بوبكر الحمداني: أي أفق لعلاقة المغرب مع إسرائيل وفرنسا في ظل الاستقلال الاستراتيجي؟ (4)

بوبكر الحمداني: أي أفق لعلاقة المغرب مع إسرائيل وفرنسا في ظل الاستقلال الاستراتيجي؟ (4) مولاي بوبكر حمداني، المتخصص في العلاقات الدولية

هو بحث عميق قام به مولاي بوبكر حمداني، المتخصص في العلاقات الدولية، تحت عنوان: "المغرب من الاستقلال في ظل التبعية إلى "الاستقلال الاستراتيجي"، تناول فيه الحملة غير المسبوقة لفرنسا الرسمية والإعلامية ضد المصالح المغربية الكبرى.

"أنفاس بريس" تنشر هذا البحث على حلقات، فيما يلي الحلقة الأخيرة:

 

ثانيا: العلاقات المغربية الإسرائيلية: منعطف تاريخي نحو بناء تحالف استراتيجي

تكون العلاقات المغربية الإسرائيلية قد دخلت منعطفا تاريخيا هاما منذ اعلان الديوان الملكي المغربي تلقى الملك محمد السادس، رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يعلن فيها اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء وتأكيد الرئيس نتنياهو، أن موقف بلاده "سيتجسد في كافة أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية ذات الصلة مع إبلاغ الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعتبر إسرائيل عضواً فيها، وجميع البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية" بهذا القرار والدراسة إيجابياً فتح قنصلية لإسرائيل بمدينة الداخلة تكريساً للقرار.

ورغم ان هذه الخطوة تعتبر تطورا طبيعيا لاتفاق استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل المبرم في عام 2020 برعاية أمريكية. فيما يُعرف بـ "اتفاقات أبراهام". الا انها ساهمت في إزالة العقبات التي كانت تحول دون التعاون بين البلدين، وهو مما يفتح آفاق جديدة للتعاون في مجالات مختلفة، مثل الاقتصاد والتجارة، والصناعة، والعلوم، والتكنولوجيا. حيث تم بالفعل توقيع العديد من الاتفاقيات بين البلدين في هذه المجالات، ومن المتوقع أن يستمر التعاون بينهما في التوسع والتطور في المستقبل كما ساهم اعتراف إسرائيل بالسيادة المغربية على الصحراء في توسيع التعاون في عدة مجالات نذكر منها:

-تعزيز التعاون السياسي:

تم الشروع في تبادل الزيارات بين المسؤولين من البلدين، والتنسيق بينهما في القضايا الإقليمية والدولية، حيث أعلن مكتب الاتصال الإسرائيلي في المغرب عن بدء أعمال بناء مقرّ سفارة في الرباط، فيما اعتُبر آنذاك في إسرائيل "لحظة تاريخية" على حدّ تعبير المكلفة بمكتب الاتصال لدى المغرب ألونا فيشر كام.

من أبرز الزيارات التي قام بها مسؤولين سامين إسرائيلين إلى المغرب خلال الفترة الممتدة بين يناير ويونيو 2023 نذكر زيارة مدير مكتب الشؤون السياسية العسكرية بوزارة الدفاع الإسرائيلية درور شالوم للمغرب لحضور الاجتماع الأول للجنة تتبع للتعاون بين الجانبين بمجال الدفاع، يومي 16 و17 يناير بالرباط، تلتها زسارة قائد سلاح الجو الإسرائيلي اللواء تومر بار، في 23 فبراير من السنة الجارية لتعزيز التعاون بين الجيشين. بعد ذلك قام وزير الاقتصاد والصناعة الإسرائيلي نير بركات بزيارة للمغرب على هامش الملتقى الدولي للفلاحة بمدينة مكناس الذي تم تنظيمه بين 2 و7 من مايو. لتقوم بعده باسبوعين وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميري ريغيف بزيارة الى المملكة المغربية في 29 ماي لتوقيع اتفاقيات تعاون لتطوير الاتفاقات الثنائية بشأن القطاع البحري والربط المباشر بين موانئ البلدين والاعتراف المتبادل برخص القيادة، ثم قام مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي بزيارة للمغرب في السابع من يونيو من نفس السنة بحث خلالها سبل تعزيز التعاون بين البلدين في المجال الأمني مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة.

