إن لم تنعش ذاكرتك بهذه المواقف الوطنية الموثقة بمداد الفخر والاعتزاز في كتب التاريخ والأدب، فلا يمكن لك نهائيا أن تعرف من هو الشعب المغربي البطل. وكيف يتعامل مع الشدائد والمحن.
إنه شعب المقاومة الذي هبّ للدفاع عن العرش في ملحمة ثورة الملك والشعب الخالدة لطرد المستعمر الغاشم وعودة المغفور له محمد الخامس. وهو نفسه الشعب الذي استنفر قيم الكرم والعطاء مع ضحايا زلزال أكادير.
إنه الشعب المؤمن بقيم الوطنية الذي صنع ملحمة المسيرة الخضراء مع مبدعها الراحل الحسن الثاني، لاستعادة أقاليمنا الصحراوية المغربية. بل أن أوراق الفواجع والألم تذكرنا وتحيلنا على مواقف هذا الشعب العظيم الذي هبّ للتضامن والتآزر مع ضحايا فاجعة زلزال الحسيمة. دون الحديث عن مساهماته القيمة بكل الغالي والنفيس للتضامن مع ضحايا الكوارث الطبيعية (فيضانات الجنوب والشمال..).
إنه الشعب المغربي الوفي الذي أبهر العالم بأسره بقيادة ملك البلاد، حين وقف وقفة رجل واحد مع أسر وعائلات شهداء وضحايا فاجعة زلزال الحوز الذي ضرب بقوة جبال الأطلس الشامخة، وتمدد نحو أقاليم تارودانت و ورزازات وشيشاوة ومناطق أخرى من الوطن والتي تستعيد عافيتها هنا والآن ببلسم قوافل أبناء الوطن وسواعد مختلف القوات العمومية والجيش الملكي ومؤسسات الدولة المحملة بالحب والإنسانية من مراكش الحمراء بجمال نخيلها الباسق، نحو الجبال الشاهقة بقصورها ومآثرها وأسوارها التاريخية الشاهدة على حضارة الجنوب المغربي.
إنها الإرادة القوية التي تميز هذا الشعب الأبي، الإرادة الفولاذية التي لم تقهرها عوائد الزمن رغم المحن، فكان الطموح مرادفا للحياة، من أجل ولادة جديدة شعارها الأساسي هو توفير كل سبل تجاوز الشدائد التي يمر منها الوطن.
إنه شعب الصناديد الذي يتملك أسلحة الحياة والأمل مثل الفنيق الذي ينبعث من رماده، ليرسم بفعله التضامني أروع الملاحم في الشدائد والمحن، بل إنه شعب يؤكد دائما وأبدا أنه يستطيع أن يجعل من ألمه محطة تظافر الجهود، واستنفار الهمم، وتحويلها بقدرته الخارقة إلى مفاعل إنساني يُصَدِّرُ الطاقة الإيجابية نحو السّلبيّين من المتقاعسين والمتردّدين والمتربصين.
نعم نقولها بدون مركب نقص، يلزمنا فعل الشيء الكثير لتحقيق ما نتطلع إليه من حقوق يكفلها الدستور والمواثيق الدولية في سياق تكافؤ الفرص أمام كافة أبناء الوطن سواء مما نتوفر عليه من ثروة برية أو بحرية أو طاقات شبابية، مقابل ما نؤدي من واجبات وإخلاص للوطن، ومع ذلك نؤمن بالديمقراطية كآلية للحوار والتشاور والنقد البناء كما نؤمن بعمل مؤسسات الدولة التي من واجبها إزاحة ومحاسبة ومعاقبة من يجثم على صدر الوطن، ويلتهم خيراته ومقدراته حتى لا تتكرر مآسينا ذات الصلة بما هو طبيعي أو بفعل البشر.
لذلك نريد القطع نهائيا مع مصائب وفضائح الريع واقتناص فرص الإغتناء من جراح ومآسي المواطنين، والتلاعب بصفقات المال العام. ونريد أيضا تفعيل القانون ومحاسبة سراق الوطن، ونفتح الطريق أمام شبابنا التواق لمستقبل واعد.
لقد حان الوقت لقول الحقيقة في وجه من يريدون أن يحولوا الوطن إلى بقرة حلوب يستنزفون حليبها، ويوزعون لحمها ويفتتون عظامها، ويَسْلَمُونَ ويفرّون بجلدهم من العقاب والمحاسبة وأيديهم ملطخة بجرائم المال العام، ونهب ثروة البلاد والعباد ومقدرات الوطن.