ‬تسارع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬محطة‭ ‬انتخابية‭ ‬إلى‭ ‬الاقتتال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬منح‭ ‬التزكية‭ ‬لأصحاب‭ ‬المال‭ ‬المشبوهين؟‭ ‬لماذا‭ ‬أصبح‭ ‬المال‭ ‬المشبوه‭ ‬هو‭ ‬ورقة‭ ‬المرور‭ ‬إلى‭ ‬البرلمان‭ ‬أو‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬أو‭ ‬الغرف‭ ‬المهنية؟‭ ‬لماذا‭ ‬تقترن‭ ‬الممارسة‭ ‬السياسية‭ ‬حاليا‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬التغلغل‭ ‬إلى‭ ‬الأندية‭ ‬الرياضية؟‭ ‬وما‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬«حياد»‭ ‬الدولة‭ ‬أمام‭ ‬اكتساح‭ ‬«الطاشرونات»‭ ‬و»زعماء‭ ‬الأندية‭ ‬الرياضية»‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬رجال‭ ‬السياسة‭ ‬الذين‭ ‬يحملون‭ ‬تصورات‭ ‬متقدمة‭ ‬لإدارة‭ ‬البلاد،‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬مبدأ‭ ‬اقتران‭ ‬المسؤولية‭ ‬بالمحاسبة؟‭ ‬لماذا‭ ‬تراجع‭ ‬تأثير‭ ‬رجل‭ ‬السياسة‭ ‬«الذي‭ ‬تدرج‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الحزبي‭ ‬والحامل‭ ‬لتصورات‭ ‬وبرامج‭ ‬وانشغالات»‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬العمومي؟
 
إن‭ ‬الفضائح‭ ‬التي‭ ‬أصبحنا‭ ‬نتابعها‭ ‬يوميا،‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬رادع،‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬اتساع‭ ‬وعمق‭ ‬أزمة‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬وخطورتها،‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬رسمت‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬ومكافحته‭ ‬يعتريها‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬التطبيق‭ ‬وقصور‭ ‬في‭ ‬التنفيذ،‭ ‬وإلا‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬وحفظ‭ ‬الملفات،‭ ‬وفي‭ ‬أفضل‭ ‬الحالات‭ ‬الغرامات‭ ‬والحبس‭ ‬موقوف‭ ‬التنفيذ؟
 
لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬معالجة‭ ‬الفساد‭ ‬المالي‭ ‬أو‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬الرياضي‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬«تسوية‭ ‬رضائية»،‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬«ترتيبات‭ ‬الظل»،‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬تجميد‭ ‬المتابعات‭ ‬والرهان‭ ‬على‭ ‬النسيان،‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬تشديد‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تتسرب‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭. ‬الأمر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بيئة‭ ‬قانونية‭ ‬صلبة،‭ ‬كما‭ ‬إلى‭ ‬منظومة‭ ‬أخلاقية‭ ‬وتربوية‭ ‬وقانونية‭ ‬وسياسية‭ ‬تجرّم‭ ‬كل‭ ‬الممارسات‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الفساد‭ ‬أو‭ ‬تصنعه،‭ ‬ومنها‭ ‬منع‭ ‬جميع‭ ‬المتورطين‭ ‬في‭ ‬النصب‭ ‬أو‭ ‬الاحتيال‭ ‬أو‭ ‬التهرب‭ ‬الضريبي‭ ‬أو‭ ‬التزوير‭ ‬أو‭ ‬السرقة،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬جريمة‭ ‬ترتبط‭ ‬بخيانة‭ ‬الأمانة،‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭.‬
 
تفاصيل أوفر تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"  
  رابط العدد هنا