وفي الثامن من يونيو 2023 قام رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا، بزيارة للمغرب في أول زيارة رسمية لرئيس البرلمان الإسرائيلي لدولة مسلمة، وفي هذه الزيارة دعا حكومة بلاده إلى الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، ليقوم بعدها وزير الداخلية والصحة الإسرائيلي موشي أربيل في 16 يونيو بزيارة للمغرب تندرج ضمن إطار توطيد العلاقات بين المملكة وإسرائيل، والتي شهدت تقدما ملموسا منذ التوقيع في ديسمبر 2020، على الاتفاق الثلاثي (المغرب-الولايات المتحدة-إسرائيل).

- تعزيز التعاون الاقتصادي وارتفاع حجم التجارة بين البلدين:

وتم في هذا الصدد توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين، والتي من المتوقع أن تؤدي إلى زيادة الاستثمارات وتعزيز التجارة بينهما. حيث ارتفع حجم التجارة بين البلدين من 30 مليون دولار في عام 2020 إلى 100 مليون دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن يستمر في الارتفاع في السنوات القادمة. كما ارتفع حجم التبادل التجاري، البضائع والخدمات، بين إسرائيل والمغرب خلال السنة المنصرمة بأكثر من 6% ووصل إلى أكثر من 90 مليون دولار. بحسب معطيات هيئة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، فقد قفز حجم التبادل التجاري المباشر بين الدول خلال السنة الأخيرة بنحو 84% ووصل إلى حوالي 42 مليون دولار. ازداد حجم التصدير للمغرب عام 2021 بنحو 147%، ووصل إلى حوالي 31 مليون دولار، وتركّز بالأساس في فروع: الطائرات ومعدّات النقل (حوالي 61%)، المنتجات الكيميائية (15%) ومنتجات البلاستيك والمطاط (14%). بحسب تقديرات معهد التصدير، فإن الإمكانيات الكامنة للتصدير المستقبلي للمغرب تصل إلى حوالي 250 مليون دولار في السنة، في حين وصل حجم الاستيراد من المغرب في العام الماضي إلى حوالي 11 مليون دولار (بحسب دولة الشراء)، بالأساس في فروع الملابس والصناعات الغذائية، ومن المتوقع أن يستمر في الارتفاع في السنوات القادمة. وفي تصريح لرئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب شاي كوهين، في ندوة صحفية عقدها بالرباط، على هامش الاحتفال "بذكرى تأسيس إسرائيل". عبرت إسرائيل عن رغبتها في توقيع اتفاقية للتبادل الحر مع المغرب، بقيمة قد تصل إلى مليار دولار سنويا في غضون ثلاثة أعوام.

-التعاون الأمني بين البلدين:

ولعله من النتائج المباشرة "للإعلان الثلاثي" في المجال الأمني هو اتفاق المغرب وإسرائيل على مذكرات تفاهم أمنية بهدف تنظيم التعاون الاستخباراتي والمشتريات الأمنية والتدريب المشترك، والتي من المتوقع أن تؤدي إلى تعزيز قدرات البلدين في مواجهة التهديدات الأمنية التي تواجههما في المنطقة. وفي هذا الصدد اتفق المغرب وإسرائيل اجتماع لجنة مشتركة بالرباط على توسيع تعاونهما العسكري، ليشمل الاستعلام والدفاع الجوي والحرب الالكترونية، وتم الشروع في تنظيم تدريبات مشتركة بين القوات المسلحة المغربية والإسرائيلية. حيث شارك 12 جندياً من قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي، لأول مرة في مناورات "الأسد الأفريقي" العسكرية الكبرى، التي أقيمت في المغرب، في السادس من يونيو 2023. وتعد مشاركة عناصر الجيش في تلك المناورة، بمثابة أول مشاركة عسكرية إسرائيلية على الأرض المغربية. وسبقها زيارة غير مسبوقة، للمفتش العام للقوات المسلحة المغربية، بلخير الفاروق إلى إسرائيل، للمشاركة في مؤتمر عسكري دولي في سبتمبر 2022.

