محمد حفيظ: زلزال الحوز.. حتى لا يتسلل الفساد إلى برنامج إعادة الإعمار

محمد حفيظ: زلزال الحوز.. حتى لا يتسلل الفساد إلى برنامج إعادة الإعمار محمد حفيظ
منذ منتصف الأسبوع الفارط، كان الحدث الأبرز على وسائل الإعلام الوطنية هو برنامج إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة من زلزال الحوز، الذي جرى الإعلان عنه في بلاغ للديوان الملكي عقب جلسة العمل الثالثة التي ترأسها الملك يوم الأربعاء 20 شتنبر 2023.

فقبل أن يكتمل الأسبوع الثاني على الهزة الأرضية التي ضربت أقاليم الحوز وتارودانت وشيشاوة وأزيلال وورزازات ومراكش، يوم 8 شتنبر 2023، أصبح البرنامج الذي أقرته جلسة العمل الملكية معلوما لدى الرأي العام، بأهدافه وخصائصه ومكوناته وميزانيته التوقعية ومصادر تمويله ومداه الزمني وحجم الساكنة المستهدفة به...
وبغض النظر عن الملاحظات التي يمكن تسجيلها عن البرنامج أو عن المقاربة التي اعتمدت في إعداده، فإن ما ينبغي أن يحظى بالاهتمام، اليوم، ليس البرنامج وحسب، كيفما كانت أهدافه المتوخاة والمجالات التي يشملها وحجم الميزانية التي يتوقعها...، بل أيضا وبالأساس كيفية تنفيذه؛ أي الأسلوب الذي ستعتمده الدولة ومؤسساتها وإداراتها المعنية في تدبير كل ما يتعلق بتنفيذ البرنامج وتحقيق أهدافه المعلنة.

هنا يُطرح سؤال الحكامة؛ أي السؤال الذي يستفسر عن مدى الالتزام بالتدبير الجيد والالتزام بالشفافية وعدم السقوط في براثن الفساد خلال تنفيذ مشاريع البرنامج. فلا يمكن أن نتحدث عن أية إعادة بناء وتأهيل لهذه المناطق أو أية تنمية اجتماعية واقتصادية فيها بدون اعتماد الحكامة التي تعد شرطا ضروريا لإنجاح أي مشروع تنموي.

لقد أشارت إحدى فقرات بلاغ الديوان الملكي إلى أن الملك "شدد على ضرورة اعتماد حكامة نموذجية مقوماتها السرعة والفعالية والدقة والنتائج المقنعة".

وفي رأيي، فإن تلك الأرقام المعلنة والأهداف المتوخى تحقيقها ومكونات البرنامج، التي تتجاوز إعادة الإيواء وإعادة البناء والتأهيل إلى فك العزلة وامتصاص العجز الاجتماعي وتشجيع الأنشطة الاقتصادية والشغل...، كل ذلك لن يكون له أي أثر على الأرض وعلى ساكنتها وعلى عموم المغاربة إذا لم يتسم تدبير المسؤولين المكلفين بتنفيذ البرنامج بالحكامة بكل مقوماتها المعروفة والمتعارف عليها اليوم في ممارسة السلطة وتدبير شؤون الناس وتسيير موارد البلاد.

ولا أحتاج، هنا، إلى التذكير بأن لبلادنا سوابق سيئة في تدبير الأموال العمومية وفي تنفيذ عدد من البرامج التنموية، بما فيها تلك التي يطلقها الملك نفسه ويتم الإعلان عنها في جلسات يترأسها. وإن ذاكرة المغاربة تحفظ واقعة الاختلالات التي تعرضت لها مشاريع تنموية بمنطقة الريف كان الملك أطلقها سنة 2015 باسم "الحسيمة منارة المتوسط"، وما ترتب عنها من تداعيات اجتماعية واقتصادية وسياسية وحقوقية ما زال المغرب إلى اليوم لم يتخلص من تبعاتها. فبعد مرور ثلاث سنوات على إطلاق تلك المشاريع، سيتم، في أكتوبر 2017، الإقرار بوجود اختلالات كثيرة كانت وراء تعثر تنفيذها والتأخر في إنجاز ما تم الإعلان عنه وعدم الوفاء بالالتزامات المعلنة. وهو ما جعل الملك حينها يتخذ قرارا بإعفاء عدد من الوزراء والمسؤولين بمؤسسات عمومية بالجملة، وعدم إسناد أي مهمة رسمية لهم مستقبلا، بعدما ثبت تورطهم في تلك الاختلالات.

