بينما هجرت القنوات الإخبارية الدولية، التي تحترم نفسها، جميع أخبار العالم، وركزت على تغطية أخبار "زلزال الحوز"، منذ لحظة وقوعه بكل التفاصيل التي تجعل المغاربة على بينة مما وقع، وما سيقع، وذلك بالاستعانة بالخبراء والمختصين وعلماء الزلازل والأطباء والمسؤولين عن الإغاثة والسلطات المحلية والمواطنين من المناطق التي هزها الزلزال، اختارت "التلفزة المغربية" أن تتخلف عن الركب، وكأن المغرب يوجد في مجرة بعيدة عن الأرض، وكأن الأموات ينتمون إلى كوكب زحل، والأماكن المنكوبة مقتطعة من فيلم كارتوني لدولة "شاكر باكر بن". وهو ما يعني أن تلفزة «فيصل العرايشي» وقعت على فضيحة من العيار الثقيل في حق المغاربة أولا «دافعي الضرائب»، وفي حق الإعلام المهني ثانيا، الأمر الذي يفرض مرة أخرى ضرورة ضخ دماء جديدة في إدارة الإعلام العمومي المجني عليه.
فلو كانت التلفزة المغربية تعمل بمهنية تستحق الاحترام لكانت هي المصدر الأكثر قوة للخبر المرتبط بالزلزال، ولغصت بلاطوهاتها بالخبراء والمحللين، ولكان المغاربة متحلقون حولها لتتبع أخبار بلدهم، ما دام الزلزال وقع في وطنهم، وما دامت الهزات الارتدادية تطارد طمأنينتهم. غير أن «التلفزة المغربية» بانطفائها المعهود، وانعدام تفاعلها المألوف أمام الأحداث الكبرى، لم تكن في الموعد، مما فسح المجال للتهكم عليها، بل الامتعاض من تأخرها الواضح في مواكبة ما وقع، إخبارا وتحليلا وتوفير معطيات علمية حول الموضوع، الأمر الذي يعيد طرح السؤال: لماذا لا تتم إقالة الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون فيصل العرايشي؟ وما سر قوة هذا الرجل الذي قضى حوالي 24 سنة على رأس التلفزة دون أن يجرؤ أي وزير للاتصال، منذ الوزير المرحوم العربي المساري، على إزاحته من منصبه؟ وهل قدر المغاربة في زمن «السبايس إكس» أن تحتجز تلفزتهم العمومية في رأس مسؤول أثبت أنه فاشل، ولا قدرة له على إنتاج تلفزة عمومية تحترم ذكاء المغاربة وتقود النقاش العمومي بمهنية وموضوعية ومسؤولية ومنافسة القنوات الأجنبية التي اقتحمت كل البيوت المغربية؟
المثير، حسب العارفين بتاريخ الرجل، أنه لم يأت إلى التلفزة على ظهر أي كفاءة، ذلك أنه سقط بمظلة «جهة نافذة» على التلفزة سنة 1999، الأمر الذي فاجأ حتى الوزير المسؤول عن القطاع آنذاك «العربي المساري»، وهو ما جعل المهنيين «يستقبلونه» كمدير لا يمكن محاسبته أو المساس به، وألا قدرة لأحد مهما بلغ شأنه، على نقله من مكانه.
لقد ظلت التلفزة المغربية، مع فيصل العرايشي، غارقة في نفس الخط المتحجر الذي حُدد لها منذ تأسيسها 1961، ولا تزال مساهمتها في النقاش العمومي وقضايا الساعة التي تهم الحياة اليومية للمغاربة مباشرة ضامرة ورديئة إلى أبعد الحدود، وليس أدل ذلك من فشلها الذريع في مواكبة أخبار زلزال الحوز كحدث وطني ودولي، ومن تحولها في نظر الكثيرين إل عنوان لـ «الرداءة»، خاصة أن الزلزال القوي الذي ضرب بلادنا، كان فرصة كبيرة لتتمكن من استقطاب المشاهدين من مختلف الأطياف، ومن مختلف البلدان، لو اعتمدت على تنويع شبكتها البرامجية، واختارت البرامج الإخبارية والحوارية والوثائقية وحتى التحقيقات كجزء لا يتجزأ من تغطية «زلزال الحوز» على مدار اليوم والساعة.
إن فشل العرايشي يثبت أن التلفزة المغربية بعيدة كل البعد، وبكل الوضوح الممكن، عن المنافسة مع قنوات إخبارية عربية وإقليمية، وأن الرهان على الرجل نفسه من أجل تحقيق الإقلاع المأمول مجرد وهم، والخير كل الخير في إعفائه من مهامه وتركه يذهب بسلام للاهتمام بصحته، بدل أن تظل «دار البريهي» على حالها وعلى نهجها «التضبيعي» للشعب.