ويمكن ذكر أهم المكاسب التي سيحققها المغرب من استئناف العلاقات مع إسرائيل فيما يلي:

- أولا: توسع التعاون السياسي والدبلوماسي حيث من المتوقع أن تتسع رقعة التعاون السياسي بين البلدين في مجالات مختلفة، بما فيها التعاون في المحافل الدولية بشأن الموقف الدولي من قضية وحدة المغرب الترابية وخاصة جميع البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية، كما سيعزز التعاون بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، التي لعبت دورًا محوريًا في استئناف هذه العلاقات. حيث تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية في مقابل ذلك بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء ودعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وهو ما يعد مكسبًا كبيرًا للمغرب في هذا الصراع الإقليمي.

- ثانيا: فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين المغرب وإسرائيل. وتوقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، والتي من المتوقع أن تؤدي إلى زيادة الاستثمارات وتعزيز موقعهما وهما كاثنين من الاقتصادات الأكثر نموّا وديناميكية في مناطقهما.

- ثالثا: تعزيز الأمن القومي للمغرب. فقد ساهم التطبيع مع إسرائيل في تعزيز التعاون الأمني بين البلدين، وهو ما يصب في مصلحة المغرب في مواجهة التهديدات الأمنية التي تواجهه، مثل الإرهاب والجريمة المنظمة. وتطوير قدرات القوات المسلحة المغربية. والمشاركة المشتركة في المناورات العسكرية الدولية.

ثالثا: العلاقات المغربية الفرنسية: نحو إعادة البناء على أساس الندية والتوازن

على الرغم من عمق العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوربي وفرنسا على وجه الخصوص واشتمالها على مجالات مختلفة مثل الاقتصاد والثقافة والسياسة، الا أن لوحظ في الآونة الأخيرة وجود بعض القلق في فرنسا بشأن تعزيز التعاون الاستراتيجي بين المغرب والولايات المتحدة، خاصة إذا أن هذا التعاون من شأنه أن يؤدي إلى نقص في الدور الذي تلعبه فرنسا في افريقيا، أو يؤثر على مصالحها الاستراتيجية في الحوض المتوسطي. وقد أدى هذا القلق إلى بعض التوترات في العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا، لكن يجب الإشارة إلى أن العلاقات بين البلدين لطالما تميزت بالتعاون والاحترام المتبادل، انطلاقا من حرص المغرب على تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع جميع الدول الصديقة.

بيد أن التعاون الاستراتيجي بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل سيكون له بلا شك تأثير في العلاقات الدولية والإقليمية للمغرب، وربما قد يؤثر على العلاقات بين المغرب وفرنسا حيث من المعروف أن فرنسا لديها علاقات قوية وتاريخية مع المغرب، وتشمل هذه العلاقات مجالات مختلفة مثل الاقتصاد والثقافة والسياسة. كما توجد بالمغرب نخبة فرنكوفونية متجذرة في مفاصل الدولة واحزابها ومجتمعها المدني.

ويمكن أن يتسبب التعاون الاستراتيجي بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل في إحداث تغيرات في بعض هذه المجالات، وإحداث تحولات في القواعد والتوازنات الإقليمية والدولية بما يؤثر على المصالح الاستراتيجية لفرنسا في المنطقة.

ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أنه من الممكن تعزيز التعاون الاستراتيجي بين المغرب والولايات المتحدة واسرائيل، دون أن يؤثر ذلك على العلاقات بين المغرب وفرنسا. ويمكن أن يتم العمل على تحقيق التعاون الاستراتيجي بين دول "الإعلان الثلاثي" بطرق تضمن الحفاظ على العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا، وبطرق تضمن الحفاظ على مصالح جميع الأطراف المعنية.

