إدريس الأندلسي: كم أنتم كرماء يا مغاربة

إدريس الأندلسي: كم أنتم كرماء يا مغاربة إدريس الأندلسي
دم يغلي في جسد كل مغربي، يريد أن يخرج من عروق مغربي وحتى من عروق زائر أجنبي لكي يبعث الحياة في جسم جريح من جراء الزلزال. طوابير طويلة جدا وتصل مدة النتظار لإعطاء الدم إلى أكثر من ثمان ساعات. وهذا عنوان كرم متجدر وتضامن أسطوري. جمعيات وأسر ومواطنين من كافة الطبقات الإجتماعية ومن كافة الجهات واجهوا الزلزال بالتضامن. تحركت كل الطاقات داخل المغرب وخارجه وتجمعت لديها أطنان من المواد الغذائية والتجهيزات والأدوية. تحركت قوافل في إتجاه مراكش تحمل أمل المغاربة وكثير من أصدقاء المغرب والمغاربة لمن أراد القدر أن يكون من ضمن المنكوبين. إنها مظاهر الكرم والتضامن الأسطوري.
شباب يتخلون عن أعز ما لديهم من لباس ويبعثون به لمقر الجمعيات. نساء ورجال يبعثون بما لديهم لكي يعيش التضامن ويبعث الحياة من جديد في منطقة حولها الزلزال إلى أطلال وسيحولها الكرم والتضامن إلى مستقر آمن لكي تستمر الحياة وتعود الأسر إلى حياة جديدة، ولو بعد جحيم، وتستمر في إعطاء منتوج للعيش ما دام العيش ممكنا وإلى الأبد...
نعم أنتم تحملون قيم الكرم والتضامن لأنها تسكنكم في علاقاتكم الأسرية. ولذلك تظل أكبر مؤسسة للتغطية الإجتماعية وخصوصا للتغطية الصحية هي الأسرة في شكلها الكبير الذي يضم العم  والخال والجار وأولادهم. هذه المؤسسة الإجتماعية الطبيعية لديها كنوز من الوسائل التي تتحرك كل دقيقة وساعة ويوم. إنها مؤسسة تتجاوز في رأسمالها  كل البنوك ومؤسسات التأمين  وكل الشركات الكبرى. الأسرة في مفهومها الواسع تغطي أكثر من 60% من مصاريف الصحة ببلادنا. الأسرة الكبيرة تغطي كثيرا من مصاريف أعضائها غير القادرين على مواجهة أعباء الحياة. ولهذا لا يمكن أن نطلب من المغربي والمغربية أن ينتمي إلى ثقافة تقدس العزلة الأسرية في حجمها الضيق. لا تنجح أي زيجة ولن تنجح إذا حاول أحد أطرافها عزل الآخر عن محيطه الأسري الكبير. التضامن مقدس والكرم سلوك عادي إتجاه الأخ  وإبن الخال والخالة وإبن العم والعمة ومن يخالف هذا  المقدس يعيش في عزلة.
ولكن... نعم ولكن، هناك الاستثناءات التي أصبحت تحتل مكانا في مجتمعنا. بعض المغاربة يريدون تقليد الغرب في تفريخ أدوات الإبتعاد عن الأسرة الكبيرة. بعض المغاربة أصبحوا يفضلون الانعزال عن  وسطهم و همهم الوحيد العيش وفق تقاليد أخرى يكتشفون أنها زائفة حين يعيشون مرحلة شدة ومرض وهشاشة. نعم تزلزلنا المصائب فنقف وقفة رجل واحد وتصبح التعبئة أولوية،  ولكن المغرب يحتاج إلى تعبئة يومية.  كلنا ننتقد الواقع  وكلنا نتكلم بصوت واحد عن عمق  وضخامة التفاوتات المجالية والإجتماعية منذ سنين. الحل بين أيدينا. نلوم كل المؤسسات ونحن من وضعنا على رأسها من لا يعطي للأمانة والمسؤولية أي وزن. الكرم  والتضامن  ثقافة  ويجب أن يمتزج بالوعي السياسي وليس الحزبي.
الكرم والتضامن في المغرب يمكن أن يصنع المعجزات. بالأمس قررنا أن نبني طريقا للمياه من حوض سبو إلى حوض أبي رقراق  فنجحنا بفضل الإرادة  والثقة في الطاقات المغربية. واليوم لدينا ثقة أكبر لكي نعيد بناء ما هدمه الزلزال. المغربي والمغرب سيد قراره. نعم انفتحنا على من كانوا من كانوا منفتحين لمرافقتنا في مواجهة آثار الزلزال،  ولكن المغربي، ككثير من المنتمين إلى بلدان أخرى، يقدر المواقف ويحللها بموضوعية  ويبتعد عن تسييس  التدخلات غير البريئة. لكل ما سبق،  يجب التذكير بأن ما نسميه "بالقرار السيادي" يوجب الكثير من الإحترام من طرف من لا زالوا يعتبرون أنهم الوحيدون الذين لديهم علم تدبير الكوارث الطبيعية. سلطات فرنسا أو لنقل بعضها يعيشون على إيقاع ماض بمكونات ماضوية وحرص كبير على تأمين مكاسب تعود إلى الفترة الإستعمارية. ولنا جزء من المسؤولية في هذا الوضع. هناك أبناء أسر مغربية يعيشون على مبدأ خدمة "ماما فرنسا" ويحاولون استصغار جهود مواطنيهم. كرم "الماما " لن يصل إلى كرم المغاربة وتضامنهم الأسطوري.
يا من أحب... يا من أحب لأنهم مغاربة يحبون وطنهم وهم كثر.  يا من خلقوا الفرحة في قلوب مواطنيهم وتحولوا من رب  وربة أسرة إلى فاعلين جمعويين  وصناع لثقافة مغربية راهن بعض الغرباء على موتها. نحبكم ونتمنى أن تستمروا في هذا العمل الحضاري الكبير  وعلى صعيد الوطن وأن  تنخرطوا في قلب المعطيات المتعلقة بالتفاوتات المجالية والإجتماعية. نريد أن لا تنتهي هذه الأزمة  دون أن تكون ثقافة الكرم والتضامن قد أصبحت سياسة عمومية يحملها المواطنون والدولة. في يومنا، أشعر بفخر كبير وأنا أتابع ذلك الكرم وذلك التضامن المغربي لمواجهة  كل الكوارث الطبيعية. ولكن الشكر والعرفان واجب حين يحضر كل أصدقاء المغرب  بقوة وبدون شروط وبناء على برمجة تحترم الأولويات. سنخرج من هذا الإمتحان بكثير من القوة  والوعي بضرورة إعادة النظر في تدبير المجال الترابي و قوانينه. أحب الديمقراطية وأكره من يمتهنونها  لصالحهم ويغتنون لأنهم  يمتلكون سلطة القرار. هناك مناطق في بلادنا يحكمها أميون ويجب أن يتم تدبيرها من طرف مؤسسات الدولة مع رقابة صارمة. وهناك مناطق أخرى لديها القدرات التدبيرية  والموارد البشرية التي يمكن أن  تتم مصاحبتها بشكل مسؤول وشفاف. وخلف هذا المشهد المؤسساتي، يوجد مجتمع حي وفاعل يتجاوز المؤسسات " المنتخبة" ولكنه لا يريد أن يتواجه مع كتائب انتخابوية تتقن صناعة العنف. دمتم كرماء ومتضامنون أيها المغاربة ولتنهزم أمامكم جحافل إفساد التدبير العام بالمملكة المغربية.