قد يكون برنامج إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة من زلزال الحوز وتنميتها أحد أكبر البرامج المعدة لإعادة البناء والتأهيل والتنمية في المغرب، سواء من حيث عدد الأقاليم التي يغطيها، أو من حيث حجم الساكنة المستفيدة، أو من حيث مبلغ الميزانية المرصودة، أو من حيث الأطراف المدعوة إلى المساهمة في تمويله في الداخل والخارج... إلخ.

وربما لهذا السبب قد يرى فيه البعض ممن يسعون، فقط وفقط، إلى تحقيق الربح، فرصة سانحة للرفع من أرصدتهم المالية والاغتناء ولو على حساب قضايا الوطن.

ولذلك، يجب ألا يكون هذا البرنامج فرصة لمن يسيل لعابهم، كلما أُعْلِنَ عن مشاريع تنموية في هذه المنطقة أو تلك، لتحقيق الأرباح ومراكمة الأموال. فلا مجال، في تنفيذ هذا البرنامج، لـ"تجار الكوارث" الذين يستغلون المآسي والكوارث من أجل المكاسب الشخصية ويتاجرون على حساب أوضاع المواطنين واقتصاد الوطن وماليته...

إن إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة من زلزال الحوز ليست تجارة، ولا يمكن أن تكون كذلك، بل هي عمل وطني لرفع أضرار كارثة طبيعية خلفت قتلى وجرحى ويتامى وأرامل ومواطنين بلا مأوي بعدما فقدوا مساكنهم وممتلكاتهم.

نعم، يجب أن ننظر إلى عمليات إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة باعتبارها قضية وطنية. فهذه العملية ليست موجهة فقط إلى المنطقة التي ضربها الزلزال والقرى والدواوير التي دمرها كليا أو جزئيا، أو إلى ساكنتها التي فقدت أقاربها ومساكنها وممتلكاتها، وإنما هي موجهة إلى المغرب كله وإلى المغاربة جميعهم، لأن إعادة بناء وتأهيل تلك المناطق والأقاليم وتنميتها هو إسهام في إعادة بناء وتأهيل وتنمية المغرب ككل.
وهنا، تنتصب المسؤولية الكاملة للدولة في اعتماد الحكامة في تنفيذ مشاريع هذا البرنامج. 

الحكامة التي تمنع من السقوط في أي شكل من أشكال الفساد الذي يبدأ بسوء التدبير وينتهي إلى الاختلاس والسرقة.
الحكامة التي تفرض التجند الكامل واليقظ لمحاربة الرشوة وتفويت الصفقات إلى مقاولات وشركات دون احترام المساطر والإجراءات المنصوص عليها.

الحكامة التي تقتضي الحرص التام على الاحترام الصارم للقانون وتفعيل مختلف أنواع الرقابة على الصفقات (القبلية والبعدية وخلال مرحلة التنفيذ).

الحكامة التي تلزم الدولة والمسؤولين بالشفافية مع ساكنة الأقاليم المعنية في كل ما يتعلق بتنفيذ عمليات إعادة البناء والتأهيل وفك العزلة عنهم.

والحكامة التي تقوم على التواصل الحقيقي والدائم والمنتظم مع الرأي العام الوطني في كل ما له صلة بتنفيذ هذا البرنامج.

إن ضحايا زلزال الحوز هم بمثابة شهداء قدموا أرواحهم فداء لأرضهم ولمن بقوا من ساكنتها لتنبيه الدولة إلى رفع الهشاشة الاجتماعية عنهم وإنصافهم ليحيوا حياة كريمة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المصابين، فهم بمثابة معطوبي الحرب الذين تلتزم الدول برعايتهم وتوفير كل شروط العيش الكريم لهم. ولذلك، فإن أفضل تكريم يمكن أن تقدمه الدولة إليهم وأكبر تحية يمكن أن تقدمها إلى المغاربة الذين هبوا لدعمهم هو أن تحرص على ألا يتسلل الفساد إلى برنامج إعادة إعمار مناطقهم وتنميتها.