ومن المهم أن يتم إدارة العلاقات بين جميع الأطراف المعنية بحكمة وحساسية، وأن يتم التعامل مع أي تحولات بشكل بناء ومنطقي، وبطريقة تحافظ على الاحترام المتبادل وتحافظ على المصالح المشتركة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الحوار والتشاور المستمر بين المملكة المغربية وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية  وإسرائيل، والتعاون في القضايا الإقليمية والدولية التي تهم الجميع، وبطرق تضمن الاستقرار والتنمية والأمن في المنطقة، وتضمن الحفاظ على العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا في إطار عمل الجميع بحكمة وحساسية، واتخاذ بعض الخطوات الهامة، من بينها:

- دعوة الشريك الفرنسي في اطار الحوار المستمر والتشاور الى اتخاد موقف مماثل لموقف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بشأن الاعتراف بالسيادة المغربية على كامل أراضي الصحراء، والتعاون في القضايا الإقليمية والدولية والتحديات الأمنية بالمنطقة.

-التأكيد على أن التعاون الاستراتيجي بين المغرب والولايات المتحدة واسرائيل يهدف إلى تحقيق المصالح المشتركة، ولا يستهدف أي دولة أو شريك يراد استبعاده.

-العمل على تحقيق التعاون الاستراتيجي بشفافية ووضوح، والتأكيد على ضرورة أن يتم تبادل المعلومات والرؤى بشكل مفتوح وشفاف بين المملكة المغربية وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

-الاهتمام بتعزيز العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا والعمل على تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية والأمنية على أساس الندية والتوازن.

-تقديم التفاهم والاحترام المتبادل، والتعامل مع أي تحولات بشكل بناء ومنطقي، وبطريقة تحافظ على الاحترام المتبادل وتحافظ على المصالح المشتركة.

-تحقيق التعاون الاستراتيجي بطريقة تحافظ على الاستقرار والتنمية والأمن في المنطقة، وتتوافق مع المبادئ والقيم الدولية، وتحترم سيادة واستقلال جميع الدول.

-العمل على توضيح أهداف ومحددات التعاون الاستراتيجي بين المغرب والولايات المتحدة واسرائيل وتفسيرها بشكل واضح وشامل لفرنسا والدول الأخرى كونها لا تشكل أي تهديد او قلق، وهذا يساعد على تجنب أي سوء فهم أو عدم وضوح في مرحلة إعادة يناء العلاقات بين فرنسا.

-إن مرحلة إعادة العلاقات تقتضي احترام سيادة الدول ووحدتها ترابها وتشجيع التعاون الإقليمي والدولي لتحقيق السلم والاستقرار بمنطقة شمال افريقيا هو ما سيحافظ على العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا، والتعاون الإقليمي والدولي المشترك بينهما. ويجب أن يتم العمل بحكمة وحساسية لتحقيق هذه الأهداف، وأن يتم إدارة العلاقات على اساسها بشكل بناء ومنطقي ومستدام.

وخلاصة القول ان المدخل الرئيسي لتحقيق الاستقلال الاستراتيجي للمغرب في ظل المرحلة الجديدة المتسمة بحلول "الحروب الاقتصادية" محل "الحروب الكلاسيكية"، هو تنويع الشركاء والحلفاء الدوليين وتعزيز التعاون على كافة المستويات، وتحقيق المزيد من النجاحات في مجالات الاستثمار والتجارة والتعليم والثقافة والصحة والأمن والدفاع، وذلك بهدف تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز العلاقات الاستراتيجية والدخول في "أحلاف وتكتلات اقتصادية"، خاصة مع دول "الإعلان الثلاثي" الولايات المتحدة واسرائيل، مع إمكانية الانفتاح على دول أخرى كبريطانيا، لتنضاف الى دوائر العمل الأساسية التقليدية للسياسة الخارجية المغربية في المرحلة القادمة التي ستصبح مطالبة بإعادة ترتيب دوائرها واولياتها وفقا لمتطلبات المرحلة الجديدة تتضمن أساسا الجوانب الاقتصادية والأمنية و الدفاعية، بما يساهم بلا شك في تعزيز التوازنات الإقليمية والسلام في المنطقة المغاربية بشكل خاصة والقارة الافريقية عامة.